الخميس 2014/05/22

آخر تحديث: 00:25 (بيروت)

الإيرانيون السعداء

الخميس 2014/05/22
الإيرانيون السعداء
increase حجم الخط decrease
حين أطلق مغني الراب الأميركي، فاريل وليامز، أغنية "سعيد"Happy ، قال إنه سجّل أغنيته تلك "للتعبير عن السعادة ولدفع كل الناس، حيثما كانوا، ليعبّروا عن سعادتهم ويرقصوا بفرح على إيقاع الاغنية". ولم يكن وليامز يتوقع أن دعوته للفرح والرقص تلك، قد تتحول الى استفزاز للشرطة الايرانية التي زجت بستة شباب ايرانيين في السجن، بتهمة "تصوير فيديو مبتذل" و"خدش الحياء العام"، بعدما التحقوا بكثيرين، من مدن وعواصم العالم، رقصوا وغنوا على ايقاع اغنية وليامز مستجيبين لندائه.

وفي حين عبّر وليامز عن تأثره باعتقال الشباب الإيرانيين قائلاً، عبر حساباته في مواقع التواصل، انه "من بالغ الحزن اعتقالهم لمجرد محاولتهم نشر الفرح"، تم أيضاً إطلاق هاشتاغ#FreeHappyIranians في "تويتر" كتعبير عن التضامن مع الشباب الإيرانيين والمطالبة بإطلاق سراحهم. كما أنشئت صفحة باسم "Free Happy Iranians" في "فايسبوك"، تعرض صوراً لمتضامنين من مختلف دول العالم، يحملون شعار "أطلقوا سراح الإيرانيين السعداء"، ويبدو أنه كان للنداءات هذه تأثير، فأفرجت السلطات الإيرانية عن الشباب الستة ليل الأربعاء -الخميس بموجب كفالة مالية، فيما أبقت على مخرج الفيديو قيد الإعتقال. ولم يتضح حتى الآن، إذا كانت ستتم محاكمتهم لاحقاً أم لا.

جرم الإيرانيين الستة تجلّى في أربع دقائق من السعادة المفرطة، مسجلة في "فيديو كليب". انتهجت أسلوباً شبابياً خفيف الظل في التعبير، طغت عليه العفوية التي رسمت حركات الوجه واليدين والجسد، من دون أن يظهر في الشكل والمضمون أي عري أو ابتذال، على عكس ما جاء في التهمة الموجهة إليهم. إذ أنه كان جلياً أن الشباب الإيرانيين الستة، لم يقصدوا من تسجيل هذا الفيديو، سوى التعبيرعن تفاعلهم مع أغنية "هابي" بالضحك واظهار فرحهم عبر الرقص والتمايل واعتماد الحركات الاكروباتية، على إيقاع الأغنية التي تحولت الى ظاهرة قرروا الالتحاق بها، بعدما لاقت رواجاً عالمياً لافتاً.

ثمانية ساعات استغرقها التصوير على أسطح أبنية عدة في مدينة طهران، باستخدام كاميرا "آيفون 5". ليقوم  الشباب الستة (3 شبان و3 فتيات) لاحقاً بنشر مقطع الفيديو المرفق بعنوان "سعداء من طهران"، في "يوتيوب". كما روجوا له في صفحاتهم في "فايسبوك" و"انستغرام"، كجزء من الحملة الالكترونية العالمية بعنوان " نحن سعداء من (اسم البلد)"، والتي أدّت، منذ تاريخ إطلاقها إلى اليوم، إلى إصدار مئات النسخ من أغنية "هابي"،حيث سجلت في أكثر من 140 بلداً. إلا أن النسخة الإيرانية من الأغنية أثارت استياءً في أوساط المحافظين في إيران، الذين اعتبروا أن "هذا النوع من التسجيلات يجسّد انحرافاً عن القيم الإسلامية لصالح أسلوب حياة غربي، خصوصاً لدى فئة الشباب".

النسخة الإيرانية شاهدها أكثر من ثلاثين ألف شخص حول العالم، عند نشرها الشهر الماضي، حسبما ذكرت وسائل إعلام عالمية. لكن رابط الفيديو الأصلي لم يعد مفتوحاً بعدها أمام العموم. إذ إن التقاريرالتي نشرتها كل من صحيفة "لوموند" الفرنسية وموقع "هافينغتون بوست" الأميركي في 6 أيار/مايو الجاري، صوّبت أنظار الشرطة الإيرانية عليه، فسارعت إلى إجراء التحريات للتعرف على هوية الشباب المشاركين في تصويرالفيديو، لتتم بعدها ملاحقتهم واعتقالهم على الفور، قبل إصدار أي تهم قضائية بحقّهم.

وفي معرض تبريره لهذا الإجراء التعسّفي بحق الشباب الإيرانيين، قال قائد شرطة طهران، حسين ساجدينيا، لـ"وكالة أنباء إيسنا" الإيرانية، إنّ "اعتقال هؤلاء الشباب تم بسبب تصويرهم فيديو فاحشاً، تسبب في خدش الحياء العام عبر الانترنت"، مضيفاً بأن "التحقيق معهم أوكل إلى الشرطة ووزارة الاستخبارات التي تعمل بالتنسيق مع السلطة القضائية". كما زعم ساجدينيا بأنّ "نشر الفيديو في يوتيوب، تم من دون موافقة الأشخاص الذين ظهروا فيه، إذ نشره ثنائي عمدا إلى خداعهم"، من دون أن يشير إلى هوية هذا الثنائي. علماً أن مزاعم ساجدينيا تتناقض مع حقيقة أن الشباب المعتقلين كانوا قد نشروا صوراً ومقتطفات من الفيديو، في صفحاتهم في مواقع التواصل، بهدف الترويج له، قبل نشره كاملاً في "يوتيوب".

لم تقف إجراءات السلطة الإيرانية عند اعتقال الشباب الستة، بل أمعنت في ازدرائهم من خلال عرضهم، ضمن تقرير بُثّ، الثلاثاء، على شاشة التلفزيون الرسمي الإيراني. حيث تم تصويرهم من الخلف وهم مطأطئي الرؤوس ومحنيي الظهور، ما يكرس الانطباع بأن معاملتهم تتم بأسلوب مشابه لمرتكبي الجرائم، بقصد تحقيرهم وجعلهم عبرة لمن قد يجرؤ على التعبير بأي نمط مماثل لما قاموا به، مع تباهي ساجدينيا، في التقرير نفسه، بالتنكيل بالشباب الستة، وبالإنجاز "النوعي" المتمثل في سرعة اعتقالهم. إذ قال: "استطعنا، خلال ساعات فقط، الكشف عن أماكن تواجدهم واعتقالهم، على الرغم من أن الفيديو الأصلي نشر في يوتيوب منذ شهر".

لا يبدو للوهلة الاولى أن عرض التقرير في هذا التوقيت، أني منفصلاً عن خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي طالب، قبل أيام، برفع الحظر عن مواقع التواصل الاجتماعي، والذي غرّد، الاربعاء، في تعليق أول على حادثة الاعتقال قائلاً: "السعادة حق لنا. علينا ألا نحكم بقسوة على أفعال سببها الفرح". فهنا قد يتجلى الصراع بين نهج الرئيس الجديد "المنفتح"، وبين تشدد التيار المحافظ الذي أحكم قبضته طوال الفترة السابقة على إيران. وقد يعتبر اعتقال "الإيرانيين السعداء" رسالة من المتشددين، مفادها أن أي رفع للحظر أو الرقابة عن مواقع التواصل الاجتماعي، ورفع القيود عن حركة المواطنين عبر الانترنت، سيؤدي إلى "انحلال" الشباب الإيراني، و"انحرافه" نحو السلوك المتبع في الغرب.

لكن الواقع يؤكد أن الخوف الأعظم لدى هذا التيار المتشدد، من رفع الحظر عن مواقع التواصل، يتأتى من مفاعيل الدور الذي كان لهذه المواقع في قلب الأنظمة، في سياق الثورات العربية، وكذلك الخوف من تجدد "ثورة خضراء" ثانية في إيران، وأن يكون للشباب ولوسائل التواصل دوراً حتمياً وحاسماً في إشعالها، ما ينفي أي حجج دينية وأخلاقية واهية يسوغها المحافظون المتشددون، من خلال قمعهم لأي بادرة قد يذهب بها المجتمع الإيراني إلى التعبير الحر والديمقراطية... أو شيء منها على الأقل.

increase حجم الخط decrease