الخميس 2018/10/25

آخر تحديث: 19:07 (بيروت)

"بدك عروس زغتورة وهمّها ترضي زوجها.. طلبك عنا"!

الخميس 2018/10/25
"بدك عروس زغتورة وهمّها ترضي زوجها.. طلبك عنا"!
increase حجم الخط decrease
فوجئ متصفحو "فايسبوك" و"انستغرام"، أمس، بصفحة إعلانية تنشر صوراً لفتيات دون الـ15 عاماً، عارضة إياهن للزواج، تحت عنوان "بدك عروس صغيرة، طلبك عنا"، مرفقة هذا الإعلان برقم هاتف محمول، بغرض تسهيل التواصل مع مؤسسي الصفحة، لمساعدة الراغبين في الزواج من قاصرات، في اختيار عروس المستقبل الصغيرة.

لم يستغرق وجود الصفحة، سواء في "فايسبوك" أو "انستغرام"، أكثر من 24 ساعة، ليتم إغلاقها، كنتيجة لحملة تبليغات كثيفة، قام بها ناشطون في مواقع التواصل، بعدما أثارت فكرتها ومضمونها ومحتواها الاستفزازي، غضب وسخط كل من شاهدها، وهو ما دفع منظمة "حماية" إلى التواصل مع "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية"، والابلاغ عن الصفحة والدعوة لاتخاذ الاجراءات المناسبة والرادعة للمساعدة على "وقف كل من تسوّل له نفسه التسويق والتشجيع لزواج القاصرات، كونه يشكّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل"، حسبما جاء في بيان المنظمة، التي تواصلت أيضاً مع النيابة العامة، لتقديم إخبار ضد الصفحة اليوم الخميس. 

وكانت الصفحة قد نشرت صورتين لفتاتين صغيرتين، أرفقت كلاً منهما بتعليق. الأول يقول: "فاديا 14 سنة، حلمها تكون عروس... للاستفسار اتصلوا فينا على...". والثاني: "كارلا زغتورة وقمورة وهمّها ترضي زوجها". لكن بحثاً أولياً لمطابقة صور الفتاتين في الانترنت، رجّح زيف الإعلان، كون الصور مصدرها مواقع متخصصة في بيع الصور للعموم. فما غرض من يقف وراء إنشاء الصفحة؟ هل هو فخّ للإيقاع بالاثرياء الراغبين في الزواج من قاصرات، وابتزازهم والنصب عليهم، أم أنّ هناك مآرب أخرى تختبىء وراء الاعلان؟

الإعلان الذي عرضته الصفحة بدا للوهلة الأولى صادماً ومثيراً للاشمئزاز، بقدر ما بدا غير قابل للتصديق، لمدى انحدار أسلوبه وفكرته، وهو ما يقود للتساؤل: هل يعقل أن يحصل مثل هذا الأمر، وبهذا الشكل، في لبنان؟ وهل يملك أيّ إنسان من الجرأة والوقاحة ما يدفعه للترويج لعمله المتخصص بتزويج القاصرات؟ وهل من الممكن لأي عاقل أن يظنّ ولو للحظة، أن موضوعه سيمرّ مرور الكرام من دون إثارة سخط الناس والإعلام ولفت الجهات المسؤولة، ما يجعله يعرض رقم هاتفه، الذي يُسهّل انكشاف هويته والوصول إليه؟!

تدور عجلة الأسئلة التي تقفز إلى البال، في محاولة لترجيح احتمال. وهذا ما يدفع إلى المزيد من البحث والتقصي، ليبدأ الإعلان عن أنّ أشخاصاً كثر اتصلوا بالرقم المذكور، وتبينوا حقيقة وجود هذا الشخص، الذي زعم أنه يعمل فعلاً كوسيط يقوم بتزويج الفتيات القاصرات لمن يهوى ويرغب.

ومن بين هؤلاء المتصلين، الناشطة مريم لحام، التي نشرت، في حسابها في "فايسبوك"، تسجيلاً صوتياً للاتصال الذي أجرته بصاحب الرقم المدرج في الإعلان، والذي عكس بعد التدقيق في حواره ومحتواه، أنّ الحديث الذي دار بين الطرفين يمكن وضعه في خانة دق ناقوس الخطر، أكثر من كونه محاولة للتوبيخ أو الايقاع بصاحب الرقم. فسؤالها التحذيري له، والذي ينبهه إلى أنه بإعلانه هذا يخالف القانون، يأتي الردّ عليه بكل ثقة بأنه لا يخالف بفعلته هذه أي قانون أو شرع، ولا مخالفة يتضمنها إعلانه، موضحاً بأنّ رقم القاصرات المعروضات للزواج، والذي يترواح حالياً بين 4 و5 فتيات، سيتضاعف غداً ليصل إلى 10 أو 15 فتاة، تتعدد جنسياتهن ما بين لبنانيات وسوريات وفلسطينيات، وإنه يقدّم نفسه وسيطاً بين أهالي الفتيات وطالبي الزواج، مكرراً، المرة تلو الأخرى، بأنّه ما من قانون أو شرعٍ يُجرّم فعلته أو يمنعه عن مزاولة هذا العمل.



الاستخفاف الذي ظهر في الاتصال، والتشديد على عدم وجود مواد قانونية أو تحريم ديني، والتعليقات المرفقة بصور الفتاتين الزائفتين، إضافة إلى وقاحة الإعلان بذاته، يُرجّح فرضية إنشاء الصفحة لهدف توعوي ضدّ زواج القاصرات، باستعمال أسلوب الصدمة. وهي إن كانت كذلك، تعتبر خطة ذكية قادرة على إحداث أثرٍ في نفوس الناس، تلفت الاهتمام، وتعمم الوعي لكل من لم يكن ليلتفت إلى نقص التشريعات القانونية والموقف الديني الذي يبيح ولا يمانع.

هذان الأمران دفعا بالنقاش مجدداً إلى الواجهة، حيث انخرط ناشطون في مواقع التواصل في الحديث عن قضية وجوب إقرار قوانين تحول دون زواج القاصرات، ومدى الظلم والضرر الفادح الذي يلحق بضحاياه، سواء كان نتيجة طمع الأهل وقلة ضميرهم وعدم مبالاتهم، أو لتقصير القانون ودوره الوقائي بحمايتهن، ووجوب تكثيف الجهد الذي تبذله جمعيات ومؤسسات العمل المدني للوصول إلى حلّ جذري يقي الفتيات شرّ تزويجهن، في عمر من المفترض أن يقضينه في الدراسة والنمو واللعب.

التسجيل الصوتي، الذي نشرته الناشطة مريم لحام، في صفحتها، أرفقته بتعليق عن ضرورة اقرار مشروع القانون، المقدم من النائب إيلي كيروز العام 2017، والذي يطالب بتعديل وتوحيد سن الزواج لدى كل الطوائف في لبنان في 18 سنة على الاقل. وهو اقتراح أثار سجالات في الأوساط الدينية والسياسية، وصل إلى درجة دفعت أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، إلى وصف من يؤيد إقرار القانون بأنه "يُخرّب المجتمع ويخدم إبليس والشياطين"!

إطلاق الصفحة أتى عقب إعادة تفعيل جلسات المجلس النيابي مؤخراً، ما يُرجّح فكرة إطلاقها بهدف خلق نقاش عام، وصولاً إلى الضغط من جديد لأجل إقرار مشروع القانون المذكور. علماً أن جمعية "كفى" كانت قد لجأت، في العام 2015، إلى أسلوب صادم مماثل، حين استعانت بفتاة قاصر لأداء دور تمثيلي مع رجل يبلغ أضعاف عمرها. إذ ظهرت الفتاة في فستان زفاف أبيض برفقة الرجل على كورنيش عين المريسة، حيث التُقطت لهما الصور، بشكل أثار غضب وحفيظة المارة، الذين صدموا بالمشهد وحاولوا منع إتمام الزواج، الأمر الذي أطلق، حينها، نقاشاً واسعاً في مواقع التواصل ووسائل الإعلام.

الساعات أو الأيام المقبلة كفيلة بكشف القصة الكامنة وراء إنشاء الصفحة، بعدما صارت في عهدة "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية"، حسبما قيل. لكن مهما كان السبب وراء إطلاقها، فمن المؤكّد أنها دقّت الجرس عالياً، وأنّ صداه وصل ولامس مسامع ووعي الكثيرين.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها