الإثنين 2022/06/06

آخر تحديث: 12:23 (بيروت)

القتل.. كحال من أحوال المدينة

الإثنين 2022/06/06
القتل.. كحال من أحوال المدينة
بـ"عادية" شديدة، أتعثر بعلبة مسدس في قمامة بيروت، فألتقط صورة أسمّيها: Nature Morte
increase حجم الخط decrease
يدخل الانهيار اللبناني عامه الثّالث، فتتعمّق أزماته على كافة الصّعد. وأزمة النّفايات واحدة منها فقط، يزيد من حدّتها تلاشي أجور وحقوق عمّال النّظافة التي لم تكن تُذكر أصلًا، من جهة؛ ومن جهة أخرى، تطوّر ظاهرة "النبّاشين" الذين يبعثرون القمامة كيفما اتّفق بحثًا عمّا يمكنهم إعادة بيعه، وبينهم من يعمل حتّى ساعات الليل، فيعتمر شرائط بلمبات تُضاء من دون أن تعينهم حقًا على الشّقاء. لكن الآنف جزء من بانوراما لا تكف عن التّسبب بصدمات لمشاة تتزايد أعدادهم مع التّضخم اليوميّ في تسعيرات أشكال النقل الباقية... كيف لا، وأجسام القطط والفئران، الجرذان وطيور الحمام التّي دهستها السيارات تُترك لتتحلل تحت الشمس والمطر؟

قد يوضع ذلك كلّه في كفّة ما يثير الحزن أو القرف.. أمّا أنّ أرى صراحةً علبة مسدس خارج حاوية، فالمشهد يُزاد فوق كفّة الشّعور بالخوف العتيق، أثناء محاولات العيش في البلد وفي بيروت. ألتقط صورةً لما أرى، لا من أجل أن أحتفظ بذكرى "تنعاد" علينا كمتفرقات منذ ما سُمّي بنهاية الحرب الأهليّة. بل كيّ أتأكّد إذا ما كانت تلك العلبة هي لمسدس حقيقي أَم لا، وعنونتها برومانسية سوداء: Nature Morte. أيضًا ثمّة مفارقة تكمن في موقع الصورة، أقصد الحيّ المكتظّ والممتد خلف تمثال بشارة الخوري، أوّل رئيس لجمهورية الاستقلال والبالغة لتوها مئة عام.

أستعيد كيف قال لنا مرّة أستاذ في الجامعة عن أن "الانترنت مزبلة العالم". ورغم جهلي بالحقل المعجمي للسّلاح، ما لا يخوّلني أنّ أفهم بالضّبط ما قرأت وشاهدت في رابطين، وجدتُ أنّ السّعر المدوّن في الأوّل "رخيص"، رخيص جدّاً. كما أيقظ صوت "التخرطش" في الثاني رعبًا في قلبي، لم يبدأ مع 7 أيّار 2008، لم ينتهِ مع أحداث الطيونة في 14 تشرين الأوّل، المُضافة إلى روزنامتنا المزدحمة بالانتصارات-التّعديات، المتجددة مع فوز زعيم حركة "المحرومين" بولايته السّابعة على المجلس النيابي، ليستمر إطلاق الرصاص حتى آخر الليل.

هكذا، بدى تواصل دويّ الرصاص بمثابة تكرار لما اختصره أصحاب قضيّة المرفأ في الذّكرى الأولى للانفجار، في 4 آب 2021، وعبر مقولة: "نجا مَن مات ومات مَن نجا". كيف لا، وباستطاعة رصاصة طائشة أنّ تقتل أيّ إنسان، ولو كان قد اختار الاستسلام للإحباط فوق أريكته؟ وفي حين أنّه من السّذاجة الاعتقاد بأنّ فئة وحيدة من الشّعب تحمل السّلاح دون غيرها، ولو خلال زيارة إلى السوبرماركت لشراء حاجيات مُعتادة، يُظهر الواقع أنّ فئة "يتيمة" فقط قادرة فعليًّا على بسط سلطة السّلاح غير الشّرعي وتماماً، على طريقة "اسمعي ياه"، و"كل بلدك قايم هيك"، يلفظها راعي الدّستور والقانون والأمن الدّاخلي بكامل الأريحيّة تحت قبة التّشريع.

(*) النص أعلاه، يسير على خطى الثّورة/الانتفاضة، أي إلى البرلمان، ومن شوارع تحمل أسماء أصحاب/شهداء رأي وفكر. وقد تُفهم إلى حدّ بعيد أسباب تعثر الخُطى، في ظلّ متغيرات لعالمٍ صار من الواضح أنّه يرسم ويُرسِّم استراتيجيات وحدوداً جديدة، لا حول ولا قوّة فيها يُذكران لبلاد صغيرة، متشرذمة...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها