الأحد 2023/03/12

آخر تحديث: 12:03 (بيروت)

انهيار مصرف وادي السيليكون: أكبر نكسة مالية بـ48 ساعة

الأحد 2023/03/12
انهيار مصرف وادي السيليكون: أكبر نكسة مالية بـ48 ساعة
صدمة دوّت أصداؤها في قطاع الإنترنت والذكاء الاصطناعي (Getty)
increase حجم الخط decrease

في واحدة من أكبر النكسات المصرفية منذ الأزمة المالية عام 2008، فوجئت الأوساط الاقتصادية الأميركية نهاية الأسبوع (الجمعة 11 آذار) بإعلان انهيار مصرف "سيليكون فالي"، وهو السادس عشر من حيث حجم رأس المال في الترتيب العام، في صدمة دوّت أصداؤها في قطاع الإنترنت والذكاء الاصطناعي الذي تستفيد شركاته، خصوصًا حديثة النشأة منها، من خدمات المصرف المتخصص بتمويل القطاع، والذي يتخذ من مدينة سانت كلارا، قلب وادي السيليكون في كاليفورنيا مقرًا رئيسًا له.

تصفية حساب
وأعلنت وكالة ضمان الودائع الفدرالية (FDIC) صباح الجمعة، أنها وضعت يدها على المصرف، بعدما أغلقته السلطات المالية لولاية كاليفورنيا، تمهيدًا لفرز أصوله وودائعه البالغة حوالى 209 مليارات دولار، وتصفية حساباته بطريقة تضمن عدم تفاقم مفاعيل انهياره على مئات الشركات وآلاف المودعين في أميركا والعالم، والحد من الآثار السلبية على الأسواق المالية، التي تتعرض لضغوط متواصلة منذ أكثر من عام بسبب سياسة رفع سعر الفائدة أميركيًا لخفض معدلات التضخم.

وأوضحت الوكالة أن المقر الرئيس للمصرف وفروعه الثلاثة عشر ستفتح أبوابها يوم الإثنين (13 آذار) لتمنح صغار المودعين فرصة كاملة لسحب ودائعهم المضمونة والتي تصل إلى مبلغ 250 ألف دولار لكل حساب، إلّا أن تقارير إعلامية متعددة ذكرت أن حوالى 89 بالمئة من الودائع التي تبلغ قيمتها 175 مليار دولار غير مشمولة بالتأمين الفدرالي، وأن البحث جار على أوسع نطاق لترتيب دمج المصرف المتعثر مع مصرف كبير (يمكن أن تكون شركة غولدمان ساكس) لتوفير سيولة فورية للشركات المتأثرة، حتى لا يؤدي انهيار المصرف إلى منعطف سلبي يمتد إلى مؤسسات أخرى كما حصل مع مصرف "واشنطن مويتشويل" العقاري عام 2008، والذي أدى تعثره إلى انهيار السوق المصرفية والدخول في كساد كبير.

تضرر قطاعات التكنولوجيا
ويتوقع المراقبون الماليون أن تقدم شركة "سيليكون فالي" صاحبة المصرف على إعلان افلاسها رسميًا، فور إتمام المعاملات والترتيبات اللازمة، ليصبح في إمكان الوكالة الفدرالية تسييل أصولها قانونًا وتبويبها وفقًا لملاءتها المالية، وتحديد المودعين والمدينيين وحجم الإلتزامات العاجلة المطلوبة من المصرف، مقابل البت في مصير الأصول غير القابلة للتحصيل، لتكون الصورة واضحة أمام أي مصرف أو مستثمر يريد شراءها، على أن المهمة الأكثر إلحاحًا الآن هي تأمين رواتب العاملين في المصرف وفي الشركات التي يتولى صرف معاشاتها، وقد وجه رئيس مجلس الإدارة غريغ بيكر رسالة مصورة إلى جميع العاملين يتناول فيها الساعات الـ48 الحرجة التي سبقت الانهيار.

ومع أنه من المبكر معرفة الصورة النهائية لحجم التعثر وآثاره، بدأ التعرف على أكثر الشركات المتضررة، وهي في قطاع الإنترنت والتقنيات، وقالت شركتا روبلوكس (Roblox Corp) وروكو (Roku Inc) المتخصصتان في تطوير ونشر ألعاب الفيديو، أن ودائعهما المقدرة بمئات ملايين الدولارات غير مؤمنة، مما أدى إلى انخفاض فوري في أسعار أسهمهما أكثر من عشرة بالمئة، فيما أعلن مصرف فيرست ريبابليك (First Republic Bank) ومصرف وسترن أليانس (Western Alliance) أنهما في وضع مالي جيد رغم الخسائر المحتملة، فيما أصدر مصرف كوميرزبنك الألماني (Commerzbank) بيانًا غير عادي، أكد فيه أن تأثره بتعثر المصرف الأميركي محدود، وذلك لطمأنة مودعيه وحاملي اسهمه على السواء.

أسباب التعثر
يشير المحللون إلى أن عاملين كبيرين ساهما في تعثر المصرف؛ الأول اعتماد المصرف المركزي الأميركي منذ أكثر من سنة سياسة الرفع التدريجي لأسعار الفائدة، في محاولة لضبط التضخم المالي الذي أعقب انتهاء المرحلة الوبائية من فيروس كوفيد-19، وفاقمته الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي أدت إلى قفزات كبيرة في أسعار النفط والغاز والمواد الغذائية، وقد أدى رفع سعر الفائدة إلى تراجع قيمة سندات الخزينة الأميركية بوتيرة سريعة، بددت الكثير من هوامش التمويل لدى المصارف التجارية. وهذا ما أثّر في كل القطاع المصرفي. أما العامل الثاني الأكثر خصوصية بالمصرف المتعثر، فتمثل في انهيار أسعار العملات الرقمية التي صارت تشكل قسمًا وازنًا من المحافظ الاستثمارية لشركات التقنيات والانترنت. يضاف إلى هذين العاملين حقيقة أن تخفيف السيولة النقدية في السوق أدى إلى إضعاف وتيرة الإيداع وحسابات التوفير. وهكذا عانى المصرف الذي بلغ سن الأربعين هذا العام من نقص ترسملي موضعي.

عامل الثقة أولاً
ووفق وكالة "رويترز"، حاول المصرف توفير مصادر تمويل عاجلة من خلال بيع سندات خزينة بقيمة 21 مليار دولار، وإعلان نيته بيع أسهم عادية أو قابلة للتحويل بقيمة 2.25 مليار دولار. هذه الخطوة أثارت انتباه المعنيين في السوق المالية الفائقة الحساسية بعد تجربة 2008، فعمدت مؤسسة مودي للتصنيف الإئتماني (Moody's Investors Service Inc) إلى التواصل مع المصرف يوم الأربعاء، لتنبيهه إلى أنها في صدد تخفيض درجة ائتمانه. في محاولة لتفادي تخفيض تصنيفه، أجرى رئيس مجلس الإدارة غريغ بيكر اتصالًا بمجموعة "غولدمان ساكس" الرائدة في سوق المال طالبًا النصيحة، وتوجه إلى نيويورك للقاء مؤسسة مودي، وفي حوزته خطة لبيع حزمة سندات إضافية بقيمة 20 مليار دولار ولو بخسارة طفيفة، لتأمين السيولة. لكن في عالم اليوم لا يمكن لسر أيًا كان أن يخفى، فانتشرت أخبار تحركات بيكر وقراراته. وبين وسائل التواصل والاتصالات المباشرة، دب القلق في أوساط زبائن المصرف ومودعيه والمستثمرين فيه، الذين هرعوا شخصيًا أو الكترونيًا لسحب ودائعهم، ولم يعد قادرًا على الرد على الاتصالات أو تلبية الطلبات، ليقفل أبوابه قبل نهاية الدوام يوم الخميس، بعدما خسرت أسهمه ستين بالمئة من قيمتها في البورصة.

تكشف السرعة الهائلة لانهيار مصرف وادي السيليكون محدودية الثقة العامة بالقطاع المصرفي بعد أزمة 2008، كما تبين أن الثقة هي العامل الأهم في هذا القطاع، لأن الإجراءات التي اتخذها المصرف كانت كافية للاستمرار استنادًا إلى أكثر من مصدر، وأقنعت مؤسسة مودي بخفض التصنيف جزءاً من درجة فقط، لكنها لم تكن كافية لإعادة الثقة.. فانهار المصرف في أقل من 48 ساعة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها