الثلاثاء 2014/06/17

آخر تحديث: 15:40 (بيروت)

عن "إنتاجية" تُفرض علينا

الثلاثاء 2014/06/17
عن "إنتاجية" تُفرض علينا
increase حجم الخط decrease

في حديث عابر للمحيطات، مع زميلة لي، نصحتني بأن أسعى لأصعد درجة إضافية لأنّ في ذلك إضافة مالية، رغم أنه يتضمّن أيضاً مهام إدارية تعرف مسبقاً أنني أعتبرها بمثابة أعمال شاقة. أخبرتها أنني لا أسعى إلى ذلك فأنا مكتفية بما أجنيه وأن لي طريقتي في حساب ماليتي. أنا ببساطة شديدة أخطّط بطريقة معاكسة. أحدّد ما أحتاج إليه، لا ما أستطيع الحصول عليه. استغربَت، أو بالأحرى لم تفهم. اعتبرتني غير طموحة بما فيه الكفاية، وأنني يجب أن أسعى إلى الحصول على مردود مالي يُكافئ انتاجيتي لأحصل على المزيد. المزيد من كل شيء. المزيد من أي شيء إلى حين وصولي إلى سنّ التقاعد، وهي مرحلة إنفاقية مُثلى تعكس مساراً إنتاجياً ناجحاً في نظام يكافئ المنتظمين.


مسار انتاجي كالوخز في عظام ظهري والفقرات السبع لرقبة، أسعى لأن أفكّكها كمن يفكّك عبوة ناسفة يخاف أن تنفجر في رأس يعوّل على لحظة شومبيترية من "الإبداع المدمّر"... وإلى حينه، يعتاش هذا الرأس المنتج من مشاهد روتينية جميلة لعمّال يمارسون الانتاجية المنكفئة.


لا أعرف ماذا حلّ به. لم أسأله قط عن اسمه. لم أفكر فيه يوماً كشخص أبعد من المكان الذي اتخذه لعربته. أحياناً، يجبره المطر على الاختباء في مدخل البناية. يدفع عربته تحت سقف المدخل ريثما تنضج الكستناء. لا أعرف متى كان آخر يوم قصد فيه حيّنا. كل ما أعرفه أننى اشتهيت يوماً الجنارك الحامضة المملحة، أحب أن آكلها دفعة واحدة ولا أتوقف إلا بعد أن تبدأ آلام معدتي. لم أجده ولم أجد العربة.


تين. جنارك. عنّاب. لوز أخضر. فستق حلبي. كستناء. بلح أصفر وبلح متمّر. وصبّار. منذ انتقالنا إلى منزلنا الكائن في منطقة الحمرا في رأس بيروت، أي منذ 22 سنة، لم أره يبيع غير هذه الفواكه التي تطلّ علناً بتعجرف نافر. لم أعد أذكر ما إذا كان قد عرض في يوم من الأيام البطيخ الأحمر، لكنني أكاد أجزم أن ذاكرتي تخونني وأن عربة أخرى تطفّلت على المشهد.


فواكه موسمية يكتفي ببيعها على مدار السنة، غير آبه بمدخول إضافي يمكن أن يحصل عليه إذا زيّن عربته بأنواع أخرى. يقشّر الصبّار ويشوي الكستناء وينتظر معنا مراحل اللوز الأخضر. في صغري، كنت أحاول أن أجمع الخصائص المشتركة بين فواكه عربته. أردت مراراً أن أسأله عن سبب امتناعه عن بيع التفاح والكرز والبطيخ والتفاح والأكي دنيا، فموسم الأخيرة قصير. ما زلت أعتقد أنه كان عليه أن يبيع الذرة المشوية، خصوصاً في موسم الكستناء، وأن ينادي على فاكهته.


لا أعلم كيف نقيّمه اقتصادياً؟ كبائع نجح في تحديد سوقه واستطاع أن يجمع أرباحاً تعادل تكتيكاً اقتصادياً لنظريات اقتصادية حدّثتنا عن أهمية الـniche؟ أم كبائع فشل في الاستفادة من موقع استراتيجي تمتّع به في شارع فرعي مزدحم، خصوصاً في فترات كان موسم فاكهته ضعيفاً؟ كل ما أعلمه أنه بدا لي سعيداً ومكتفياً بما يجنيه. 

increase حجم الخط decrease