الثلاثاء 2018/11/06

آخر تحديث: 19:24 (بيروت)

حملة "مين الفلتان" لدعم المغتصَبات.. فاشلة!

الثلاثاء 2018/11/06
حملة "مين الفلتان" لدعم المغتصَبات.. فاشلة!
increase حجم الخط decrease
لمناسبة بدء حملة الـ16 يوماً العالمية للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، اختارت منظمة "أبعاد" المشاركة، على طريقتها، بإطلاق حملة جديدة في لبنان، تهدف إلى الضغط باتجاه تشديد العقوبات وتسريع المحاكمات، بحق المعتدين في حالات العنف الجنسي والاغتصاب بشكل خاص، إضافة إلى تغيير النظرة المجتمعية التي توصم المرأة المغتصبة بالعار وتدفعها إلى التستّر على الجريمة، وخلق رأي عام داعم يدين فعل الاغتصاب، كجريمة تستوجب العقوبة الرادعة.


وبالرغم من صوابية الأهداف والحاجة الفعلية إلى تحقيقها، إلا أن المنظمة أسقطتها جميعاً بإطلاقها حملة تستفز المجتمع ولا تخدم القضية. ففي حين أرادت "أبعاد" استكمال جهودها التي بدأتها في العام 2016، للتصدّي لجريمة الاغتصاب، من خلال حملتها الجديدة "مين الفلتان؟"، وقعت المنظمة في سقطة هائلة، تكاد تنسف تلك الجهود التي سبق أن تكللت بنجاحات عديدة، أبرزها إلغاء المادة 522، التي كانت تسمح للمغتصب بالزواج من الضحية، لانتفاء الفعل الجرمي عنه.

تقول المنظمة إنّ أهم ما يميّز حملتها الجديدة هو اتباعها نمطاً سائداً ومعروفاً عالمياً في كشف الواقع على حقيقته، وأنها قررت اتباع طريقة التجربة الاجتماعية التفاعلية في أكثر من منطقة في لبنان، لرصد سلوكيات وردود أفعال الأشخاص المتواجدين في محيط التجرية، معتبرة أن هذه السلوكيات تعكس نظرة المجتمع ككل وتفاعله مع ضحية الاغتصاب.

وفي حساباتها الاجتماعية، نشرت مقطع فيديو لمشهد تمثيلي، يُظهر شابة في مقتبل العمر تقف وتدور حول نفسها ليلاً في أحد الشوارع الشعبية. يتقدّم منها الناس ويسألونها عن حالتها وما أصابها، في الوقت الذي تقوم هي بالهمهمة تارة والبكاء والصراخ تارة أخرى. وبعد إلحاح الناس عليها، تجاوبهم بأسلوب يجمع ما بين الذهول والهيستيريا: "أخذ مني كل شي واغتصبني". تتصرف بعدها بشكّل محيّر، يربك جميع من حولها، إذ بدوا وكأنهم عاجزين عن فهم ما حصل معها ومحتارين في كيفية التصرّف حيال طريقة مجيئها ودورانها في الشارع. معظمهم يعرض المساعدة، بينما هي تظهر عدم تجاوبها وتصرخ: "ما بدي أهلي يعرفوا" و"خلص". ثم تُسمع تعليقات بدا واضحاً أنها مسجلة في استديو، كون الصوت شديد الوضوح والنقاء ولا تحوطه أي جلبة، وبدا أنه رُكّب ليواكب المشهد التمثيلي بعبارات مثل "مبينة خبرة" و"فلتانة" و"مبينة من واحد لواحد" وغيرها.



في لحظة الانتهاء من مشاهدة الفيديو يتبادر فوراً إلى الذهن التساؤل عن جدوى المشهد برمّته، إذ تتضّح مدى عبثية ظهور الفتاة التي يُفترض أنها الضحية في الشارع، في هيئتها وشكلها ونزقها وتصرفها الهيستيري، وكلامها غيرالواضح والمفهوم، ما جعلها تبدو وكأنها في حالة من الضياع لا تمت بصلة، ولا يمكن ربطها، حتى إيحاءً، بأنها فتاة قد تعرضت تواً للاغتصاب والاعتداء والسرقة. إذ لا يظهر في وجهها أو جسدها أي أثر للمقاومة أو الكدمات أو الخدوش. كما أنها لا تظهر في حالة مزرية، وليس في ثيابها أي تمزق أو اتساخ، وكل ما تبديه حركاتها يدّل على أنها تؤدّي مشهداً تمثيلياً غير متقن. فهي تحدث جلبة لا مبرر لها، من دون أن تطلب المساعدة أو إيصالها إلى بيت أهلها أو المستشفى أو مركز أمني، ولا تطلب حتى من يُقلّها أو يساعدها على القيام بأي اتصال بأحد معارفها، بل جلّ ما تفعله هو استقطاب المزيد من المارة في الطريق، بهدف استكمال مشهدها المسرحي المحيّر والمربك. 

نمط إحداث الصدمة واستخدامه بهدف التوعية، لاختبار مدى تفاعل الناس معه، كان له أثر إيجابي في بعض الحملات، التي قامت بها سابقاً المنظمة نفسها، ومنظمات أخرى أبرزها "كفى". لكن الفكرة والمثال الذي قدّمته تلك التجارب، كان واضحاً وجلياً ويخدم الفكرة المراد التصويب عليها، وجعلَ تفاعلَ الناس معها فورياً وعفوياً، وهو الأمر الذي لم يتحقق في هذا الفيديو الأخير. إذ لم يكن المشهد التمثيلي قادراً على إيصال فكرته أو إقناع من شاهده في الشارع أو من خلال وسائل التواصل، خصوصاً باقترانه مع الأصوات المركبة، ما جعل أذهان الناس تذهب في اتجاه آخر، قد لا يختلف كثيراً عن النتيجة التي من المفترض أن يستنكروها لا أن يؤيدوها. ففي حقيقة الأمر، كان من السهل الظن بأنّ الشابة تحت تأثير مخدر أو عقار ما أكثر مما تبدو وكأنها تعرضت للسرقة والاغتصاب.

الدوافع التي دعت منظمة "أبعاد" إلى اعتماد هذا الفيديو في حملتها التوعوية والاستفسار عن مدى صوابيته ومدى الصدى المتوقع منه، كانت محور جدل، في مواقع التواصل عقب إطلاق الفيديو وانتشاره، فيما برز تعليق للمديرة التنفيذية لجمعية "بدائل"، زينة علوش، قالت فيه: "أتحدث الآن بصفتي مختصة في تصميم وإنتاج حملات توعية لإحداث تغيير إيجابي في السلوك الاجتماعي والصحي، وهذا اختصاص تعلمته في دراسة الماجستير ومارسته لسنوات طويلة في عملي مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة. كما أنني قمت بتدريس المادة على فترة سبع سنوات في جامعة البلمند. وفي كل المقاربات والقراءات والدراسات لم يثبت حتى الآن أن استدراج الناس لإظهار السلبي فيهم يساهم في زيادة الوعي المؤدي إلى تغيير السلوك عند الفئة المستهدفة".

"لا إيجابية في استدراج الناس إلى أبشع ما عندها"، تضيف علوش، موضحة أنّ "المعني سيكون في مكان الدفاع عن النفس، وبالتالي فهو إما يبرر أو يلوم أو يستشرس في سلبيته. ولا شيء إيجابياً في الاستدراج سوى تعزيز الاحساس بالفوقية من جهة والدونية من جهة أخرى. وفي الوقت المستقطع المزيد من الضحايا والكثير من الهدر".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها