الإثنين 2019/04/22

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

تقديمات وامتيازات القطاع العام: اللبناني يكدح وموظف الدولة يقبض!

الإثنين 2019/04/22
تقديمات وامتيازات القطاع العام: اللبناني يكدح وموظف الدولة يقبض!
موظفو القطاع العام يأخذون تقديمات مالية لا يحلم بها معظم اللبنانيين (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
يبلغ عدد العاملين في القطاع العام نحو 300 ألف لبناني، يشكّلون نسبة 25 في المئة من حجم اليد العاملة، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة ببعض الدول الأوروبية. وانطلاقاً من هذا العدد، يُصرَف 42 في المئة من قيمة الموازنة العامة التي تزيد بقليل عن 23 ألف و854 مليار ليرة، على الرواتب والأجور والمنافع وملحقاتها، وذلك استناداً الى أرقام معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، التابع لوزارة المالية. فيما يُصرَف 35 في المئة على دفع الفوائد ومنها خدمة الدين العام، 9 في المئة النفقات الاستثمارية، و14 في المئة على نفقات جارية أخرى.

تشجيع التعليم الخاص
ليس مستغرباً إحاطة الدولة لمواطنيها بقدر عالٍ من الاهتمام المتمثّل بالتقديمات والمساعدات، خصوصاً المتعلقة منها بالصحة والتعليم. لكن المستغرَب هو هدر المال العام على فئة غير منتجة اقتصادياً. وتزداد الغرابة مع إعلان النظام الاقتصادي اللبناني كنظام اقتصادي حر، وليس نظاماً اشتراكياً أو شيوعياً. وهذا الإعلان ليس تفصيلاً هامشياً، لأن شكل الاقتصاد يحدد موقف الدولة من القطاع العام ومؤسساته، فليس للقطاع العام أهمية فائقة في النظام الإقتصادي الرأسمالي.

كما أن إيلاء النظام الاشتراكي الأولوية للقطاع العام، فإن ذلك لا يعني بالضرورة إتخام القطاع بتوظيفات عشوائية، وهدر المال العام بحجة تأمين وظائف وتقديمات للمواطنين. فالنيّة الصادقة بالمساعدة تتجلّى بالتقديمات الاجتماعية، وبمجانية التعليم والطبابة، بشكل مباشر لكل المواطنين وليس لموظفي القطاع العام فقط.

تُعطي قيمة المنح الدراسية التي يتقاضاها موظفو القطاع العام لقاء تسجيل أولادهم في المدارس والجامعات الخاصة، صورة عن الهدر الفاضح. وصورة عن مكانة المؤسسات العامة بالنسبة للدولة وأحزاب السلطة. فالمستشفيات والمدارس والجامعات الحكومية لا تلقى مساعدات كافية من الدولة، ولا دعماً معنوياً عن طريق رفدها بأبناء الموظفين الحكوميين، كتعبير عن حاجة الدولة لمؤسساتها، وكدليل على جودتها وضرورة بقائها. وبدل إيلاء الاهتمام بالمؤسسات العامة، تدعم الدولة المدارس والجامعات الخاصة، عن طريق المنح التعليمية التي تعطيها لموظفيها، لتشجيعهم على تعليم أولادهم في المؤسسات الخاصة، وإبعادهم عن المؤسسات التعليمية العامة.

وفي السياق، تصرف الدولة نحو 430 مليار ليرة كمنح تعليمية لأبناء موظفيها. ويبلغ مجموع استفادة موظفي الجيش اللبناني 122.2 مليار ليرة، قوى الأمن الداخلي 62.5 مليار ليرة، الأمن العام 14.5 مليار ليرة، أمن الدولة 5.960 مليار ليرة، الجمارك 7.450 مليار ليرة. ويستفيد موظفو الدولة عبر تعاونية موظفي الدولة، بنحو 120 مليار ليرة، وعبر صناديق التعاضد بنحو 20 مليار ليرة. اما موظفو المؤسسات العامة والبلديات، فيستفيدون بمنح تعليمية يبلغ مجموعها 75 مليار ليرة.

ولتفصيل توزيع المنح التعليمية، يمكن الركون إلى المنح التي يتقاضاها الموظفون، عبر تعاونية موظفي الدولة. فموظف الدولة المنتسب إلى التعاونية، يتقاضى عن كل ولد في مرحلتي الروضة والإبتدائي، في التعليم الخاص غير المجاني، 57 في المئة من قيمة القسط الفعلي، وتبلغ قيمتها كحد أقصى 2 مليون و40 ألف ليرة. وفي التعليم الخاص المجاني والتعليم الرسمي، يتقاضى الموظف منحة مقطوعة تبلغ مليون و20 ألف ليرة. وترتفع قيمة المنحة في المرحلة الثانوية في التعليم الخاص النهاري، لتصل إلى 3 مليون و430 ألف ليرة كحد أقصى، فيما يأخد الموظف منحة مقطوعة عن ولده في التعليم الرسمي، بقيمة 2 مليون و20 ألف ليرة.

أما في المرحلة الجامعية، فطالب الجامعة اللبنانية يستفيد من منحة مقطوعة تبلغ 2 مليون و260 ألف ليرة، في حين تصل قيمة المنحة في الجامعات الخاصة إلى 6 مليون و760 ألف ليرة. وإذا أراد موظف القطاع العام إرسال أولاده لمتابعة التعليم في الخارج، فيستفيدون من منحة تبلغ الحد الأقصى للمنحة المعتمدة في لبنان.

الموظف لا يثق بالدولة
موظف القطاع العام نفسه، لا يثق بالدولة ولا يثق بالمؤسسة التي يعمل فيها. والمؤسسات التعليمية هي أوضح مثال على هذه الخلاصة. فمستوى التعليم الرسمي منخفض جداً مقارنة مع مستوى التعليم الخاص. ولا يعود ذلك إلى غياب الإمكانيات المادية المطلوبة لشراء وسائل الإيضاح وتجهيز المختبرات والمكاتب في المدارس والجامعات. ففي مقابل تحسين تلك الوسائل لعملية التعليم، تبقى الركيزة الأساسية لتلك العملية هي الأستاذ وإدارة المؤسسة. 

وبإختصار، إذا كان مستوى التعليم في المدارس الرسمية متدنياً، فذلك يعود إلى تدني مستوى الأساتذة والإدارة، وفي أحسن الأحوال، إلى الإهمال. وهذا يستوجب تفعيل الرقابة وتحميل المسؤوليات. اما إذا كانت الدولة ترى مؤسساتها التعليمية قادرة على منافسة المؤسسات الخاصة، فلماذا تدفع لموظفيها لقاء تعليم أولادهم في المؤسسات الخاصة؟

هذا النموذج يدل على عدم ثقة الموظف بمؤسسته. وفي حال العكس، لا يبقى من الخيارات إلاّ أن ما تدفعه الدولة كمنح، يدخل في إطار الهدر المقصود. الذي يضاف إلى ما تكسبه الجمعيات غير الدينية، تحت مسمى "مساعدة"، وتصل المكاسب سنوياً إلى نحو 15 مليار ليرة.. إلى جانب ما تكسبه الجمعيات الدينية من مبالغ تزيد عن 29 مليار ليرة للمؤسسات الدينية الإسلامية، وتزيد عن 4 مليار ليرة للمؤسسات المسيحية. والتفاوت يعود إلى تنوّع المؤسسات الدينية الإسلامية، حيث تملك الطائفة الواحدة أكثر من مؤسسة، تحت تسميات مختلفة.

وتبتعد ثقة الموظف بدولته ومؤسساته مع التمحيص في حقيقة الروابط والنقابات والاتحادات العمالية، التي تدّعي حماية الموظفين والعمال. وهي في الحقيقة لا تحمي سوى مصالح الزعامات السياسية وأرباب العمل. وقفز أحزاب السلطة فوق خلافاتها أثناء انتخابات تلك الروابط والنقابات، دليل على سيطرة الأحزاب وغياب صوت الموظفين والعمال. وعليه، فإن رفع صوت تلك الجهات اليوم لرفض المس برواتب الموظفين، هو صوت حق يراد به باطل.

الرواتب والأجور حق مقدّس
لا جدال في أن الرواتب والأجور حق مقدّس لكل الموظفين، في القطاعين العام والخاص. ولا جدال في حق الموظفين في سلسلة الرتب والرواتب وفي غلاء المعيشة وتصحيح الأجور، ذلك أن الحد الأدنى الرسمي للأجور، لا يتناسب مع حجم الغلاء المعيشي ومستوى الأسعار، ما يجعل القدرة الشرائية للرواتب متدنية جداً. 

لكن هذا الحق، لا يشرّع استفادة أصحاب الحق من امتيازات ترفع مستوى هدر المال العام، وتزيد من الفروقات بين أبناء اليد العاملة، في ظل تراجع مستوى التقديمات الاجتماعية والصحية والتعليمية الرسمية. ففي مقابل منح ومكاسب موظفي القطاع العام، فإن أغلب موظفي القطاع الخاص يتقاضون نحو 1000 دولار شهرياً، وفي أحسن الأحوال 1500 دولار، وبعضهم لا ينعم بالتغطية الصحية، لا عبر الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي ولا عبر وزارة الصحة. ومطلوب من هؤلاء الموظفين دفع إيجار المنزل وأقساط المدارس والجامعات وكلفة الطبابة والضرائب والكهرباء والمياه الرسمية والخاصة، هذا قبل تأمين الأكل والشرب، ودون إحتساب وجود قروض خاصة من مؤسسات التسليف الصغيرة.

إن طرح فكرة تخفيض الرواتب لموظفي القطاع العام هو محاولة ممّن يعرفون حقيقة القطاع العام، للجم الهدر الذين تسببوا به على مدى عقود. لكن عدم رغبة هؤلاء بالمس بالمكامن الرئيسية للهدر، دفعهم الى تبنّي الخيار الخاطىء. لكن في مطلق الأحوال، تصحّ الدعوة إلى تهدئة اللعبة، سواء للسياسيين او للموظفين وروابطهم. ففي لحظة الحسم، يصطف الموظفون خلف أحزابهم وزعاماتهم كي لا يخسروا المنح والتقديمات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها