السبت 2023/03/11

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

الصناعات الغذائية تشذ عن سياق الإنهيار العام: تنتج وتصدّر

السبت 2023/03/11
الصناعات الغذائية تشذ عن سياق الإنهيار العام: تنتج وتصدّر
أبناء الجاليات اللبنانية في الاغتراب لعبوا دوراً كبيراً في تشجيع المنتج اللبناني(Getty)
increase حجم الخط decrease
 

وسط انهيار معظم القطاعات في لبنان، تبدو الصناعات الغذائية وكأنها على مسافة من حال التفكك والإنهيار، لا بل تشهد نمواً ملحوظاً.
لذلك اسباب متعددة ، تعكس في احد وجوهها تراجع قدرة المواطنين على استهلاك المواد المستوردة، التي كانت في بعض الحالات من "لزوم ما لا يلزم"، طالما أن البدائل اللبنانية المنشأ متوفرة وبنوعية مماثلة وبسعر أقل. كما أن هذه الصناعات استطاعت أن توائم المعايير العالمية المطلوبة فشرّعت أمامها أبواب التصدير، خصوصاً مع تراجع أسعارها ، نسبياً، مع تراجع قيمة العملة الوطنية.

تعاون زراعي-صناعي
يشيررئيس تجمع صناعيي البقاع ومؤسس شركة "غاردينيا غران دور" نقولا ابو فيصل الى "الانخفاض الملحوظ في اغراق الاسواق بالمنتوجات المستوردة منذ بداية الأزمة الاقتصادية وانتشار كوفيد سنة 2020 ، مما انعكس ايجابياً على القطاع الصناعي الغذائي اللبناني. نتج عن ذلك قيام حلقة متوازنة بين الصناعي والمزارع سمحت بالتعاون بينهما. فيتم، في معظم الحالات، تزويد المزارع بالبذور والحرص على إرشاده لإنتاج المحاصيل بمواصفات محددة ومطلوبة، في مقابل تعهّد الصناعي بشراء الحصاد  لتصنيع منتجات لبنانية محليّة بالكامل".

ويكشف ابو فيصل أن "عدد المصانع في البقاع زاد حوالي 200 مصنع منذ حلول الأزمة الاقتصادية، بالاستناد إلى أرقام وزارة الصناعة اللبنانية، وللمرة الاولى يسجل وجود ما يقارب 1000 مصنع في البقاع فقط". ويؤكد أن "المصانع اللبنانية أصبحت تصدّر بقيمة 5 مليار دولار تقريباً الى خارج لبنان، وتوظف حوالي 400 ألف عامل".

يعتبر ابو فيصل أن "أبناء الجاليات اللبنانية في الاغتراب لعبوا دوراً كبيراً في تشجيع المنتج اللبناني المحلي وتعريف العالم عليه، بالاضافة الى البعثات الديبلوماسية والملحقين الاقتصاديين". ويعرب عن تفاؤله بمستقبل الصناعات اللبنانية الغذائية "الموجودة اليوم على رفوف التعاونيات العالمية وفي شبكات المطاعم اللبنانية في الخارج... ومن يقطع هذه الأزمة الصعبة، كتبت له الحياة من جديد."

زيادة الصادرات
بحسب المؤسسة الدولية للمعلومات، فقد تراجعت قيمة المواد الغذائية المستوردة من الخارج من 3.5 الى 2.3 مليار دولار، وزيادة قيمة الصادرات من 644 مليون الى 974 مليون دولار، وذلك منذ بداية 2018 حتى سنة 2021. وهو ما يعكس الواقع المتحسن للصادرات نتيجة أسباب متعددة منها تراجع اسعار المنتوجات اللبنانية نسبياً إلى سعر الدولار الاميركي، وحماسة المصنّعين للتصدير وفق المعايير المطلوبة لتقاضي الدولار "الفريش". وهذا ما يفسر ازدياد عدد المصانع كما أشار أبو فيصل.

"ديل ليبانو" واحدة من الشركات الجديدة الناشئة. يروي مؤسسها صلاح ملاعب لـ"المدن" قصّة تأسيس شركته العائلية التي "بدأت من تساؤلات بسيطة خلال الحجر الصحّي زمن كورونا. فكيف يجوز أن يصدّر لبنان القمح القاسي الذي يحتوي على نسبة بروتين عالية (13%) الى ايطاليا كي تصنّع المعكرونة التي نعود ونستوردها؟ يمكن للبنان ببساطة أن يصنّع المعكرونة من القمح البلدي والمياه الجبلية من دون اضافات أو مواد حافظة، ويصدرها عوض استيرادها".

بدأ ملاعب أبحاثه وتجاربه حتى أسس وعائلته منتجاً لبنانياً طبيعياً مئة في المئة، أصبح موجوداً في أكثر من 1600 تعاونية غذائية في لبنان ويصدّر الى عدد من الدول الخارجية.

يعتبر ملاعب أن شركته تساهم في انخفاض معدل استيراد المعكرونة وتشغّل يد عاملة لبنانية، خصوصاً في الأرياف. يقول ان "الأمر لم يخلُ من المخاطرة أن نؤسس مصنعاً في ظل الوضع الإقتصادي الراهن. لكن يوم قررت العودة إلى لبنان بعد هجرة 18 عاماً في ايطاليا كان لا بد من المحاولة بكل تصميم وجدية. واليوم حولنا طحيننا وماءنا إلى معكرونة  بمتناول يد كل مواطن لبناني بدءاً من الجيش اللبناني وصولاً الى المغترب في المهجر."

ويلتقي ملاعب مع ابو فيصل على أهميّة "تأسيس حلقات دعم بين الشباب اللبناني في لبنان والمهجر، لتأسيس مصانع غذائية لبنانية جديدة وتشجيع الموجودة منها، لأن الصناعة ركن أساسي من أركان الإقتصاد المنتج".

تحديات وآفاق
يواجه قطاع الصناعات الغذائية بعض العقبات مثل الخلل في مراقبة الجمارك والتهريب، وقلّة التدقيق والرقابة على المصانع غير الشرعية ومنتجاتها، واتساع في حجم الفساد في الإدارات العامة، وغياب الكهرباء وارتفاع كلفتها وبعض العوائق أمام التصدير الى خارج لبنان، كما يشكو عدد من الصناعيين؛ ومع ذلك، يبقى هذا القطاع من العلامات المضيئة في الصناعات اللبنانية الذي يمكن الرهان على تطويره اكثر وتنويع إنتاجه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها