خيارات محدودة
من البديهي القول أنه في ظل ظروف سياسية وأمنية غير ثابتة، وفي ظل الشغور الرئاسي وما ينتج عنه من تعطيل في السلطتين التنفيذية والتشريعية، لن يكون هناك من تحسّن إقتصادي وبالتالي فإن المداخيل التي تعتمد على النشاط الإقتصادي (الضريبة على القيمة المضافة، ضريبة الدخل...) ستقل مع الوقت ومعها سيزداد العجز لأن وتيرة الإنفاق هي للارتفاع أكثر منها للتراجع.
وإذا كان كثيرون من المسؤولين يعقدون آمالاً على ملف النفط والغاز البحري والبرّي لتغطية العجز والسيطرة على خدمة الدين العام، إلا أن الإنقسام السياسي الحاد في لبنان سيمنع إقراره في المدى المنظور. وحتى لو تمّ إقراره فإن الفترة المطلوبة لبدء تسجيل مداخيل، تفوق 8 سنوات، ما يعني أنه على الوتيرة الحالية، سنشهد زيادة في الدين العام- أقلّه- بقيمة 30 مليار دولار.
مما تقدّم، نرى أن الخيارات أمام الحكومة ضئيلة، وبالتالي ستعمد إلى إختيار الأكثر شيوعاً ألا وهي خيارات صندوق النقد الدولي. هذه الخيارات تبقى الأقل شعبية من ناحية أنها تطال المواطن بالدرجة الأولى:
أولاً، رفع الضربية على القيمة المُضافة: هذه الضريبة أدخلت إلى الخزينة العامة 2.10 مليار دولار في العام 2015، في حين أن الحسابات التي قمنا بها تدلّ على أن الرقم يجب أن يكون 4.56 مليار دولار. ويعود الفرق في اعتقادنا إلى عدم فعّالية الجباية وعدم التصريح عن أسعار البضائع الحقيقة. وبالتالي، فإن الحكومة ستعمد إلى رفع نسبة الضريبة على القيمة المُضافة ما يسمح لها بزيادة مداخيل هذه الضريبة بقيمة 456 مليون دولار إذا ما تمّ رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة 1%، وبقيمة 911 مليون دولار لزيادة 2%، وبقيمة 1.367 مليار دولار لزيادة 3%، و1.823 مليار دولار لزيادة 4% و2.278 مليار دولار لزيادة 5%.
ثانياً، زيادة الضريبة على سعر صفيحة البنزين: مع 91 مليون صفيحة بنزين مُستهلكة سنوياً في لبنان، نرى أن زيادة مبلغ 2000 ليرة على صفيحة البنزين سيسمح بزيادة المداخيل بقيمة 121 مليون دولار، 3000 ليرة 182 مليون دولار، 4000 ليرة 243 مليون دولار، و5000 ليرة 303 مليون دولار. وقد تستفيد الحكومة من إنخفاض أسعار النفط العالمية للتخلّي الكلّي عن دعم المازوت الأحمر، ما يسمح لها بتوفير مبالغ إضافية.
ثالثاً، إقرار ضريبة على أرباح العمليات العقارية: وهذا الأمر سيواجه إعتراضاً كبيراً من جانب المواطنين وأصحاب رأس المال. وبحسب عدد سنين المفعول الرجعي حيث ارتفعت أسعار الشقق بنسبة 500% منذ العام 2005، قد تكون الفاتورة موجعة جداً للمواطن ذي الدخل المحدود.
للتذكير هذه الضريبة هي ضريبة على الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء، أي أن الشخص الذي لم يقم ببيع الشقة التي إشتراها، لا يستوجب هذه الضريبة.
رابعاً، سلسلة الرتب والرواتب: هذه السلسلة التي لن ترى النور في المدى القريب، ستنحصر على زيادة الأجر (غلاء المعيشة أقرّ ويُدفع) منذ اللحظة التي يتمّ فيها إقرار السلسلة وذلك من دون أي مفعول رجعي. والأمر لن يقتصر على هذا الإجراء بل سيواكبه وقف التوظيف في الدولة.
خامساً، تجميد معاشات التقاعد: إن كل متقاعد في الدولة سيتم تجميد معاشه التقاعدي، وحتى ولو كان هناك غلاء معيشة فلن يكون هناك من زيادة للمتقاعدين.
بالطبع، هذه اللائحة غير مُكتملة، فهناك فاتورة الكهرباء التي ستزيد، وكذلك الرسوم على المعاملات الإدارية... وغيرها من الرسوم والضرائب. وستترافق هذه الزيادات مع تراجع دعم الخدمات الصحية من إستشفاء وطبابة وتراجع دعم الخدمات الاجتماعية.
كل هذه الإجراءات ما هي إلا حصيلة عشرة أعوام من الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية، التي في اعتقادنا يجب حذفها من الدستور اللبناني لأنها السبب الأساسي الذي سمح للهدر والفساد بإيصال لبنان إلى ما هو عليه اليوم. فهل هناك من حلّ آخر؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها