وهذا الكلام يتناقض مع ما صرّح به السفير الأوكراني في بيروت إيهور أوستاش، قبل نحو ثلاثة أيام، إذ توقّع وصول شحنة الذرة "المصدَّرة بشكل قانونيّ على متن السفينة، إلى لبنان، في غضون 4 إلى 5 أيام".
والحاجة إلى رسوّ السفينة في ميناء طرابلس كما هو مخطّط، لا يقتصر على توفير الذرة في حال اشتراها التجّار، أو في توفير محتويات أي شحنة أخرى، بل يمتدّ إلى إسهامها في إعادة الاعتبار للبنان كوجهة أساسية للسفن في المنطقة، بعد تفجير مرفأ بيروت. أما ذهابها إلى وجهة أخرى، فيعني أنّ بالامكان الاستغناء عن لبنان كنقطة وصل. ولهذا الخيار تبعات اقتصادية سلبية غير مرغوب بها في الظروف الراهنة.
وبعد الرأي الأوكراني، حسم وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، الأمر: "الباخرة رازوني، وقبل وصولها إلى وجهتها المعلنة بدايةً، تغيّر مسارها". وأوضح حمية، يوم الأحد 7 آب، أن "البيانات المرفقة تشير بأنها تنتظر أمراً حول تحديد وجهتها الجديدة".
تجّار مجهولون
تركُ السفارة الخيارات مفتوحة في البداية، وربطها بهوية مشتري الشحنات، يعني أن أصحابها مجهولون وأن رازوني قد تأتي إلى لبنان لتعرض ما في جعبتها، على أمل إيجاد زبائن، وهو احتمال يكبّدها خسائر أكلاف الانتقال في حال لم تجد مَن يشتري الذرة.
ويذكّر هذا الاحتمال بالسفينة "لاودسيا" التي وصلت إلى مرفأ طرابلس فجأة من دون أن يتبنّاها أحد من التجار، رغم حملها 5 آلاف طن من الشعير و5 آلاف طن من الطحين. ولم تكن الجهات المعنية على علم بوصول لاودسيا، التي سرعان ما غادرت نحو سوريا بعد عدم تمكّن القضاء اللبناني من اتهامها بحمل شحنة مسروقة من المستودعات الأوكرانية، كما ادّعت السفارة الأوكرانية في بيروت. ومع أن القضاء سمح للسفينة بالخروج من مرفأ طرابلس، إلاّ أنه لم يفصح عن هوية الشركة اللبنانية التي طلبت الطحين، وبالتالي لم يبيّن سبب ارتباك وزارتيّ الاقتصاد والأشغال العامة والنقل، إلى جانب الجمارك، حيال غموض وصول السفينة وعدم معرفة ما إذا كانت ستفرغ حمولتها في لبنان أم لا. وما يثير القلق أكثر، هو إعلان وزارة النقل السورية أن لاودسيا التي وصلت إلى مرفأ طرطوس، كان من ضمن جدول مسارها "إيصال طحين إلى إحدى الشركات اللبنانية قبل أن تتابع إفراغ حمولتها في ميناء طرطوس بشكل روتيني معتاد". ما ينبىء أن سوريا كانت تدرك وجهة السفينة وهوية أصحابها، على عكس لبنان الذي تخبّط مع وصولها.
وكما مع لاودسيا، كذلك مع رازوني، لا تجّار سيستقبلون شحناتهم بشكل واضح وصريح. فهل يعني ذلك أن لبنان أصبح ممراً لسفن تعرّج عليه أو تستغلّ اسمه قبل التوجّه إلى سوريا كمحاولة للالتفاف على قانون قيصر؟ إن كان الأمر كذلك، فلبنان قد يجتذب إنذارات أميركية ودولية ظهرت بوادرها مع الاتهامات الأوكرانية باستقبال شحنات مسروقة، إذ أكّد وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، أن لبنان تلقى "احتجاجات وإنذارات من دول غربية"، عقب وصول سفينة سورية تقول أوكرانيا أن روسيا سرقت حمولتها من المخازن الأوكرانية.
الواضح حتّى الآن، أن رازوني أجّلت قرار دخولها لبنان. لكن مَن صاحب قراراتها، ولماذا تمّ تأكيد وجهتها نحو لبنان، سواء من الأتراك أو الأمم المتحدة، ثم تغيّر الأمر فجأة. وإلى أين ستذهب؟ كلّها أسئلة ما زالت مجهولة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها