الأحد 2015/10/04

آخر تحديث: 16:00 (بيروت)

الإعلام الروسي: "سوريا أرضنا المقدسة"

الأحد 2015/10/04
الإعلام الروسي: "سوريا أرضنا المقدسة"
increase حجم الخط decrease

بعد 17 شهراً من التغطية الشاملة للصراع في أوكرانيا، والذي راح ضحيته آلاف الأرواح وهُجّر حوالي مليون شخص، اختفت الأنباء والتقارير عن أوكرانيا تماماً من أجندة الإعلام الروسي، بعدما حوّلت موسكو آلتها الدعائية صوب الشرق الأوسط، لتبرير غزوها الأخير لسوريا وشنها الغارات على مواقع تابعة لتنظيم "داعش"، على ما تزعم.

وعلى غرار تغطيتها السابقة من أوكرانيا، تعمل القنوات الإخبارية الروسية على مناشدة الحسّ القومي والتاريخي لدى الروس. ففي أوكرانيا كان التدخل الروسي من أجل "إخواننا ممن يتكلمون بالروسية والذين وقفوا إلى جانب روسيا". أما في سوريا فالأمريتعلق بـ"أرضنا المقدسة"، على ما تروّج إحدى القنوات الروسية، بعد بثها حلقة حوارية، يقول مقدمها إنه " لولا سوريا لما وجدت الحضارة الروسية، بالتالي فإن سوريا هي أرضنا المقدسة".


وكان موقع "ماشّبل" قد وثّق ضمن تقرير نشره أمس السبت، أبرز الأساليب الدعائية التي يتبعها الإعلام الروسي، في ما يتعلق بشنّ الضربات الجوية على سوريا. فكما كانت الحال مع أوكرانيا، نفت روسيا التدخل العسكري المباشر في سوريا، حيث تدّعي موسكو أنها تقوم بتدخل محدود، لا يستهدف الإ المتطرفين من تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو ما دأبت وسائل الإعلام الروسية على تكراره في أكثر من مرة، رغم وجود أدلة تظهر عكس ذلك. فبعد فترة وجيزة من بدء موسكو أول غاراتها الجوية، الأربعاء الماضي، أظهرت مقاطع فيديو من نشطاء محليين، تم تداولها في مواقع التواصل أن الهجمات استهدفت المناطق التي تسيطر عليها جماعات متمردة أكثر اعتدالاً، تقاتل ضد الرئيس السوري بشار الأسد، فيما قتلت الغارات، وفقاً للفيديوهات، العشرات من المدنيين.

وكما فعلوا في أوكرانيا، سارع المسؤولون الروس لمواجهة هذا السرد الإعلامي الذي يشكّل تهديداً لمهتمهم، حيث قامت وسائل الإعلام الرسمية بنشر وبث تصريحاتهم وردودهم على ما أسموها "الشائعات والأكاذيب". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية في تصريح للصحافيين، الأربعاء الماضي، إنّ "المزاعم الغربية التي تقول إن الغارات الجوية الروسية استهدفت مدنيين، ما هي إلا تقارير منحازة وخاطئة، وهذه الاتهامات لا أساس لها"، مضيفة إن "هذه المزاعم هي جزء من الحرب الإعلامية التي شهدناها سابقاً خلال وجودنا في أوكرانيا". من جهته، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إنّ "هناك الكثير من المعلومات المشبوهية والكاذبة في وسائل الإعلام الأجنبية، في ما يتعلق بالأهداف التي أصابتها الغارات الجوية الروسية".

وفي "تويتر" لم يختلف الأمر عن ما تبثه الشاشات، حيث تعمد وزارة الدفاع الروسية، من خلال حسابها الرسمي، إلى التأكيد مراراً على أن "بعض وسائل الإعلام الأجنبية تنشر الشائعات والأكاذيب، وأن ما تبثه هو هراء مطلق ليس له أي أساس واقعي". وفي تغريدة أخرى، قالت الوزارة إنّ "المواد الإعلامية التي تستند إليها وسائل الإعلام الأجنبية، تم تجهيزها قبل بدء الغارات الجوية، ما يعني أنها ملفقة وليس لها أساس من الصحة". وعليه أعلنت الوزارة أنها "ستقوم مرتين خلال اليوم، بتقديم معلومات شاملة ودقيقةعن العمليات الجوية الروسية في سوريا، وتدعمها بالحقائق".

وفي مواقع التواصل أيضاً، تعمل الدعاية الروسية على أكثر من صعيد، حيث يقوم المراسلون الحربيون العاملون في القنوات التلفزيونية الموالية للكرملين والمملوكة من الدولة، ممن غطوا الحرب في شرق أوكرانيا، بنشر صورهم في "تويتر" و"انستغرام" من على الأرض في سوريا، حيث قاموا، الإثنين الماضي، بالوقوف أمام الدبابات والتقاط الصور ونشرها في مواقع التواصل، تزامناً مع بث الشاشات خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الأمم المتحدة.

ويأتي ذلك في سياق الجهد الإعلامي والدعائي التي تبذله وسائل الإعلام الروسية لحشد وتعزيز التأييد الشعبي للتدخل العسكري في سوريا، منها قناة "روسيا اليوم" التي بثت تقريراً حصرياً، الجمعة الماضي، حول القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية، يقدم استعراضاً "متوهجاً" للاجراءات العسكرية الروسية هناك.


وتنشط الدعاية الروسية في هذا الإطار، بعدما خفتت حماسة الجمهور الروسي للحرب في أوكرانيا، كما يظهر من خلال استطلاعات الرأي الأخيرة، فيما كان الدعم الشعبي لشنّ الهجمات الجوية على روسيا أقل من ذلك بكثير، وفقاً لمسح أجراه مركز "ليفادا" المستقل الشهر الماضي، وجد أن 50% من أفراد العينة كانوا إما غير معنيين بساسية روسيا تجاه سوريا أو ليس لديهم رأي بهذا الشأن، فيما قال 14% فقط إنهم سيدعمون التدخل العسكري في سوريا.

ويفسر محللون نتائج هذا الاستطلاع، بما يعود إلى الحرب الأوكرانية، إذ يجمع كثيرون على أنه لم يكن يفترض أن تتحول إلى حرب دامية، وأن الصراع هناك طال أمده ولم يسير وفقاً للخطة. كما أدت العقوبات الغربية على تصرفات موسكو في أوكرانيا إلى العزلة والمتاعب الاقتصادية وانخفاض الدخل في روسيا. ويقول أليكس  كوكشاروف، المحلل المتخصص بالشؤون الروسية الأوكرانية، إن السبب الأوضح لتحول بوتين نحو روسيا، هو عدم تحقيقه أهدافه في أوكرانيا، إذ إن إجراءات بوتين في روسيا يمكن أن تستخدم محلياً لتحويل الأنظار عن الأزمة الاقتصادية وانخفاض الدخل والاضطرابات المدنية التي تشهدها روسيا. وهو ما تشير إليه إيضاً تقارير تتحدث عن التعتيم الذي تعتمده وسائل الإعلام الروسية، بشأن نفقات التدخل العسكري في سوريا، وعدد العسكريين والجنود والمستشارين، الذين تواجهوا إلى سوريا، وذلك إلى جانب إخفاءها الآثار السلبية المترتبة سابقاً جراء تدخلها في أوكرانيا.

من جانب آخر، اشتعلت الحرب الإعلامية بين روسيا والولايات المتحدة، على خلفية موقف البيت الأبيض من الضربات الجوية الروسية، إذ عبرت الإدارة الأميركية عن قلقها  العميق إزاء استهداف المقاتلات الروسية لقوى المعارضة، التي خضعت لبرنامج تدريب أميركي، بهدف تحسين قدراتها لمواجهة تنظيم "داعش" في سوريا. وتطالب واشنطن بوقف ما تقول إنها "هجمات ضد المعارضة والمدنيين السوريين"، معتبرة أن "الغارات الروسية لم تستهدف داعش حتى الآن"، واصفة الوضع بأنه يأتي ضمن "اجراءات عسكرية تشكل تصعيداً إضافياً وتتسبب بزيادة التطرف". وهو الأمر الذي ردت عليه وسائل الإعلام الروسية بقولها إن "الغرب يشعر بالغيرة من نجاح روسيا في سوريا".

وضمن مقال نشر في موقع "روسيا اليوم"، تحت عنوان "لماذا يصف الغرب بوتين بالشرير ووسائل الإعلام الروسية بعبدة الشر؟"، يفنّد الموقع أسباب الخطاب الإعلامي المعادي لروسيا، من وجهة نظر موالية ومؤيدة للكرملين. ويخلص المال بعدها إلى أن وسائل الإعلام الغربية طالما تعودت على بث الأكاذيب والشائعات وتقديم المعلومات بدون دعمها بحقائق مثبة، سواء في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا أو سوريا أو العراق، وهي برغم انكشاف أمرها، لم تقدم الاعتذار من جمهورها بتاتاً، ولم تتم معاقبة أو محاسبة الجهات المسؤولة عن بث الأكاذيب، ما ينطبق وفقاً للمقال، على ما يجري اليوم بشأن الضربات الروسية في سوريا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها