وَإِنّــــي لَحَــــمّــــالٌ لِكُــــلِّ مُــــلِمَّةٍ تَــخِــرُّ لَهــا شُــمُّ الجِـبـالِ وَتُـزعَـجُ
وَأَحـمـي حِـمـى قَومي عَلى طولِ مُدَّتي إِلى أَن يَـرَونـي في اللَفائِفِ أُدرَجُ
- شدّاد: ويحك، أغارت علينا ذبيان!
- عنترة: بل غار الرّوس على الأوكران.
- شدّاد: لا تكرّ، لا تكرّ.. إنّي سمعتُ في قناة "فرانس 24" إنّ زينلسكي- رئيس أوكرانيا- يهودي!
- عنترة: منذ متى نسأل الملهوف عن دينه يا شدّاد!
وَإِنّـي لَأَحـمـي الجـارَ مِـن كُـلِّ ذِلَّةٍ وَأَفـرَحُ بِـالضَـيـفِ المُـقـيـمِ وَأَبـهَجُ
شدّاد: تفرح بالضيف وتبتهج!
إسمع إذاً ماذا قال "تشارلي داغتا" موفد وكالة "سي بي إس" إلى كييف عن اللاجئين الأوكران إلى أوروبا، لقد وصفهم بكونهم: (لاجئون ليسوا من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا، مسيحيون، وذوو بشرة بيضاء)..
أمّا رئيس الوزراء البلغاري، فقال: (اللاجئون الاوكران أوروبيون، أذكياء، ومتعلمون، ولا يملكون ماضياً غامضاً.. كأن يكونوا إرهابيين!) ..
وأنت -يا بن زبيبة- لست متعلّماً ولست من "أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأصفر"، لذلك أخاف عليك أن تُقتل هناك، أو أن تُتّهم بالإرهاب.
اغتاظ عنترة مرّة أخرى من الحضارة التي لاتزال تمارس التمييز العنصري بحسب لون البشرة، ثم أنشد:
وأنا ابنُ سوداءِ الجبينِ كأنَّها ضبع ترعرع في رسوم المنزل
الساق منها مثل ساق نعامة والشـعر منها مثـل حبّ الفـلفـل
والثغر من تحت اللثام كأنَّه برق تلألأ في الـظلام المسـدل..
من المطبخ، سمعت زبيبة صوت غصّة في ابنها عنترة، فأقبلت لفورها سائلة مستفسرة:
- مالي أراك قد لبست درع الحرب يا بُني؟
- عنترة: لأحمي ظعائن الأوكران يا زبيبة.
- لكنها حرب بين الناتو وبين روسيا يا بني.. ثمّ إن الروس وحلفاءهم ليسوا عشيرة بسيطة فهل ستقاتل الروس وحدك!
-عنترة: قرأت في غير موقع الكتروني أن الرئيس الأوكراني أعلن عن إنشاء فيلق دولي من المتطوعين الأجانب للانضمام إلى جيش بلاده وصد الغزو الروسي.. وقد بلغ المتطوعون الآلاف والعدد آخذ بالازدياد. ثمّ إنّ هؤلاء المتطوعين ينحدرون، بشكل أساسي، من أميركا ومن دول أوروبية... لنْ تقول العرب إن مروءة أوروبا قد غلبت مروءة عبس!
- زبيبة: اصطحب أخاك –شيبوب- معك.. فهو جالس طوال الوقت يُقلّبُ كتاب "رأس المال" لماركس.
-عنترة: شيبوب يا أخي، قم، ضع يدك بيدي، قم نبنِ غدَك وغَدي.. هلمّ بنا نرد غزو الروس يا شيبوب.
شيبوب: تحارب الروس! هل صرتَ مرتزقاً يا عنترة!
إنّي أنوي الذهاب لنصرة بوتين قاهر الامبرياليّة، ونصير البروليتاريا، وخليفة لينين! قال شيبوب.
أحس عنترة بالإحباط من جديد، وفهم أن شيبوب لا يزال يتابع الفضائية السّوريّة! فقرّر عنترة الانسحاب من الجدال المهين، وأن لا يخبر أخاه أن بوتين كشّر عن أنيابه القيصريّة، وأعلن البراءة من الشيوعيّة، ومن لينين وستالين!
لم يبق إلا أن يودّع النبيل حبيبته عبلة. إلّا أنّه يرأف بقلبها، فهي لا بدّ ستبكي حين تلوّح مودّعة فارسها، وقلب عنترة يضعف كثيراً أمام دموعها.. لذلك فضّل إخبارها عبر مكالمة هاتفيّة.
اتصل عنترة بعبلة؛ فلم تجب. ثم بعد نصف ساعة عاود الاتصال فلم تجِب. ثم حين اتصل للمرّة الثالثة فصلت عبلة الخط في وجهه، ففهم عنترة أن "ظرف عبلة" لم يكن ليسمح بإجراء اتصال مباشر..غالباً ما كانت عبلة مشغولة بمتابعيها، فعبلة مناضلة نسويّة، وعنترة يتفهّم ذلك فهو ديموقراطي مؤمن بحقوق المرأة..
دخل عنترة إلى ماسنجر ووجد عبلة "أون لاين"، فهدأ القلق على صحّتها، واتّقدت مشاعر العاشق الولهان، وأرسل "ميساج":
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
وَعِمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
بعد نحو نصف ساعة وضعت عبلة "سمايل ❤"، فأرسل عنترة "ميساج" ثانية:
هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ
إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي
عندها وضعت عبلة " 😯"، و(!!).. فتلقّى عنترة بعض الاهتمام، وأخبرها نيته الذهاب للحرب، ورجاها ألّا تبكيَ عليه، وألّا تحسّ بالكرب.. وأردف يقول:
يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني
أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ
فاكتفت عبلة بوضع "سمايل 😓"، وذهبت إلى غيبوبة صمت طويلة، بدت لعنترة نوبة بكاء حادّة..
-: لاشكّ أنها تبكي الآن، قال عنترة لنفسه.
ظل الحزين شارداً حتّى قطع صوت الرسالة عليه حلمه.
لقد شاركت عبلة البيت الأخير، وأعادت إرساله بعدما كتبت تعليقاً تقول فيه: (😤 يا فرحتي بك!... حتى متى يا عنترة، حتى متى)!
ثم كتبت في رسالة منفصلة:
الإنسان، بوصفه كائناً اقتصاديّاً، هو أناني بطبعه.. وأنت يا عنترة ما زلت تبحث عن المتاعب، ثمّ تعفُّ عند المغنم! حتى متى يا عنترة.. هذا ابن عمّي - مالكاً- أضحى لديه: سيّارة حديثة، وشقّة فاخرة!
عندها، هاج عنترة هيجاناً شديداً وأرسل صوتاً: هل تظنيني مرتزقاً كما يقول شيبوب! ثم وضع "سمايل 😢😢" على كل رسائل عبلة الأخيرة.. فشعرت عبلة ببعض الحرج، فقرّرت تغيير أسلوبها قليلاً.. وأرسلت: لكنّ أوروبا لم تسمّ الذاهبين للقتال ضد الروس "فرسان الدفاع عن الحريّة" بل وصفتهم بـ"المتطوعين".. ألا تلاحظ معي –يا حبيبي يا عنترة- أن هذا وصف حيادي تماماً، وملغومٌ أيضاً!
إسمع.. (هكذا كتبت رغم أنها كانت تكتب).. أمّا وإنّك ذاهب لا محالة، فسأعرض عليك صفقة مربحة.. إذهب إلى كييف. ثم من هناك، من وسط المعركة، سنجري بثّاً مشتركاً بيني وبينك، وسنحظى بملايين المشاهدات، وسيكون اسمك #ترينداً، سنكسب آلاف الدولارات كلّما ازداد عدد مشاهدات البث و......!
ترك عنترة عبلة تستمرّ في الكتابة... بينما يُجري هو اتصالات سريعة مع شعراء اليمن، وتميم وذبيان، وبني عامر وغطفان، يسألهم عن معنى "تريند" .. لكنه لم يصل إلى إجابة.
فكتب آخر "ميساج" لعبلة:
كم أعوجّ لسانك، واستعجمت كلماتك.. مُذ خالطتِ الروم عبر الزوم.. يا عبلة!
ثمّ وضع "سمايل 😭💔".
وحذف الماسنجر، وهجر الفيسبوك.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها