الخميس 2014/07/03

آخر تحديث: 15:18 (بيروت)

إنتفاضة "إكس لارج"

الخميس 2014/07/03
إنتفاضة "إكس لارج"
من الحملات الإلكترونية الفلسطينية رداً على حملات الإسرائيليين
increase حجم الخط decrease

تحوّلت "الإنتفاضة الفلسطينيّة الثالثة" إلى خبر موسميّ. بالضّبط مثل شهر رمضان. لا "مؤامرة" ذات طابع سوسيولوجي، لتفريغ الإنتفاضة من مضمونها وجعلها موضوعاً عادياً من خلال إغراق الأسواق بها دورياً وفي وقت اللزوم. نحن الذين نُغرق الأسواق بها، في محاولة بائسة منّا حتّى لا نغرق تمامًا. لسان حالنا يقول: أعطنا على الأرض عُشْر انتفاضة، نعطيك نحن على الإنترنت انتفاضة إكس لارج.

كيف إندلعت الإنتفاضة الثالثة في مواقع التواصل؟ الأسباب عديدة ومتقاطعة. أهمّها، على الأغلب، هو التصحّر السياسيّ الذي أصاب الأرض الفلسطينيّة وحرم أهلها من الإمساك بزمام الأمور، وما ترتّب على هذا التصحّر من تكرار مستمر لمشهد الغريق وهو يتعلّق بالقشّة. دفعت إسرائيل في هذا الاتجاه وساعدتها، بإخلاص، السلطة الفلسطينيّة، كما ساهمت في ذلك النوايا الحسنة المستفحلة، ونتاجات رومانسيّي الحدث الفلسطيني بما فيه من كوفيّات وزيتون.

عادت الانتفاضة الثالثة. وفي عودتها هذه، والتي قد تكون العودة العاشرة أو العشرين، لا تتجلّى الانتفاضة -بما تستلزمه هذه المفردة الجلل- إلّا على صفحات الإعلام والشبكات الاجتماعيّة التي عادةً ما تركّز على التعقيب حول حدث ما، أو مواكبة حدث آخر. كانت الشرارة هذه المرّة خطف واغتيال الطفل الفلسطيني محمّد أبو خضير في شعفاط قرب القدس بعد أقلّ من 24 ساعة من عثور الجيش الصهيونيّ على جثث مستوطنيه الثلاثة قرب الخليل.

مقتل محمّد جاء ليؤكّد أنّ الذراع الشعبيّة للمشروع الصهيونيّ، لا تقلّ دمويّة عن الأذرع الرسميّة، بل وتتفوّق عليها في الكثير من المناسبات. إنّها، بكلمات أخرى، إستمرار للجريمة، لا ردّ فعل على أيّ شيء. لكنّ الجريمة، لموعدها والشّكل الذي نُفّذت به وقعت، بلا مواربة، ضحيّة مفارقات تنشط في حيّز ثنائيّات مُتخيّلة: الفعل وردّ الفعل. غذّى هذا الوهم إدانات كثيرة صدرت عن "الكبار" أمثال جون كيري وديفيد كاميرون ومتنفذين في الأمم المتحدة.

بين الإعلان عن العثور على المستوطنين، ومقتل محمّد، ركّز الإسرائيليّون طاقاتهم على الشبكات الإجتماعيّة لطلب الإنتقام و"قتل العرب". جنود في جيش إسرائيل وفي ألوية النخبة نشروا عشرات الصّور لأسلحتهم، مرفقة بعناوين تطالب القيادة بأن تسمح لهم بأن "يطلقوا النّار على العرب". هذا، طبعاً، بعدما فخخ الجيش الإسرائيلي بيت أحد المتّهمين بخطف المستوطنين وقام بتفجيره.

وفي محاولة لتهدئة العرب، واستيعاب الصدمة، أعلن متحدث عسكري أن جيش إسرائيل سيتعامل "بحزم" مع الجنود الذين يظهرون في شبكات التواصل الاجتماعي رافعين شعارات عنصرية تدعو إلى الثأر لمقتل الشبان الإسرائيليين الثلاثة. فيما أدانت وزيرة العدل، تسيبي ليفني، هذه الدعوات مؤكدة لإذاعة الجيش انه "عندما يظهر جنود مسلحون في شبكات التواصل الاجتماعي قرب يافطات كتب عليها: "الموت للعرب".. يجب أن يحاسبوا".

وللأسف، عكف ناشطون فلسطينيون كثر، من داعمي القضيّة، على إعادة توزيع هذه الصور والإشارة إليها في حملات إلكترونيّة مضادة متفرّقة، يراد من خلالها إماطة اللثام "الديموقراطي" عن إسرائيل وإظهار الوجه البشع لجنودها ومستوطنيها. هذه الحملات -والتي تتغذّى على النوايا الطيّبة- تحاول أن تعيب -بطريقة ما!- على العدوّ عداوته، وأنّ تنتج بروباغندا لا تحتاجها القضايا العادلة بقدر ما تنفر منها لما تقترحه من مقارنات وتحليلات مجوّفة.

أمّا وسائل الإعلام الدوليّة، وبعض الوسائل العربيّة ذات الهوى الموضوعيّ، فهي لم تتزحزح عن موقفها الذي يحترف التمويه. المقاومون الفلسطينيّون "إرهابيّون" أو مخرّبون أو مجانين، إسرائيل في حالة حداد وفجيعة، وجريمة مقتل الطفل محمّد هي "ردّ فعل محتمل"، والدعوات جارية على قدم وساق للهدوء وضبط النّفس... هذا في الشاشات والشبكة الإفتراضيّة. أمّا على الأرض، فالمواجهات اندلعت في شعفاط وأحياء أخرى في القدس المحتلّة بعد مقتل محمّد ورفض السلطات الاسرائيليّة تسليم جثمانه لذويه. خرج الشبّاب مدججين بغضبهم، وليس في أيديهم أجهزة هواتف نقّالة ولا عندهم حسابات في "فايسبوك". خرجوا ليقولوا ببساطة أنّهم لن يقفوا مؤدبين في الطوابير الموصلة إلى حتفهم.

لا يمكن التنبؤ طبعاً بما إذا كانت هذه المواجهات ستتطوّر إلى شيء  أكبر وأعمّ على الأرض، إلا في الشبكات الاجتماعيّة. ما نراه إلكترونيًا رأيناه قبل ذلك مرّات عديدة، ولذا فإنّ كل ما هو دائر حاليًا لا يخرق سقف التوقعات. لكنّ أحدًا لا يستطيع الجزم إذا ما كانت ستنتهي الأمور إلى ما تنتهي عليه كلّ مرة... الإنتفاضة الثالثة عندما تحدث، ستفاجئ حتّى أولئك الذين شرعوا في اعتبارها أمرًا واقعاً.

increase حجم الخط decrease