الأحد 2016/08/14

آخر تحديث: 17:45 (بيروت)

تركيا معادلة إقتصادية صعبة؟

تركيا معادلة إقتصادية صعبة؟
هناك مرحلة إقتصادية جديدة تتحضّر بين روسيا وتركيا (Getty)
increase حجم الخط decrease

إنها إنطلاقة جديدة للعلاقات الروسية– التركية، أسّست لها زيارة أردوغان إلى مدينة سان بطرسبورغ الروسية. واللافت أن الإهتمام التركي، يُقابله إهتمام روسي لا يقلّ أهمية. فهل تستطيع روسيا وتركيا تخطّي مشاكلهما الإقتصادية نتيجة هذا التعاون؟

إنها حكاية مصالح إقتصادية بإمتياز، بدأت مع التدخل الروسي العسكري في سوريا لمنع أنابيب الغاز القطرية من المرور عبر سوريا إلى تركيا وصولاً إلى أوروبا حيث كان الغاز القطري ينافس الغاز الروسي في سوقه الأساسية.

القصّة كانت لتكون سهلة لولا الموقف التركي المُعادي للنظام السوري والمؤيّد للفصائل المُسلّحة. وأتى إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا ليفتح مرحلة مواجهة إقتصادية واسعة بين البلدين، ضربت التبادل التجاري إلى أقصى الحدود حيث إنخفض من 295 مليار دولار قبل الأزمة، إلى أقل من 200 مليار دولار. وإذا كانت تركيا المُتضرّر الأساسي خصوصاً على صعيد إستيراد الغاز، والذي لم تستطع إيجاد بديل له، إلا أن روسيا الواقعة تحت ثقل العقوبات الغربية، خسرت ما يزيد عن 90 مليار دولار نتيجة العقوبات التي فرضتها على تركيا. من هنا نرى أن مصلحة روسيا توازي مصلحة تركيا. والجدير بالذكر أن روسيا تُصدّر إلى تركيا ما يوازي 287 مليار دولار مقابل إستيراد بقيمة 6 مليار دولار فقط.

إلى ذلك، تضررت المصالح الإقتصادية الروسية بشكل أساسي وخصوصاً الصناعة الغازية. وقد دشّنت روسيا العام الماضي مع تركيا خط الغاز البحري من روسيا إلى تركيا، ومن شأنه أن يُقلّل من تعلق روسيا بأوكرانيا في ما يخص بتصدير الغاز إلى أوروبا.

تركياً، تضرر الإقتصاد التركي بشكل هائل مع قسوة العقوبات التي فرضتها روسيا عليها، لكن الضرّر الأكبر آتى من سلسلة التفجيرات التي حصلت في تركيا ومن الإنقلاب الفاشل. هذا التوتر المُسلّح في تركيا ضرب قطاعين أساسيين للإقتصاد التركي: الأول السياحة ولتي خسرت كثيراً من السيولة (أكثر من 79%) مع تراجع عدد السياح الذين فضّلوا مناطق مثل البلقان. الثاني هو الإستثمارات الأجنبية المباشرة والتي كانت تزيد عن 20% من الناتج المحلّي الإجمالي. والملاحظ أن الدين العام التركي البالغ 449 مليار دولار أخذ بالتسارع مع إنخفاض المداخيل وتراجع سعر صرف الليرة التركية مما رفع ميكانيكيا الدين العام بـ 10% على الاقل.

القمّة الروسية التركية تناولت قبل كل شيء إعادة العلاقات الإقتصادية بين الدولتين إلى سابق عهدها، وخصوصا رفع الحظر الذي فرضه بوتين على تركيا عبر الطلب من مكاتب السفر وقف الخدمات السياحية إلى تركيا. فهذا الأمر حيوي لتركيا إذ يُشكّل الروس 12% من من مُجمّل السياح في تركيا.

وشملت المفاوضات إعادة تصدير الغاز الروسي إلى تركيا، التي وجدت صعوبات هائلة لإستبداله بالكلفة نفسها. وتُظهر التحاليل أن الاتفاق شمل تسريع العمل بمشروع خط الغاز البحري بين روسيا وتركيا، وذلك بهدف تصديره إلى جنوب أوروبا عبر بلغاريا. وتمّ الاتفاق على إعادة تصدير المواد الغذائية والآليات التي يحتاج إليها الإقتصاد التركي.

لكن الإستراتيجية الروسية تجاه تركيا تمتد أبعد من ذلك. فأولاً إستحصلت تركيا على تعهّد بمنع أي أنبوب غاز من الخليج العربي إلى أوروبا (وهذا حيوي بالنسبة إلى روسيا). تهدف روسيا إلى زعزعة مكانة تركيا في حلف شمال الأطلسي، عبر تعاون عسكري يُثير ريبة الحلف. من هذا المُنطلق تمّ الاتفاق على تزويد تركيا بأسلحة روسية. ما يخدم روسيا من ناحية مكانتها في الصناعات العسكرية إضافة إلى المردود المالي، ويخدم تركيا من ناحية أن تركيا ما بعد الإنقلاب أصبحت بحاجة ماسة إلى إعادة هيبتها العسكرية تجاه دول المنطقة، خصوصاً أن الرئيس التركي إستنتج أن الحلف لم يقف إلى جانبه خلال الإنقلاب الفاشل. والجدير بالذكر أن روسيا وتركيا إتفقتا في العام 2013 على وضع نظام دفاع صاروخي مُشترك. ما يعني أن هذا المشروع سيعود إلى الحياة. وقد يؤدّي إلى إبعاد تركيا من حلف شمال الأطلسي، كما هدّد وزير الخارجية الأميركية ولو من باب "قمع الحريّات".

من ناحية أخرى، ترى تركيا فرصة لها في تطوير صناعتها العسكرية عبر مشاريع مُشتركة بينها وبين روسيا، كصناعة طائرات تركية خاصة بها بواسطة التكنولوجيا الروسية. وهذا الأمر إذا ما حصل، يعني أن تركيا قد تشهد إكتفاءً ذاتياً قد يعفيها من فاتورة عسكرية عالية.

يبقى القول إن مجد تركيا الإقتصادي الحالي صنعته الإستثمارات الغربية، فهل يُمكن لروسيا التي ترزح تحت عبء عقوبات إقتصادية ومالية غربية، ولإيران التي لم تستطع حتى الساعة الخروج من كابوس العقوبات الغربية، أن تُنقّذ الاقتصاد التركي؟

الجواب ليس سهلاً، خصوصا أن تركيا تخوض علاقات صعبة مع أوروبا من جهة ومع الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. ما قد يكون له تداعيات أكبر من مما تتصوره تركيا. لكن مع كتلة غازية روسية وإسرائيلية ونفطية إيرانية، قد يكون من المُمكن أن السلطان يطمح بجعل تركيا محوراً للبترول في العالم ومعادلة إقتصادية صعبة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها