الثلاثاء 2020/02/25

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

السلطة حيّرَت الأمم المتحدة: الإصلاح لا يأتي بإخفاء الحقائق

الثلاثاء 2020/02/25
السلطة حيّرَت الأمم المتحدة: الإصلاح لا يأتي بإخفاء الحقائق
كوبيتش: غالباً ما يكون تخويف الصحافيين علامة على أنهم يتطرقون إلى أمر مهم (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
يمكن القول أن الأزمة الاقتصادية والنقدية اللبنانية قد جرى تدويلها بصورة ما. فمنذ انعقاد مؤتمر سيدر، يحث المجتمع الدولي الحكومة على إجراء إصلاحات. لكن الحكومة لم تفلح في انجاز ما طُلِبَ منها. 

تأزّمَ الوضع وصولاً إلى حد طلب لبنان رسمياً مساعدة تقنية من صندوق النقد الدولي، غير أن طلب المساعدة لا يعني حُكماً وضع قطار الإصلاحات على السكة الصحيحة. فالإصلاح يحتاج إلى نيّة جديّة لتنفيذه، لأن العقبة في القرار وليست في القواعد والإجراءات. وهذا ما لم تلتمسه حتى الآن الجهات الدولية التي تقع بين خيارين، تحقيق مصلحتها بإجراء إصلاحات قاسية على الاقتصاد والشعب اللبناني، تترافق مع قروض خارجية تزيد عبء الديون. ومن ناحية ثانية، ضرورة تواصل الجهات الدولية مع القوى السياسية عينها التي ترفض الإصلاح، لأنها الممثل "الشرعي" الوحيد للدولة اللبنانية الرسمية. وبالتالي، تواجه الإصلاحات خطر عدم التطبيق، إلاّ إذا فُرِضَت بالقوة، وهذا أيضاً غير وارد.

جدار صلب
بضغط من التظاهرات الشعبية، نفضت لجنة المال والموازنة الغبار عن نفسها، وبادرت لبحث سبل الإصلاح في المجال القانوني. فخلص رئيسها النائب إبراهيم كنعان، إلى "وجود منظومة جديدة من التشريعات الهادفة لمكافحة الفساد". لكن كنعان سرعان ما لفت النظر خلال ورشة عمل آليات استرداد الأموال المنهوبة في مجلس النواب، يوم الاثنين 24 شباط، إلى أن "المشكلة تتمثل اليوم في الحصانات والتدخل في عمل القضاء".

ما لفت النظر إليه كنعان هو جوهر الأزمة وهو الجدار الصلب الذي تحتمي به القوى السياسية، ومن ضمنها التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه كنعان. فهل يقبل التيار البرتقالي رفع الحصانات عن نوابه ووزرائه، وهل يقبل كف يده عن القضاء؟

قبل اللجوء إلى صندوق النقد، كانت لدى القوى السياسية فرصة إيجاد "طبخة" سياسية، تتدارك اتجاه البلاد نحو الأزمة، وتضمن الحصول على أموال سيدر. لكن ذلك لم يحصل بفعل الخلافات السياسية المتجذّرة، التي أسقَطَت لاحقاً التسوية الرئاسية، التي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وسعد الحريري إلى رئاسة الحكومة. وهذا التغيير الذي فرضته ثورة 17 تشرين الأول 2019، دفع القوى السياسية إلى التمترس بشكل متصلّب، كلٌّ خلف جداره الطائفي أو المناطقي أو السياسي، متناسين ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية.

السلطة تخفي عن شعبها
الأزمة السياسية تعيق حلحلة الأزمة الاقتصادية، وتفتح بالتوازي مجالاً نحو أزمة حريات عامة، عبر استسهال استدعاء الناشطين والصحافيين على خلفيات آراء مكتوبة أو معلنة على الوسائل الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد عبَّرَ المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش، عن عمق الأزمة، بقوله "غالباً ما يكون تخويف الصحافيين واضطهادهم بسبب تعبيرهم عن آرائهم علامة على أنهم يتطرقون إلى أمر مهم. لن تنجح أبداً الجهود المبذولة لإسكات حرية التعبير من خلال التدابير الإدارية والمضايقات. وعادة ما تأتي بنتائج عكسية، لا سيما في وقت الأزمات". وهذا الكلام يدلّ على أن "أمراً مهماً" تخفيه السلطات عن شعبها، والآراء الشعبية تحاول كشف المستور. ويدل كذلك على عدم الثقة الدولية بالسلطات التي تخفي الحقائق عن شعبها.

وفي المقلب الآخر، ليس لدى الجهات الدولية من تتواصل معه سوى الجهات الرسمية، أي بمعنى آخر، التواصل مع القوى السياسية ذاتها المسبِّبة للأزمة. وهو ما عبَّرّ عنه كوبيتش، الذي أشار إلى أن على "صندوق النقد الدولي توفير المشورة والمساعدة للحكومة اللبنانية"، رابطاً نجاح الإجراءات الإنقاذية "بدعم القوى السياسية الممثلة في البرلمان". وبرأيه "هناك ستظهر مصالحها الحقيقية، وليس في التظاهرات الشعبوية أمام المصارف". علماً أن كوبيتش يعتبر أنه "حان الوقت كي تتخذ الحكومة إجراءات جريئة ومؤلمة لإنقاذ البلاد من الانهيار"، وأن "الشفافية الكاملة للجمهور ضرورية لشرح أسباب التدابير المتوقعة، بعد زيارة صندوق النقد الدولي".

إذاً، الازدواجية بين الحاجة الملحّة للإصلاح وعدم الثقة بالجهات الرسمية، تضع السلطة السياسية والجهات الدولية أمام المراقبة والمساءَلة لاحقاً. وبفعل التجربة، لا أمل في القوى السياسية اللبنانية. أما صندوق النقد الدولي، فتجاربه غير مشجّعة. والاضطرار لتعامل الصندوق مع أحزاب السلطة يعني أن الإصلاح بعيد المنال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها