الأحد 2015/11/22

آخر تحديث: 18:10 (بيروت)

محمد صبحي.. الحشو لا يصنع نجماً

الأحد 2015/11/22
محمد صبحي.. الحشو لا يصنع نجماً
increase حجم الخط decrease

ثلاث حلقات مرت من برنامج "أعزائي المشاهدين.. مفيش مشكلة خالص" في ثاني محاولة من قناة "سي بي سي" بعد برنامج "أبلة فاهيتا" لتعويض غياب باسم يوسف، فيما يبدو أنها ستظل مشكلة عالقة للشاشات المصرية بعد انخفاض سقف الحرية إلى حدوده الدنيا.

محمد صبحي، الممثل الكوميدي، ارتدى ثوب الحكمة مبكراً جداً، وبثها في أعماله المسرحية والسينمائية والتلفزيونية عبر دراما قيمية مليئة بالمواعظ والنصائح والدروس المستفادة، لكن يبدو أن الإطار الفني لهذه الحكمة ضاق عليه كثيرا، فقرر أن يترك الغطاء الدرامي تماما، واتجه بعد الثورة إلى الظهور كضيف في البرامج التلفزيونية ليتحدث فقط، متجهاً الى الحشو الكلامي بعبارات ومقولات عن الأخلاق والعرف والعيب والصواب والخطأ وكل سمات وثوابت البرجوازية المصرية.

وبعد أن ملّ محمد صبحي من الظهور المتقطع عبر برامج التوك شو، قرر أخيراً أن يقدم برنامجه الخاص بنكهة ونيسية، إذ حمل البرنامج عنوان "أعزائي المشاهدين.. مفيش مشكلة خالص"، كأن ونيس يعود مرة ثانية إلى طقسه اليومي بإيقاف أولاده صفاً واحداً ليلقي عليهم خطبته الصباحية.

كل هذه الحمولة الأخلاقية، لم تمنع صبحي وفريقه من السرقة الصريحة، إذ لم يحمل إعلان البرنامج أي فكرة أصيلة بل نقل حرفي ودقيق لإعلان برنامج الكوميديان الأميركي الشهير لويس سي كاي، وهو ما أثار ردود أفعال واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي حتى قبل عرض البرنامج. وتحول وسم #محمد_صبحي إلى واحدة من الوسوم الأكثر تداولا. حقق إذن برنامج صبحي انتشاره الكبير بأسوأ سمعة ممكنة وهي السرقة. لم يكن الإعلان "اقتباسا" أو تعريبا لفكرة الإعلان الأميركي، بل نقل كامل للكادر واللقطة وحتى العبارات التي لم يكن ثمة اختلاف بينها إلا اسمي البرنامج ومقدمه.

ثلاث حلقات عرضت حتى الآن، حملت كل منها واحدة من العناوين المفضلة في الفاترينة الأخلاقية للطبقة المتوسطة المصرية: الاستهلاك، التعليم، الأسرة... وفيها يحاول صبحي تمرير خطاب شديد الوضاعة يلوم الشعب والمجتمع فيه على كثير من السلبيات الموجودة الآن. لعبة نظام مبارك القديمة نفسها، العيب في الانفجار السكاني وغياب الأخلاق والالتزام وقلة العمل والابتعاد عن الأسرة، نفس القيم التي يحاول السيسي ونظامه الترويج لها، في نطاق ضيق لمعنى الأخلاق والصواب يصب في المصلحة النهائية للدولة.

صبحي حتى الآن يعيش على أطلال ماضيه، حيث كان واحدا من نجوم الصف الأول، وكانت مسلسلاته ومسرحياته ذات صيت وصوت. أما محاولته اليوم في إعادة إحياء هذه الكوميديا، فهو إفلاس حاد في الخيال، وتعامٍ عن اللحظة الثقافية والتاريخية التي نعيشها. الجمهور أمام صبحي يبدو افتعاله واضحا دون لبس، والضحكات تنطلق مع كل جملة وكل حركة كما لو كان مبرمجاً.

حاول صبحي في الحلقة الأولى أن يعيد واحدة من حيله وهي تقليده لمبارك، غير أنه هذه المرة وسع نطاق حيلته وقلد رئيسي مصر عبد الناصر والسادات، ثم قلد السيسي أخيرا، في محاولة للتشبث ببقايا أي ضحكة.

الاستكشات المسرحية هي الأخرى خرجت مليئة بالوعظ المكشوف دون أي اجتهاد في خلق حالة فنية، معتمدا على فريقه المسرحي كما يعرفه جمهوره، الفريق الذي لم يتغير منذ عقود.
يستعين محمد صبحي بالتاريخ في مواجهة اللحظة الآنية، بباترون الأخلاق في مواجهة مفاهيم تتفكك ويعاد صياغتها، بدوغما النوستالجيا في مواجهة محاولات الخلاص منه. أما الضحك فهو خارج هذه المعادلة.

وإذا كان البرنامج قد حقق نسب مشاهدة عالية في "يوتيوب"، وتجاوزت المشاهدات المليونين حتى الآن، فلأن الهجوم على صبحي وبرنامجه في مواقع التواصل منحته دعاية واسعة الانتشار، وليس ثمة ما يسمى بالدعاية السيئة كما علمنا غوبلز من قبل، لكن هذه الحيلة النازية الدعائية تتوقف عن مد البرنامج لجماهيرية زائفة، وسيخفت حماس المشاهدين الغاضبين شيئا فشيئا حتى ينتهي البرنامج مثلما انتهى غيره من بدائل باسم يوسف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها