الخميس 2016/12/01

آخر تحديث: 19:10 (بيروت)

جعفر عبدالكريم لـ"المدن": "شباب توك" ينتقد الحكومة الألمانية.. واللاجئين

الخميس 2016/12/01
جعفر عبدالكريم لـ"المدن": "شباب توك" ينتقد الحكومة الألمانية.. واللاجئين
"لا نستضيف النازيين والعنصريين، لكننا ندعو أي حزب موجود بطريقة ديموقراطية، حتى اليمين، إلى النقاش عبر دويتشه فيليه"
increase حجم الخط decrease
في برنامجه "شباب توك" الذي يقدمه عبر قناة "دويتشه فيليه" الألمانية، يطرح الإعلامي جعفر عبد الكريم أفكاراً جدلياً منادياً بالحرية الفردية واحترام حقوق الإنسان في العالم العربي، بجرأة أوصلته لنيل جوائز عالمية وعربية مرموقة. وأطلق البرنامج مؤخراً جولة عربية واسعة لمناقشة القضايا الأكثر إلحاحاً، مثل قضية تهميش الشباب العربي ومستقبله في ظل النزاعات الحالية، التي عالجها البرنامج في حلقة خاصة بالشراكة مع "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، في العاصمة بيروت.


"المدن" التقت عبد الكريم على هامش الحلقة في الحوار التالي:

* مؤخراً، صرتم تصّورون حلقات منتظمة من "شباب توك" في مدن عربية متعددة، بعيداً من استوديوهاتكم الأساسية في برلين، لعلنا نتحدث قليلاً عن هذا التوجه الجديد..

** كان "شباب توك" يبث دائماً من برلين لمناقشة كافة المواضيع التي تهم الشباب العربي، لكن أحببنا أن نذهب للمكان الذي يسكن فيه الشباب العربي، كي يعرفوا أننا نبث أيضاً من المدن التي يقيمون فيها ويشعرون بصلة مباشرة معها، والتي يرغبون في التعبير عن آرائهم بحرية ضمنها، وأعتقد أنه من المهم لنا، أن يعرف الشباب أننا نقف إلى جانبهم في مدنهم وليس من مسافة بعيدة عنهم في برلين، ولهذا السبب أتت جولة "شباب توك" في العالم العربي، والحقيقة كان هناك طلبات من المشاهدين أنفسهم غذّت هذا التوجه، وبما أننا الصحافة اليوم ليست في عصر اتصال أحادي الاتجاه بل في عصر تفاعلي، رأينا أن نلبي هذا الطلب.

* ما هي أبرز المحاور التي تريدون طرحها ضمن الجولة العربية بخلاف الحالات التي كانت تناقش في برلين؟ أم هي تتمة لحلقات برلين؟

** لا، هي منفصلة وإن كانت جزءاً لا يتجزأ من البرنامج، للحديث عن المنطقة والتحديات التي تواجه الشباب فيها، فإن كنا مثلاً في العراق أو المغرب أو تونس، فإننا نتحدث عن تحديات الشباب العراقي أو المغربي أو التونسي كما يرونها، لنعطيهم شعوراً بأن لديهم منبراً حراً للكلام وأن هناك مكاناً يحتضن التعبير عن الرأي، وأعتقد أن ردود الأفعال الإيجابية إزاء البرنامج والجولة تأتي من هذه الخاصية.

* أنت لبناني ألماني، هل تعدد الثقافات في شخصيتك هو السبب وراء طرح مواضيعك بجرأة أكبر من المعتاد، لدرجة وصولك لتسميتك من بين أشهر عشر وجوه إعلامية شابة في ألمانيا قبل أشهر؟

** أنا كصحافي لا دين لي أو جنسية أو أي انتماء آخر، إنما أكون صحافياً ينقل صوت الناس بغض النظر عن هويتهم أو أصلهم أو عائلتهم أو ديانتهم. وبالتالي مواضيع حقوق الإنسان واحترام الآخر وتقبله وحرية الرأي والتعبير، هي جوهر عملي، وأنا كصحافي يجب أن أغطي كل المواضيع، خاصة تلك التي نتحدث عنها في المجتمع والتي تواجه استنكاراً عند طرحها في الإعلام من منطلق "العيب" وبأنه لا يجوز الحديث عنها بصوت مرتفع. أنا أؤمن بالإعلام الحر.

* قيم الإعلام الحر والتعبير عن الرأي ينظر لها على أنها قيم غربية وقيم ديموقراطية غير موجودة أصلاً في العالم العربي، وبالتالي تأتي مطالبتك بها وإيمانك بها من ضمن ثقافتك التعددية، خصوصاً بحكم عيشك في ألمانيا..

** طبعاً أن ابن الصحافة الألمانية، حياتي في أوروبا جعلتني أبتعد عن تصنيفات الغرب والشرق، أنا أتحدث من منطلق إنساني، فمهما كان المكان الذي يعيش فيه المرء فإنه يتعلم منه شيئاً ما. شخصياً عشت فترة طويلة في أوروبا وأخذت كثيراً من قيمها، رغم ان هناك تحديات كثيرة ولا أريد الخوض في مقارنات بين الأمكنة، لكن حياتي اليومية والمؤسسة التي أعمل بها، وتعلمي للصحافة واحترام الآخرين وإعطاء الآخرين مساحة للتعبير بصوت حر وأن يكون هناك معايير مهنية، كلها مجتمعة جعلتني أطرح المواضيع الأكثر جدلية التي يراها كثيرون ضمن المحرمات "تابوه"، ليس لأنني أريد طرحها بشكل شخصي، بل لأن الشباب أنفسهم يطرحونها في أحاديثهم اليومية، لكنها لا تطرح عبر الإعلام فقط، ومن دون تقييم للآخر بكل تأكيد.

* لكن عند طرحكم لهذه المواضيع والتابوهات، يميل البرنامج للتركيز على الحالات الفردية للضيوف أكثر من الحديث عن الواقع العام، وهو منحى قد يراه بعض الجمهور فضائحياً، مع تحول النقاش أحياناً إلى جدل شديد الشخصانية..

** بداية مَن يحدد ما هو التابوه، ومَن يحدد ما هو الصحيح وما هو الخاطئ؟ ومن يقرر إن كان يحق لك أن تتحدث أم لا؟ أعط الناس المضمون ودعهم يقررون بأنفسهم. نحن نطرح الحالات الفردية كي لا نتجه للتعميم، لا يمكننا الحديث عن العالم العربي مجتمِعاً أو الحديث عن لبنان كله، إنما هناك حالات فردية موجودة في المجتمع وتعاني من شيء ما، وتعاني أنه لا يحق لها أن تكون كما تريد، وهذه الأصوات التي أفسح لها المجال كي تعبر عن رأيها، من خلفية حقوق الإنسان والحق في الاختلاف.

* بالتالي كلما كانت الحالات صادمة، فإنها تعكس مدى القصور في القوانين المحلية؟

** نعم، لأن هذه الحالات موجودة فعلاً، وطرحها من دون الأمثلة الشخصية تجعل أي شخص مثلاً ينكرها مباشرة، وعند اللجوء للحالات الفردية وتقديمها تزول تلك الإمكانية للإنكار. ولأن الكثير من المواضيع في العالم العربي تصنف أنها "تابوه"، فلا إحصائيات رسمية أو دقيقة حولها، وبالتالي ربما لا نحصل على أرقام كثيرة لعرضها ومناقشتها للأسف، ومن هنا تأتي أهمية الحالات الفردية، الموضوع بالتأكيد ليس فضائحياً حتى لو رآه بعض الناس بهذه الصورة، وهو مفهوم نسبي أيضاً، بعض الناس يصنفون الإلحاد على أنه فضيحة والبعض الآخر يرونه حقاً للفرد وحرية شخصية تأتي من حرية المعتقد، وبالنهاية يقود هذا الجدل لخلق نقاش حول الموضوع وهو الهدف من البرنامج وجزء أساسي من روح "ِشباب توك" الحوارية، إن لم نتحاور ونتحدث بحرية وباحترام للآخر كيف سنعرف ماذا يوجد في المجتمع.

* هذا الجدل كان حاداً جداً قبل أشهر، على خلفية استضافتكم لشخصيات من اليمين الألماني، ما أثار اتهامات للبرنامج ولقناة "دويتشه فيليه" بالكامل، على أنها تحمل سياسة معادية للاجئين في البلاد..

** "دويتشه فيليه" هي منبر حر يستضيف الرأي والرأي الآخر، والقناة تقدم حتى الآن الكثير من البرامج المساندة للاجئين والتي تقدم صوت اللاجئين، حتى أننا ننتقد الحكومة الألمانية في حال تقصيرها في موضوع اللجوء، كما قد ننتقد اللاجئين أنفسهم، لا أحد بعيداً من الانتقاد من أجل معالجة كافة المواضيع على قدم المساواة، وهذه هي طبيعة الإعلام بالنهاية.

* وبما أن اليمين موجود في المجتمع يجب عليكم استضافته لمعرفة ما يريد قوله؟

** هنا يجب أن نعرّف ما هو اليمين، هل هو اليمين المتطرف النازي أم الأحزاب اليمينية التي هي جزء من المشهد السياسي الألماني، هذه الأحزاب نستضيفها بالطبع لكننا لا نستضيف مروجي الخطاب النازي والعنصري الرافض للآخر كلياً، لكننا ندعو أي حزب موجود ومنتخب بطريقة ديموقراطية للنقاش عبر "دويتشه فيليه"، لماذا يجب أن نتعامل مع هذه التيارات من منطلق إقصائي؟ ومجرد معارضة شخص لفكرة ما لا يعني أنه يجب على الآخرين إقصاؤه، ونحن كإعلاميين لا نتبنى آراء الضيوف بل نقدم لهم منصة لتقديم أفكارهم مهما اختلفت، كما نعالج كافة المواضيع لا من منطلق التحيز الإيجابي أو السلبي بل بموضوعية تنقل الواقع كما هو.

* في المقاطع الترويجية التي تنشرونها في "فايسبوك" للحلقات، يلاحظ اجتزاء للمقابلات من سياقها أحياناً، بشكل يخالف الحلقة نفسها، وهذا قد يسيء للضيوف أنفسهم بشكل شخصي مثل حلقة التحرش في الكامبات على سبيل المثال، هل هذا الخيار من أجل حصد مزيد من المشاهدات؟

** الإحصائيات تقول أنه من القليل أن يشاهد شخص مقاطع فيديو طويلة عبر الإنترنت، وتحديداً في "فايسبوك"، المهم هنا أننا دائماً نرفق رابط الحلقة كاملة، ونختار مقاطع معينة للسوشيال ميديا، وهي بالنهاية جزء من كل حلقة ولا نقتطعها من سياق غريب أو مختلف مثلاً، ولا نقوم بأي عمليات تحريرية فيها. لو أردنا جذب الأنظار لأفكار على حساب أفكار بمجانية لما عرضنا الحلقة كاملة من الأساس.

* رغم ذلك باتت صفحتكم في "فايسبوك"، جراء هذا الخيار، وسيلة للتنمر على الضيوف من قبل المعلقين، وخصوصاً في المواضيع الجنسية التي طرحت في عدة حلقات!

** الصفحة جزء من البرنامج إلى جانب الحلقة كاملة كما أسلفت، لكن هناك مواضيع معينة تلقى إثارة وجدل أكثر من غيرها، مثل الإلحاد والمثلية الجنسية والجنس ما قبل الزواج، كلها مواضيع لا يتحدث عنها الجميع، وتؤدي لتعليقات كثيرة وتهجم، لكننا نطلب من المشاهدين دائماً أن يتحاوروا ويتقبلوا الآخر من دون توجيه إهانات. وفي النهاية هذا جزء من العمل الصحافي وجزء من الحوار، ما يهمني شخصياً وفريق العمل في البرنامج، أن يكون الإعداد جيداً ومبنياً على حقائق وإحصائيات قدر الإمكان مثل حلقة اليوم، وأن نتحقق من مصداقية الضيوف وهويتهم وقصصهم.

* ما هي معايير اختياركم للضيوف في كل حلقة؟ حلقة اليوم مثلاً..

** اليوم مثلاً نحن جزء من هذا المؤتمر، أردنا أن تعكس الحلقة أفكاراً وآراء مختلفة لموضوع تمكين الشباب في العالم العربي، وأردنا أيضاً أن يكون هناك ضيوف من دول عربية متعددة للتعبير عن الواقع. والحقيقة أن الكثير من الأشخاص يرسلون لنا اقتراحات لمواضيع ويشاركوننا قصصهم الشخصية ويرغبون في الظهور عبر برنامجنا للحديث عن تجاربهم، وهنا نطلب من هذا الشخص الإثباتات على قصته قبل استضافته. نحن اليوم نشكل صوتاً للشباب، ولا نريد أن نكون برنامجاً حوارياً يستضيف نفس الأشخاص مراراً وتكراراً، كل الأراء تؤخذ لدينا على محمل الجد والاحترام، لأن حقوق الإنسان والحريات الفردية والشخصية هي الـ"DNA" الذي يقوم عليه البرنامج.


* بخلاف الجولة العربية، يقدم البرنامج عادة ضيوفاً من عدة دول عربية معاً للحديث عن مشكلة واحدة، ألا يؤدي ذلك لجعل الحلقات أكثر عمومية وأقل عمقاً أم أن هذا يعود لكون المشاكل في العالم العربي متشابهة؟

** لا يمكننا تعميم المشاكل والآراء على كل العالم العربي بكل تأكيد، ومن أجل هذا نركز على فكرة الحالات الفردية، وضمن كل مجتمع محلي يوجد اختلاف في الآراء، ويأتي الدعم هنا من قبل الإحصائيات والأرقام والمنظمات الحقوقية التي تبنى على حقائق تكون أساساً للحوار الجاد.

* كيف تقيّم تجربة "شباب توك" اليوم بعد خمس سنوات من إطلاقه؟

** أعتقد أن ما يميز البرنامج أنه من البداية تحدث عن كل المواضيع، وأصبحنا صوتاً حراً للشباب، والدليل اليوم عندما اختارتنا منظمة الأمم المتحدة للتنمية كشريك معها، بالطبع لن تختار الأمم المتحدة برنامجاً لا يتمتع بالمصداقية، كما أن لدينا مشاهدات عالية ومهنية عالية، وهذه عوامل تجعلنا مؤثرين، عدد المشاهدات وصل إلى 8.5 مليون عبر "فايسبوك" فقط، وتصلنا ردود أفعال من مختلف الدول العربية، وشعرنا بحماس الناس بعد الجولة العربية، لأننا نطرح المواضيع من دون إطلاق الأحكام والتقييم.

* بالعودة لانطلاقة البرنامج نفسها، طرحتم نفسكم كمنصة للتعبير الحر عن الرأي، تزامناً مع بداية الربيع العربي الذي بشّر بانفتاح أكبر على صعيد حرية التعبير، عبر السوشيال ميديا تحديداً، لكن الواقع اليوم بات مخيفاً في ظل ازدياد القمع عامة، هل كان لديكم نظرة تشاؤمية مسبقة منذ ذلك التاريخ؟

** نحن ندعو دائماً لحرية الرأي والتعبير وحرية الضيوف، لكن للأسف لدينا اليوم بعض الصعوبات في بعض البلدان العربية، ربما يعاني كثير من الضيوف من مشاكل وتهجم بعد مشاركتهم في البرنامج، نأسف على هذا بالطبع لأننا مع الحوار تقبل الآخر، شخصياً تجولت كثيراً في العالم العربي ولمست كم يمتلك الشباب العربي من العزم والإرادة والقدرة والقوة الانفتاح والرغبة في التعليم، لكنه يعاني تهميشاً واضحاً، وطالما بقي هذا التهميش فإن برنامج "شباب توك" سيبقى مفتوحاً لأصوات الشباب، أنا لا أفهم لماذا تقمع الحكومات العربية الشباب وهو المستقبل وأسأل دائماً لماذا؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها