ويضاف إلى كل ذلك عامل الوضع السياسي غير المستقر، مع تزايد المخاوف من عدم تشكيل الحكومة، والدخول في فراغ دستوري، ما يمكن أن يفاقم الوضع سوءاً، ويدفع سعر صرف الدولار إلى مزيد من الإنفلات، في ظل شح الدولارات وعجز مصرف لبنان عن التدخل في السوق، وإجراءات المصارف الضاغطة على المواطنين.
هذا، ولا ننسى أن سعر البنزين لا يزال يُحتسب في الوقت الراهن على سعر صرف دولار منصة صيرفة، بنسبة 100 في المئة من حجم المستوردات. أما المازوت فيتم تسعيره بدولار السوق السوداء. وفي شتى الأحوال، لم تسلم أسعار المحروقات بكافة مشتقاتها من الارتفاع الصاروخي.
تراجع الإستهلاك
تنعكس الأسعار المرتفعة للبنزين والمازوت تراجعاً في حجم الاستهلاك لدى المواطنين، الذين باتوا عاجزين عن تأمين احتياجاتهم اليومية من المحروقات. وقد تراجع حجم استهلاك البنزين كثيراً في العامين الأخيرين. وإذا ما أخذنا العام 2019 كمقياس لاستهلاك البنزين على سبيل المثال، فقد بلغ حينها حجم توزيع البنزين كمعدل وسطي نحو 7 ملايين و700 ألف ليتر يومياً (بتوزيع حجم الاستيراد على عدد أيام السنة). أما عام 2021 فتغير حجم الاستهلاك وتراجع إلى حدود 6 ملايين و500 ألف ليتر يومياً، أي بتراجع بلغ نحو 15.5 في المئة. أما خلال العام 2022 فلا أرقام دقيقة حتى اللحظة، غير أن عضو أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، يؤكد في حديث إلى "المدن"، أن حجم الإستهلاك تراجع إلى نحو 5 ملايين و500 ألف ليتر، وربما أدنى.
وفي حال استمرار الأسعار بالارتفاع، ربما يسجل استهلاك البنزين مزيداً من الانخفاض. وإن دل ذلك على شيء، فيدل على عجز المواطنين عن شراء المادة الحيوية، ومواجهتهم أزمة تنقل لا بدائل لها في الوقت الحالي، بالنظر إلى غياب شبكات النقل المشترك. ما يجعل المواطنين في لبنان محاصرين في منازلهم عاجزين عن التنقل بشكل طبيعي.
أما المازوت فله حيثية مختلفة عن البنزين. إذ أن المازوت من المواد التي يصعب الاستغناء عنها، في ظل الغياب شبه الكلي لكهرباء لبنان. لذك استمرت أرقام استهلاك المازوت على ارتفاعها على مدار العام، إضافة إلى ارتفاع الحاجة للمادة خلال فصل الشتاء الفائت، الذي شهد تدنياً كبيراً بدرجات الحرارة، والعديد من العواصف الثلجية، مع الأخذ بالاعتبار تخفيف المازوت الإيراني الضغوط في السوق الاستهلاكي، وإن كان مرحلياً. ويبلغ المعدّل العام الوسطي لاستهلاك المازوت نحو 7 مليون و500 ألف برميل يومياً.
دور المصارف بأزمة المحروقات
يكاد لا ينفد قطاع إلا وللمصارف يد في تأزمه. فالمصارف تحجب الدولارات منذ أيام عن استيراد المحروقات. وهو ما دفع بالعديد من المحطات إلى الإغلاق، في حين عادت طوابير السيارات لتظهر من جديد على وقع شح البنزين. وقد أوضح البراكس في تصريح له اليوم "أن استمرار المصارف بالتأخر عن تسليم الشركات المستوردة للنفط مستحقاتها بالدولار الأميركي، والتي تمثل ثمن البنزين المستورد وفقاً لمنصة صيرفة وللأذونات المسبقة من مصرف لبنان، سينتج عنه استمرار التقنين بتسليم هذه الشركات كميات البنزين للسوق المحلي، وبتراجع توافر هذه المادة للمستهلك في المحطات، رغم وجود كميات غير قليلة في المستودعات في لبنان" لافتاً إلى أنه بات من الضرورة على السلطات المعنية ومصرف لبنان والمصارف الخاصة الإسراع بايجاد حل لهذا الموضوع، لكي لا تعود الأزمة التي لا يريدها احد.
تحذير البراكس إنما يفتح النقاش حول الحلول التي يطرحها البعض اليوم، والتي بدورها قد تقضي على ما تبقى من قدرة معيشية للبنانيين. وأولى تلك المطالبات تتمحور حول تسعير البنزين بالدولار حصراً، وإصدار تسعيرته الرسمية بشكل يومي، تماشياً مع تغير سعر صرف الدولار. والمؤسف أن وزارة الطاقة لم تحرّك ساكناً حيال هذه الطروحات.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها