الجمعة 2018/12/07

آخر تحديث: 17:19 (بيروت)

ملكية الإعلام اللبناني.. خفايا متشعبة ونقاش خجول

الجمعة 2018/12/07
ملكية الإعلام اللبناني.. خفايا متشعبة ونقاش خجول
النقاش فوّت فرصاً كانت متاحة للإضاءة والتركيز على نقاطٍ بالغة الأهمية (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
ليس من المغالاة القول إن الجهود الكبيرة واللاهثة التي تبذلها مجموعة من المؤسسات والجهات المدنية في سبيل تطوير الإعلام اللبناني والارتقاء بمستوى أدائه وخطابه لا تلقى التفاعل المطلوب والاهتمام اللازم. إذ يعتريك الشعور بعد الحضور المتكرر لفعاليات إطلاق ومناقشة المبادرات والدراسات المتعلقة في هذا الشأن والندوات التي تعقد ضمن هذا الاطار، بأنّ مصير هذه الجهود هو الخيبة والفشل. كما أن النقاش الدائر في كل مرة داخل أروقة المؤتمرات المماثلة كاف للإطاحة بأي تفاؤل مستقبلي.


لا حماسة ظاهرة تترافق مع نقاش أحوال وأزمات الإعلام اللبناني. فالبلد الغارق بأزماته يفرض الانشغال على الصحافيين لملاحقة الأحداث اليومية وملحقاتها، أكثر من اهتمامهم بقضاياهم. وهذه خلاصة النقاشات الفردية الدائرة بين الحضور، متقاطعة مع ما يصدر من همهمة من هنا ودردشة من هناك. ولا حاجة لتعليق أو تحليل معمّق، إذ يبدو من الجلي بأنه ليس من دافع يقود للاهتمام بالمشاركة في نقاش مرتبط بالمهنة، خصوصاً حين يرى فيه كثيرون مجرّد ترف لا طائل منه، ولا يعدو عن كونه كلاماً نظرياً مكروراً، لا جدوى منه ولا فائدة.

هذا الجو كان مخيماً بالأمس خلال المؤتمر الذي خصصته مؤسسة سمير قصير لإطلاق دراسة حول "ملكية وسائل الإعلام في لبنان" ونقاش أبرز ما جاء فيها، لكن الحضور خلا بمعظمه من الصحافيين، الذين لم يتواجد منهم سوى عدد قليل، لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة. كما تغيّب وزير الإعلام ملحم الرياشي، بعدما قطع وعداً بالحضور. ولم يقتصر الغياب عليه، إذ انسحب على الكثير غيره من المدعويين، سواء من العاملين في وسائل الإعلام أو من أصحاب القرار في المؤسسات الإعلامية. 

لم يثر غياب الوزير أو المدعوين استغراب أحد من الحاضرين. إذ بدوا مسلّمين بهذه الحال باعتبارها أمراً واقعاً تعودوا عليه في لبنان. فالوجوه والأسماء نفسها تتكرر تقريباً في معظم جلسات النقاش المماثلة، بصرف النظر عن مدى تباين مستوى أهميتها ومضمونها، ما يجعل النتيجة متوقعة ومعروفة، عدا عن أن النقاش الطويل الذي استتبع إطلاق الدراسة وعرض معطياتها ونتائجها، فوّت عدّة فرص كانت متاحة للإضاءة والتركيز على نقاطٍ بالغة الأهمية، خصوصاً وأنّ موضوع البحث يحتمل التشعب وتناول الوقائع وسردها بشكل جريء وشفاف، عوضاً من الغرق والاسترسال في تعريف الإعلام المستقل، وتوصيف الواقع المسيّس، وأثره على السياسة التحريرية وأداء العاملين، ما وجّه النقاش نحو بديهيات لم يكن من داعٍ للخوض فيها. فلا هذا المؤتمر ولا غيره له القدرة على تغيير واقع الاعلام وتركيبته، بل كان من الأجدر تصويب النقاش وتركيزه مباشرة نحو صلب الدراسة التي عقد من أجلها.

الدراسة التي تضمنت نقاطاً عديدة طرحت أسئلة عن كيفية إمكان الناس من تقييم موثوقية المعلومات إن لم يعرفوا من يزوّدهم بها؟ وكيف يمكن للصحافيين أن يقوموا بمهامهم بالشكل الصحيح إن لم يعرفوا من يتحكّم بالشركات التي يعملون فيها؟ وكيف يمكن للسلطات الإعلامية معالجة الإفراط في التركّز الإعلامي إن لم تعرف من يقف خلف المقوَد الذي يُدير الماكينة الإعلامية؟. وهذه الأسئلة على جوهريتها لم تتم مناقشتها بالشكل المطلوب والوافي، رغم حضور شخصيات ضليعة في هذا المجال، مثل النائبة بولا يعقوبيان، صاحبة الخبرة الطويلة في مجال الإعلام، والتي تُعرف بجرأتها، وبتسمية الأشياء بمسمياتها مثلما هي. إلا أنّ مداخلات البعض ساهمت بتشتيت الأسئلة والقفز فوق الأفكار وتفكيك إشكالياتها المهمة، الأمر الذي لم يساعد على التصدّي للموضوع بشكل معمّق ومتسلسل، ما أبقى الكلام حوله عالقاً في العموميات.

الحديث عن ملكية وسائل الاعلام ومصادر تمويلها وتأثير المساهمين فيها له أكثر من جانب، كان يفترض الإضاءة على جملة خفايا وما يدور خلف الكواليس. الأمر الذي لو تمّ الإفصاح عنه والتطرق إليه بشكل جريء كان ليساعد حتماً على فهم الدوافع الخفية للتناحر السائد بين المؤسسات الإعلامية، وكان ليفكك تشابك الفهم حول مجمل خلفيات خطابها السياسي ومصادر تمويلها، وصولاً لاستيعاب جملة المواقف لكل قناة أو جريدة أو مؤسسة إعلامية انطلاقاً من معلومات ووقائع تم توثيقها في الدراسة، لكن التطرق إليها لم يأخذ حقه في النقاش، بالرغم من أنها المرة الاولى، التي باتت فيها هوية هذه الجهات، إضافة إلى مصالحها وهيكلياتها وعلاقاتها، جلية بفضل العمل الاستقصائي الشامل الذي قام به مركز "سكايز" بالتعاون مع منظمة "مراسلون بلا حدود".

وفيما ينظر غالبا إلى بيئة الإعلام في لبنان على أنها الأكثر حرية في العالم العربي، إلا أنها، وبحسب الدراسة، تبدو متلاصقة بشكل وثيق مع القوى السياسية المحلية والأجنبية الفاعلة على أرضه. وتستفيد مجموعات سياسية أساسية، بالإضافة إلى عدد من أبرز العائلات، من ضعف الإطار القانوني واختلاله، وسريان ثقافة التساهل في تطبيق القوانين، ما جعل العائلات تتمكن من الحفاظ على قبضتها مطبقة على فئات من الرأي العام، لا بل عززتها، على مر الأحداث الدراماتيكية التي توالت في لبنان وجواره خلال العقود الفائتة.

وتوصلت الدراسة، التي تناولت المؤسسات الإعلامية في القطاع المرئي والمسموع والمطبوع والالكتروني، إلى أن معدلات المشاهدة في لبنان تتركّز بين عدد محصور من الجهات الفاعلة والأُسر السياسية الأساسية، ما يولِّد مشهداً شديد الاستقطاب، ويشير إلى أن الشفافية في تحديد هيكلية ملكية وسائل الإعلام والوصول إلى البيانات محدودة أيضاً، من دون وجود أي موجب يُلزم أي مالك بإشهار انتمائه السياسي بشكل علني.

كما بينت أنّ هناك 37 وسيلة إعلامية تتمتع بأعلى حصص متابعة في لبنان، وهي محصورة في أيادي ثماني عائلات، وثلاثة أحزاب سياسيّة. وتستحوذ الشركات التلفزيونية الأربع الأولى، وهي "إل بي سي" و"الجديد" و" إم تي في" و"أو تي في" على متابعة 8 من أصل 10 مشاهدين تقريباً (أي 78.1% من نسب المشاهدة). وهي مملوكة على التوالي من عائلات الضاهر - سعد، وخياط، وعون، وغبريال المر.

وينسحب هذا الواقع على قطاع الصحف الورقية، حيث تستحوذ الشركات الأربع الأولى، وهي "الجمهورية" و"النهار" و"الأخبار" و"الديار" على نسبة 77.9% من القراء. ويتمثل المساهمون الأساسيون في هذه الشركات بكل من ميشال إلياس المر، وعائلتي الحريري وتويني، وإبراهيم الأمين، وشارل أيوب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها