الجمعة 2018/10/05

آخر تحديث: 18:58 (بيروت)

مارسيل غانم.. وقد أعاد للإعلام اللبناني سلطته!

الجمعة 2018/10/05
increase حجم الخط decrease
نتيجتان حققتهما عودة الاعلامي مارسيل غانم الى الشاشة، مساء الخميس، في أولى حلقات برنامج "صار الوقت" في قناة "أم تي في". الأولى تتمثل في إعادة النفوذ إلى الإعلام التقليدي الذي تراجع إثر شيوع موجة المواقف والردود السياسية المتبادلة عبر "تويتر". والثاني، وهو التحدي الأهم، إعادة السياسيين الى الاستديو بعد انقطاع بدأ إثر التهديدات الأمنية، وتوسع الى سياسيي الصف الأول، قبل أن يتحول الى عُرف مهين لوسائل الاعلام وموقعها أمام السياسيين الذين كانوا قد بدأوا يعتادون استقدام الصحافيين إلى بيوتهم أو مقار أحزابهم، وهو ما بلغ ذروته خلال الانتخابات النيابية الماضية. 
وبحضور الرئيس سعد الحريري الى الاستديو، بترتيبات أمنية من شأنها أن تزيل هواجس "التهديدات السابقة"، استطاع غانم أن يلغي ما بات مؤخراً العُرف في البرامج الحوارية اللبنانية. فلا السياسي أكبر من منبر يطل عبره، ولا التهديدات الأمنية تلزم المحطة بنقل طواقمها الى منزله. سلطة الإعلام تتعزز الآن، على قاعدة أنها "غير تابع"، ولا تخضع لمقاييس الاستضافة السياسية التي تفرض حُكماً خفض سقف الحوار. مارسيل، بهذا المعنى، يعيد فرض شروط المحاوِر على السياسي، بمقاييس عديدة. 

وفق مقياس غانم، يحدد طبيعة البرنامج شكل الحوار ومعاييره. فالهواء ليس ملكاً لسياسي. الأخير ملزم بأن يكون جزءاً من عرض شامل، للناس دور فيه، ولصوتهم موقع. خلافاً للاستضافة المنزلية، تحترم هيكلية البرنامج الجديد، مشاهده، وتجهد لإمتاعه وإعلامه. يقدم لمحة عامة عن مشهد سياسي معقد، يتولاها الاعلامي جورج غانم. ويشارك الجمهور برأي حول حدث موضع نقاش. بذلك، يكون السياسي، مهما علا مقامه، جزءاً من العرض، ولا يستحوذ عليه بأكمله. وتلك صيغة اعتبارية للمشاهد ولصوت الناس، وهي في الجانب الآخر، صيغة انقاذية لبرنامج ربما لن يكون ضيوفه، طوال الوقت من شخصيات الصف الأول. 

ولا يمثل العرض السياسي المبهر، الذي قدمه غانم مساء الخميس، جديداً في قناة "أم تي في" التي عُرفت باهتمامها بالشكل والصورة والتفاصيل التقنية، وهي ترصد ميزانيات عالية لتقديم عرض تلفزيوني شيّق وجذاب. غير أن عرض "صار الوقت"، لا يُحسب على التقييم السابق إلا من ناحية الشكل والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي بلغت استدعاء عمال النظافة لتلميع أرضية الاستديو قبل انطلاق البث بدقيقتين. 

العرض يزخر بمضمون شيّق ومنوع، من شأنه أن يرسم ملامح صيغة جديدة للـ"توك شو" السياسي. لا يكتفي بحوار جاف مع سياسي، تواجهه تقارير يتحدث فيها خصومه ومعارضوه بالرأي فحسب. بل يشرك صوت الناس المكتوم، والذي لا يعبّر عن نفسه الا تحت هاشتاغات يومية في "تويتر"، غالباً ما تنحدر الى الشتيمة وزيادة الاحتقان. 

ما يعرضه غانم اليوم، هو صيغة جديدة من حوار يُعمل عليه ويعرض في فقرة تحت عنوان Debate، بإشراف مؤسساتي غير لبناني. يدلي الشباب بآرائهم، من دون الانحدار الى التصادم. فالحوار مضبوط تحت سقف زمني، وبأطر محددة. وفيه فائدتان: أولاً تعميم ثقافة الحوار المقتضب والموضوعي، وثانياً التدريب على تأهيل قادة المستقبل، طالما أن هؤلاء يمثلون جهات حزبية، أو يتبنون رأياً سياسياً، فسيتدربون على مناقشة الفكرة بأقل ضرر محتمل على السلم الأهلي.

وبغرض تعميم التنوع، يشارك 180 شخصاً في كل حلقة، جرى اختيارهم من 400 شخص باتوا حاضرين للمشاركة في دفعات، ويمثلون توجهات سياسية ومناطقية وحزبية مختلفة، وبينهم طلاب جامعيون وممثلون عن المجتمع المدني. ويبدو أن تكرار وجود العشرات اسبوعياً في الاستديو، كفيل بخلق تناغم بين الحاضرين، فهم سيعتادون على بعضهم البعض وعلى البرنامج، بغرض اكتساب قدرة على الحوار.

الاستديو هنا، مشهد مصغّر من حيّز سياسي أوسع، قائم في المؤسسات الرسمية واللجان البرلمانية والدوائر الحكومية التي تضم خليطاً متنوعاً من السياسيين وأنصارهم، وتؤهلهم للتواصل باستعداد أُنجِزَ سلفاً.

يستدعي كل تفصيل في العرض الممتد لساعتين ونصف الساعة أسبوعياً، نقاشاً موسعاً بخلفياته. لكن ما يُرصد بوجه عام، هو الصوت التعددي. فالتقارير التي بُثت في حلقة الحريري، أبرزت الرأي المعارض له، ويُتوقع أن ينسحب على ضيوف آخرين، سيكون وزير الخارجية جبران باسيل ثانيهم، الأسبوع المقبل، ما يعني أنه سيواجَه بتصريحات من خصومه خلال التقارير المُعدّة خلال الحلقة. 

ولعل المفارقة الاعلامية التي تُرصد في الحلقة الاولى، تتمثل في تقرير صوره البرنامج من دمشق. وهو جهد يُعرض للمرة الأولى في "ام تي في" منذ بدء الأزمة السورية. فالتنوع الذي يفرضه البرنامج، يتطلب تقريراً مشابهاً، ما يعني أن مارسيل غانم، بمضمون برنامجه، يفتح لـ"أم تي في" أبواباً كانت مغلقة في السابق، وتتطلب الظروف فتحها، وقد تعكس انفتاحاً اضافياً على أطراف سياسية أبعدتها الأزمات المتلاحقة عن القناة. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها