وحسب الأجواء الواضحة، لن يستطيع ميقاتي قيادة المرحلة المقبلة نحو توقيع الاتفاق مع الصندوق. فحكومته إن تشكّلت، ستنشغل بإدارة البلاد حتى انتهاء عهد رئيس الجمهورية ميشال عون وربما بعده. وإن اصطلحت أحوال الرئاسة سريعاً، فجمعية المصارف استبقت أي خطوة للحكومة المقبلة، سواء بقي ميقاتي رئيساً أم ابتُدِعَ اسم آخر.
رسمت الجمعية خطاً أحمر بعد انتقادها خطّة التعافي، إذ طعنت بقانونية ودستورية اتفاق الإطار، معتبرة أن تطبيقه "غير عادل. لأنّه سيحوّل العبء على البنوك التجارية على الرغم من أنّ الغالبية العظمى من الخسائر تسبّب فيها البنك المركزي". أي بمعنى آخر، لن يكون هناك اتفاق لاحقاً، ما لم توافق عليه المصارف، حتى وإن وُضِعَ على المحك عمل الحكومة وقيمة الليرة ونهوض البلد.
أبعد من المصارف
صحيح أن المصارف صلبة ولن تتراخى حيال ضمان خروجها الآمن من الأزمة، إلاّ أن عثرة الحكومة ليست أقل ثقلاً ولا أقل عرقلة للاتفاق. بل على العكس، فتعليق بنك الموارد لعضويته في الجمعية اعتراضاً على اتخاذ القيادة لقرارات "لا تصب بالضرورة في مصلحة أعضائها والمودعين على السواء، وتؤدي في بعض الحالات إلى ضرب أو عدم حماية القطاع المصرفي برمته"، قد يكون له أثر إيجابي في إحداث صدع في جدار الجمعية، يدفعها إلى تليين موقفها من الاتفاق مع الصندوق، لتبقى قرارات الحكومة ومن ورائها مجلس النواب، الأكثر حسماً في تفعيل الاتفاق أو فرملته.
فالحكومات منذ بدء الأزمة، أهدرت نحو 7.5 مليار دولار على دعم استيراد البضائع، من دون إفادة المواطنين بالشكل المطلوب، بل أفادت كبار التجّار والمستوردين في مختلف القطاعات سواء الغذائية أو الدوائية أو الطبية أو الصناعية أو غيرها. ومن نهاية العام 2021 وحتى 15 حزيران 2022، استعمل مصرف لبنان نحو 2.2 مليار دولار من احتياطاته. ومع ذلك، ترفض الحكومة تشريع الاقتراض من مصرف لبنان لتغطية دعم اللبنانيين. ما ينذر بفجوة سيقع فيها الاقتصاد والموازنة العامة لاحقاً، وتتمثّل بمليارات مدفوعة وغير معترف بها. أما توسيع النقاش أكثر، فيحيل إلى هدر بما لا يقل عن 24.5 مليار دولار، هي حصة قطاع الطاقة وحده خلال 10 سنوات، ومن غير الوارد تغطية هذا الهدر.
وأيضاً، لم تحسم السلطة السياسية ما ستقوم به داخل الحكومة ومجلس النواب لجهة تشريع تنفيذ الإصلاحات المالية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وخفض الدين العام وتوحيد أسعار الصرف وإجراء الكابيتال كونترول والرؤية حيال مؤسسات الدولة.. وما إلى ذلك من الخطوات الإصلاحية المطلوبة من صندوق النقد.
وهذا التلكّؤ يُنذر بمحنة ميقاتي الآتية وتخبّط الحكومة المستقبلية. ولذلك، فإن الاتفاق مع صندوق النقد ما زال بعيداً. والأبعد، هو الانتشال من الغرق، لأن ما سيقدّمه الصندوق في حال الاتفاق معه، هو 3 مليار دولار، في حين يحتاج لبنان للخروج من أزمته، بين 15 إلى 20 مليار دولار.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها