الأربعاء 2018/10/17

آخر تحديث: 12:46 (بيروت)

"حكايتي مع الزمان".. نجوم اليوم بعد أربعين عاماً

الأربعاء 2018/10/17
"حكايتي مع الزمان".. نجوم اليوم بعد أربعين عاماً
خاضت النجمة سلافة معمار التجربة برفقة طليقها الممثل والمخرج سيف الدين السبيعي
increase حجم الخط decrease
بدأت الزميلة ريما كركي، بداية الشهر الجاري، تقديم الموسم الثاني من برنامج "حكايتي مع الزمان" عبر شاشة "تلفزيون دبي"، بعدما قدمت منى أبو حمزة، 13 حلقة من الموسم الأول، العام الماضي. استضافت الحلقات مجموعة من نجوم العالم العربي، الذين دُعي كلّ منهم برفقة واحد من أقرب الأشخاص وأكثرهم حميمية بالنسبة إليه، سواء من العائلة أو من الاصدقاء، بعد اختياره لخوض التجربة الاستثنائية التي يتيحها البرنامج. وهو مبدأ حرص على الحفاظ عليه، وظهر في انطلاقة موسمه الثاني، بعدما تكرّست هويته وملامحه من خلال حلقات موسمه الأوّل.  

يكسر "حكايتي مع الزمان" قواعد ونمطية الأسس المألوفة والسائدة التي تقوم عليها عادة البرامج الحوارية، والتي غالباً ما تخوض في مسائل متعددة، تراوح ما بين العام والخاص، تُعرّج فيها عادة من خلال فقرة أو نقاش سريع لمراجعة الذكريات والنظر لمسيرة العمر، فيما لو طابَقَت الطموحات والتطلعات الشخصية المأمولة. فكلّ فقرة من البرنامج تمدّ يدها إلينا لتشدّنا وترغمنا على الخطو في المنطقة الفاصلة ما بين الذكريات والطموحات، لنعلق في فخّ تمّ إعداده ببراعة كي يخلط الواقع بالخيال، والافتراضي بالحقيقي، مع كلّ ما يستتبعه ذلك من هواجس ومخاوف وأفكار وأسئلة.

ويبدأ التحضير للكمين انطلاقاً من الزج بنا في مواجهة أنفسنا والتكلّم عن كيفية رؤيتنا لها، وكيف يرانا الآخرون. وتبدأ اختبارات الضيف والشخص الذي رافقه في خوض هذه التجربة، التي تتضمن مراحل زمنية ثلاث، تنطلق من الوقت الحالي، تليها وقفة بعد مضيّ 20 عاماً، وبعدها محطة أخيرة تفترض مرور 40 من السنين على عمره الحالي، لتناقش فرضية كلّ ما مر به، وتختبر دقة توقعاته لما طرأ من تغييرات على وضعه النفسي والمادي والاجتماعي. كل ذلك يترافق مع تغيير هيئة الضيوف وشكلهم على أيدي خبراء تجميل محترفين، بما يتناسب مع كل مرحلة عمرية يمرون بها.

البرنامج، الذي يحمل شعار "قصص اليوم ذكريات الغد"، يقوم بالدرجة الأولى على الغوص في الأحاسيس والتغلغل في الشخصيات وتركيباتها. وهو ما ينعكس من خلال الضيف والشخص المقرّب منه على حد سواء، حيث يعيشان كلّ مرحلة بقناعات ومفاهيم وأحاسيس مختلفة عن تلك التي سبقتها. في حين أن كلّ مرحلة تواكبها أسئلة وحوارات تخوض في مسائل أكثر إشكالية من التي قبلها، ويكون بعضها أشدّ وطأة وأكبر تأثيراً على الجانب النفسي والوجداني. وهذا ما برز من خلال ردود الأفعال التي أظهرها الضيوف، الذين خاضوا التجربة من الحلقة الأولى للبرنامج وصولاً إلى اليوم.


فكرة التقدّم بالسنّ والتفكير في ما قد يخبّئه لنا المستقبل، من تغيرات في هيئتنا ومظهرنا ووضعنا الصحي أو المادي أو الاجتماعي، مع ما يوقظه فينا من فوبيا الفقد لأشخاص، منذ تفتحت عيوننا على الحياة، ونحن المعتادين على وجودهم وقربهم وحبّهم ورعايتهم، هو موضوع له شجون ويحتل حيزا جدلياً ذاتياً كبيراً في نفوسنا، وهو قديم قدم تفتّح الإنسان على وعيه. لكن الأشخاص المفعمين بالعواطف والأحاسيس، أو حتى من مروا بتجارب وقصص اختبروا فيها بعضاً من أنواع المعاناة والألم وفقد الأحبة، تتزاحم الأحاسيس وتكثر الهواجس عندهم بشكلٍ أكبر وأعمق من أولئك الذين لا تفعل بهم تلك المشاعر كما تفعل بغيرهم.  في حين تكثر التساؤلات ويتزايد القلق مع تزايد إدراك الإنسان وعجزه عن الوقوف في وجه ما يحمله ويخبئه له القدر.

هذه الأمور مجتمعة يُساهم "حكايتي مع الزمان" في دفعنا للخوض فيها بشكل مكثّف، وذلك بالرغم من أنّها لا تحصل في الحقيقة على الشكل الذي يفرضه البرنامج، الذي يحرق المراحل ويُجلسنا في آلة الزمن، لتقفز بنا مباشرة نحو مرحلة عمرية متقدمة. نُجبر حينها على مواجهة مستقبلنا بطريقة مفاجئة وقاسية بل ووحشية في بعض الأحيان. كما يجعلنا نحن والضيوف، على حد سواء، ننخرط تلقائياً في التفاعل مع الأسئلة والتوقف عند أجوبتها  بطريقة مجردة، بعيداً من الحسابات أو التجميل المنمّق لصياغة الكلمات والتعبير عن الأفكار.

ردود أفعال الضيوف ترواحت بين الضحك والدموع، والارتباك والخوف الذي برز من خلال عيونهم ونظراتهم وكلماتهم، ومقاربة الخوض في مشاعرهم، في لحظة تجلّت وكأنها لحظة الحقيقة. وبغض النظر من تلقف الضيف أو المشاهد للأسئلة والتعامل مع الحالة وما تفرضه من مشاعر، كل حسب شخصيته ومستوى ثقافته ووضعه النفسي، إلا أنّ البرنامج بحدّ ذاته بدا وكأنه غير مخصص للأشخاص أصحاب الحساسية الفائقة والتأثر البالغ. إذ أن هؤلاء قد يجدون أنفسهم فجأة في مواجهة أسوأ كوابيسهم وأكثر ما يدعو لإثارة مخاوفهم.

"حكايتي مع الزمان" يقتبس فكرته ومضمونه وشكله من البرنامج الهولندي The Story of My Life، الذي سبق أن أعلن القائمون عليه أن النجاح الكبير الذي حققه، هو ما دفع بالشركة المنتجة لبيع فكرته، ومن ثم إطلاقه في 10 نسخ عالمية، نظراً لأن "كل الناس حول العالم يلفهم شعور الخوف من التقدم بالعمر وانتهاء الحياة، وبأنهم يريدون أن يبقوا محبوبين وأن تستمر علاقاتهم إلى الأزل"، حسبما تقول مخرجة البرنامج في نسخته الهولندية، مضيفة أن "كم المشاعر الهائل الذي لمسوه خلال الحلقات شجعهم على المضي في نشر هذه التجربة على أوسع نطاق ممكن".

النسخة العربية، التي أطلقتها "مؤسسة دبي للإعلام" العام الماضي، حافظت على المستوى والصيغة الانسانية نفسها. فالبرنامج تم الإعداد له بشكل ممتاز، وانسحب العمل الاحترافي إلى تصميم الاستديو والاخراج وحركة الكاميرا ومضمون الاسئلة وأسلوب طرحها، المترافق مع أداء مقدمتيه وطريقتهما في محاورة الضيوف، والتي أتت وكأنها أقرب لإطلاق أسئلة تصلح لطرحها على الذات، بالقدر نفسه الذي أدّت غرضها وتجلّى في مواجهة الضيف ومرافقه، الذي تجمعه معه عشرات من المواقف والذكريات، تم استدعاؤها واستعادة أحاسيسها، من خلال كلّ المحطات والمواقف التي تم التوقّف عندها.

أمام منقلبات مراحل الحياة وأزماتها، والتغيير الذي تحدثه عوامل الزمن فينا،  يتجلّى الفارق بالكيفية التي تتفاعل معها الشخصيات. فالأشخاص الذين عادة ما يبدون اهتمامهم المفرط بشكلهم وجسدهم، ويظهرون تعلقهم بالحفاظ على هيئتهم ومظهرهم، أثبتت تجربة البرنامج بأنّ أثر التقدم في السنّ ووقع رؤيتهم للترهّل والتجاعيد والشحوب، الذي أحدثه الزمن عليهم، تخطّى بأشواط الأشخاص الذين بدا أن علاقتهم بأنفسهم والتعبيرعنها قائم من علاقتهم الفكرية والروحية مع ذواتهم، وذلك على الرغم من أن طبيعة البرنامج لا تتيح المجال لأي أجوبة سطحية أو هامشية، بل منذ البداية تأخذ طريقها إلى عمق دواخلنا.

لذا فإنّ الحوارات مع كافة الشخصيات التي استضافها البرنامج منذ الموسم الأول وحتى الآن، دفعتنا دوماً إلى استخلاص المعاني والعبر. فجوّ البرنامج وأسئلته وأسلوب حواره يوغل عميقاً في داخلنا، ويحفزنا على التفكير وتجديد رؤيتنا للأمور من منظور مختلف عما عهدناه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها