الأربعاء 2018/10/31

آخر تحديث: 06:12 (بيروت)

زيارة أربعين الحسين... عادة يهودية باتت مورداً اقتصادياً

الأربعاء 2018/10/31
زيارة أربعين الحسين... عادة يهودية باتت مورداً اقتصادياً
تتداخل السياسة والاقتصاد والدين في مراسم زيارة أربعين الحسين (فايسبوك)
increase حجم الخط decrease
لا يتأخّر المؤمنون من المسلمين الشيعة حول العالم عن زيارة ضريح إمامهم الثالث الحسين بن علي، الذي قتل في العاشر من شهر محرّم سنة 61 للهجرة، في صحراء كربلاء (العراق حالياً) على يد جيش أمير الكوفة والبصرة حينها، عبيد الله بن زياد. وتلك الزيارة تُنظّم في ذكرى مرور 40 يوماً على مقتل الحسين، وتسمى زيارة الأربعين، وهي تلي إحياء ذكرى عاشوراء، أي الأيام العشرة التي تُحسَب منذ وصول الحسين الى كربلاء حتى لحظة مقتله في اليوم العاشر.

البعد الديني للزيارة تداخل مع مرور الوقت مع الجانب الاقتصادي، خصوصاً مع تشكيل الحدود السياسية والجغرافية المستقلة للدول الحديثة، ومع تطور وسائل النقل وظهور وسائل الرفاهية. فأصبح انتقال الشيعة من لبنان الى كربلاء، يستوجب حصولهم على تأشيرة دخول، فضلاً عن رسوم التنقّل داخل العراق، بالإضافة الى تكاليف شخصية يحددها الزائر.

تختلف تكلفة الزيارة من لبنان، بين اختيار الزائر السفر وحده الى العراق او السفر عبر إحدى الحملات التي ظهرت تباعاً، وهي عبارة عن أشخاص يملكون الخبرة ويسهّلون للزائر التنقّل بين مدن كربلاء والنجف والكاظمية، والحصول على غرف للنوم. فالسفر الإفرادي "فيه تكاليف ثابتة للشخص الواحد، عبارة عن تأشيرة سفر بقيمة 50 دولاراً، وتذكرة سفر بقيمة 450 دولاراً، أما كلفة النوم والأكل والشرب والتنقل، فقد تصل الى 500 دولار. وهذا ما يدفع البعض الى اخيار السفر مع إحدى الحملات، لأن الكلفة متقاربة، مع فارق في السعر لصالح الحملة، يصل الى 1500 دولار، مع امتياز ضمان مكان لائق للنوم، وخدمة للزائرين، ووجود قارئ للسيرة الحسينية طيلة فترة الرحلة"، وفق ما يقوله صاحب حملة الجوادين، حسين شرف الدين. الذي يشير في حديث الى "المدن"، الى أن "معدل الزوار من لبنان يراوح بين 25 و30 ألف زائر سنوياً، مسجّلين في قوائم شركات الطيران اللبنانية والعراقية". يضيف شرف الدين أن "نحو 40% من الزائرين اللبنانيين يعتمدون في تأمين أكلهم وشربهم في العراق على ما يقدّمه العراقيون من أطعمة وشراب مجاناً للزوار". وهذا ما يقلل نسبة الإنفاق.

يرفع مدير جمعية قبس لحفظ الآثار الدينية في لبنان، علي زريق، عدد الزوار اللبنانيين الى أربعين الحسين الى "نحو 50 ألف زائر"، فيما يُبقي خلال حديث مع "المدن"، حدود "كلفة السفر بين 500 و700 دولار للشخص الواحد". ويفضّل ان يعتمد الزوار في أكلهم وشربهم على "موائد الحسين التي تنصب على طول الطريق في كربلاء".

ويميّز زريق بين تكاليف وأجواء رحلة الحج الى مكّة في المملكة العربية السعودية، وبين زيارة الأربعين في العراق. "ففي الحج، بالكاد تجد مياهاً للشرب. وهناك يستغلّون أجرة السكن التي ترتفع في مكة والمدينة المنورة، (قياساً مع الكلفة في غير موسم الحج). كذلك ترتفع أسعار الثياب والتمر وما الى ذلك، في حين أن العراقيين يقدمون مجاناً كل ما يحتاج إليه الزائر". وبالنسبة إليه، فإن أهل مكة والمدينة "يعتبرون الحج موسماً اقتصادياً، وهو ما لا تجده في العراق في زيارة الأربعين".

وعلى الرغم من نفي زريق وجود مستغلّين لزيارة الأربعين وللمراسم الدينية الشيعية، تنتشر الأخبار في اوساط الشيعة اللبنانيين عن أشخاص سرقوا أموالاً بحجة حجز أماكن سفر لزيارة الأربعين. وآخر الأخبار تم تداولها يوم الإثنين 29 تشرين الأول، عن "اختلاس ج.ط مبلغ 120 ألف دولار من أشخاص كانوا يريدون الذهاب الى كربلاء". والحادثة هذه "تدل على استغلال البعض المناسبات الدينية لمراكمة أرباح خاصة. وهو ما نجده حتى في إحياء مراسم عاشوراء، حيث برزت فئة من رجال الدين وقرّاء العزاء، باتوا يعيشون على ما يدفعه الشيعة لقاء ما يعتبرونه إحياءً لذكرى الحسين، فيما الحقيقة هي تحوّل أغلب تلك المراسم الى إحياء للأموال في جيوب المنتفعين"، على حد تعبير أحد رجال الدين الشيعة، والذي يرى في حديث الى "المدن"، أن "غياب رقابة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بشأن من يحق له أن يصبح رجل دين ويمارس العمل الديني، ومن يحق له قيادة الزوّار الشيعة الى الأماكن المقدسة سواء أكان في العراق أو إيران، يؤدي الى بروز فئات منتفعة مما بات يسمى سياحة دينية، وذلك لتبرير الأرباح المادية، لأن السياحة عموماً تستدعي إنفاق الأموال. وعليه، بعض رجال الدين وأصحاب الحملات يراكمون عشرات آلاف الدولارات خلال شهر محرّم".

يغض الزوار الشيعة النظر عن الكلفة المادية للزيارة، والتي يقترضها البعض. لكن أغلب هؤلاء لا يعرفون أن هذه الزيارة ليست من الأدبيات الشيعية، وليست فريضة دينية، بل هي إمتداد للعادات اليهودية، وألبست لاحقاً ثوباً شيعياً. وهو ما يؤكده رجل الدين العراقي السيد كمال الحيدري الذي ينفي أن يكون أحد الأئمة الشيعة الذين أتوا بعد الحسين، قد أقام مثل هذه الشعائر.

وليس وارداً في تاريخ الشيعة زيارة ضريح الحسين في ذكرى الأربعين، أو حتى إحياء مراسم عاشوراء بالطريقة التي نراها حديثاً. ووفق المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله، "هناك حديث يقول إنه من علامات المؤمن التختّم باليمين والابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم، وصلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين. وبعض الناس فسّروا زيارة الأربعين أنها أربعون الإمام الحسين، فيما هي زيارة أربعين المؤمن (المتوفي)". يضيف فضل الله أن "المستحبّات هي زيارة (جبل) عرفة، عاشوراء، نصف شعبان، أما زيارة أربعين الحسين، ليس فيها استحباب، وإنما ليس فيها ضرر". ويرى أن "الزيارة الآن أصبحت روتيناً".

أما الإمام لسيد موسى الصدر، فلا ينهى عن زيارة الأربعين، وإنما ينهى عن المغالاة فيها، وصولاً الى اعتبار أنها أهم من الحج او زيارة عرفة، وهذه الخرافات برأيه "تمشي كالنار في الهشيم عند الشيعة". ويذكّر الصدر أن "في الحج هناك معصومين هم محمد والزهراء والحسن والحسين وزين العابدين والباقر والصادق، فكيف يمكن لزيارة الحسين أن تكون أهم من الحج؟. فكر بعقلك. هؤلاء يكذبون عليكم باسم الدين".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها