الأربعاء 2018/12/12

آخر تحديث: 15:05 (بيروت)

ماكرون يتفوّق على المونديال تلفزيونياً.. فهل خدع الفرنسيين؟

الأربعاء 2018/12/12
ماكرون يتفوّق على المونديال تلفزيونياً.. فهل خدع الفرنسيين؟
عنوان "ليبراسيون" يذكر بخطاب شهير لشارل ديغول
increase حجم الخط decrease
درجت العادة في فرنسا على تقييم أي حصة تلفزيونية، بمقارنتها مع نسبة متابعة الفرنسيين لنهائي كأس العالم. استناداً لهذا المعيار، كان خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأخير لافتاً، إذ شاهده أكثر من 23 مليون فرنسي، فيما تسمّر 19 مليوناً أمام الشاشات خلال المباراة النهائية لكأس العالم 2018. 

هذا النجاح التلفزيوني الذي حققه الخطاب المتلفز، لناحية نسب المتابعة، دلّ على توق الفرنسيين إلى الخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ ما يقارب الشهر، وتنامي آمالهم بأن يتجاوب رئيسهم مع مطالب الشارع. 

إلا أن ما استرعى اهتمام الصحافة، لم يكن النجاح في الاستحواذ على هذه النسبة المرتفعة من المشاهدة، بل تحليل حزمة الإجراءات الاقتصادية التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي، لمحاولة استخراج الشياطين الكامنة في تفاصيلها.

أول ما يمكن استخلاصه من خطاب ماكرون أنه أراد تغيير صورته لدى الرأي العام. منذ انتخابه، يرى الفرنسيون فيه شخصية متغطرسة، ومتعالية لا تصغي للنصائح وتستأثر بالسلطة. 

مع إعلانه عن حزمة إجراءات اقتصادية، أراد الرئيس الفرنسي إيصال رسالة بأنه على تماس مع نبض الشارع، حتى أن صحفاً ومواقع إخبارية عديدة اعتبرت هذا الخطاب المتلفز بمثابة اعتراف بأخطائه السابقة، مشبهةً إياه بالصلاة الليتورجية mea culpa، ما دفع بصحيفة La Tribune الاقتصادية للتساؤل عما إذا كنا أمام تحول في سياسة ماكرون باتجاه دعم القدرة الشرائية للفرنسيين. إلا أن صحفاً أخرى مثل Libération بدت أكثر حذراً، فنشرت في صفحتها الأولى صورة للرئيس الفرنسي مذيلة بعبارة "لقد فهمتكم قليلاً"، وهو عنوان يذكر بخطاب شهير لشارل ديغول.    

والصحيفة الفرنسية محقة في حذرها هذا. فما أعلنه الرئيس الفرنسي من اجراءات، لا سيما رفعه الحد الأدنى من الأجور، ما زال يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان سيدفع حركة السترات الصفراء للاستمرار في تحركاتها الأسبوعية.  

فصحيفة Les Echos الاقتصادية قدرت كلفة هذه الحزمة بـ11 مليار يورو، ما يهدد بزيادة عجز الميزانية في العام 2019 إلى 3.5% من الناتج المحلي على عكس الـ2.8% المتوقعة.

من هنا طُرحت علامة استفهام كبيرة حول مصادر تمويل هذا الارتفاع في ميزان المدفوعات، لا سيما مع تأكيد ماكرون أن أرباب العمل لن يتحملوا هذه الكلفة. وأبدى معارضون خشيتهم من أن يكون المقابل لهذه الحزمة تراجعاً في الخدمات العامة.

لكن الصحف التي انصب جلّ اهتمامها على تفنيد الزيادة في الحد الأدنى للأجور، لم تجد صعوبة في تقديم الإجابات اللازمة لقرائها. إجابات بدا معها ماكرون مخادعاً. فالـ100 يورو الاضافية التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي، تنقسم كالتالي: 25 يورو عبارة عن زيادة روتينية تأخذ في الاعتبار معدلات التضخم السنوية، و"مكافأة عمل" (تتراوح قيمتها بين 70 و80 يورو) تُقدم على شكل مساعدة اجتماعية لذوي الدخل المحدود. 

والجدير بالذكر أن برنامج ماكرون الانتخابي تضمن هذه المكافأة، مع فارق أنه كان ينوي تطبيقها تدريجياً، إلا أنه استعجل حرق المراحل لضبط الشارع. وقد لخّصت صحيفة Le Monde تلك الاستراتيجية، فعنوت صفحتها الأولى "عشر مليارات لإنهاء الأزمة".

كما تساءلت المصادر الصحافية نفسها عما إذا كانت الـ100 يورو تتضمن إجراءات سابقة اتخذتها الحكومة ودخلت قبل مدة قصيرة حيّز التنفيذ، والمقصود هنا خفض مساهمة الأجراء في التأمين الصحي، أي أن ماكرون أعاد تدويرها لتظهر وكأنها إجراءات جديدة. 

وبعيداً من فرضية ممارسة ماكرون للخداع الإعلامي، لم تُقيّم هذه الزيادة في الأجور بإيجابية كبيرة. فالمبلغ المذكور لا يعتبر من أساس الراتب، ما يعني أن هذا ارتفاع في الحد الأدنى لن ينعكس إيجاباً على الراتب التقاعدي، وهي معضلة بالغة الأهمية لدى عموم الفرنسيين والفرنسيات.

صحف أخرى سلكت طريقاً مختلفة في معرض انتقادها لماكرون، فسلطت الضوء على ما تضمنه خطابه من تناقضات. فتساءلت: كيف شدد على مبدأ التكافل والتضامن بين مختلف الشرائح الاجتماعية من جهة، فيما تمسك بإلغاء الضريبة على الثروات من جهة أخرى؟ كما  ذكّرت Le Figaro بأن توجهات ماكرون، إبان توليه وزارة المالية في عهد هولاند، تتناقض مع ما أعلنه في هذه الحزمة، لا سيما لناحية إعفاء ساعات العمل الإضافية من الضرائب، ما قد يشير إلى تخبطه وافتقاده لرؤية واضحة المعالم. 

رغم حذر الصحف الفرنسية في التعاطي بإيجابية مع خطاب ماكرون الأخير، إلا أن أصواتاً ارتفعت داعمة له. ففي افتتاحية Le Figaro، اعتبر الكسيس بروزيه أن الرئيس الفرنسي أبلى بلاءً حسناً، داعياً حركة السترات الصفر إلى التحلي بالمسؤولية. فبحسب بروزيه، بات المشهد السياسي الفرنسي يتخطى مصير ماكرون السياسي، وإذا ما استمرت احتجاجات السترات الصفر، فإن مستقبل فرنسا الديموقراطي سيصبح على المحك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها