السبت 2016/02/20

آخر تحديث: 08:15 (بيروت)

غياب مركز المعلوماتية الدوائية... مافيا وأزمة نظام

السبت 2016/02/20
غياب مركز المعلوماتية الدوائية... مافيا وأزمة نظام
إعادة إحياء "مركز المعلوماتية الدوائية" هو خطوة أساسية لمكافحة الفساد الصحي (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease


تأقلم المواطن مع حملة مكافحة الفساد في ملف الأغذية والدواء. فالحملة التي اطلقتها وزارة الصحة حملت الناس على التدقيق والإطلاع عن كثب داخل اروقة الملفات الغذائية والصحية، حتى وصل التفاعل مع هذه الحملة الى حد بات فيه كل مواطن مراقباً صحياً نصّب نفسه لمراقبة التعاونيات والمراكز الغذائية، والصيدليات ووصفات الأطباء، على الأقل لحماية نفسه وعائلته.

مع الوقت تراجعت حدة التفاعل، وتحولت حملة المكافحة الى أخبار عادية تحكي عن اقفال مركز صحي هنا، وتعاونية هناك، لتسوية اوضاعها، ثم تعود الى العمل بشكل طبيعي. لكن ماذا بعد؟. لم تتحول الحملة الى قضية تسير وفق آليات واضحة وبرنامج عمل استراتيجي، فهذه الخطوة تحتاج الى الذهاب أبعد من مراقبة صيدلية أو مخزن غذائي. والاستراتيجة هذه تعني وجود فريق سياسي يتكامل مع فريق قضائي لوضع المسار القانوني والسهر على حسن تطبيقه. أما بغير هذا الاسلوب، تبقى العملية "فلكلوراً" سينتهي بعد فترة، وفي أحسن الأحوال، يستمر بالسير خطوة خطوة، "في طريق من عشرات الكيلومترات"، وفق ما يقوله لـ "المدن" رئيس الهيئة الوطنية الصحية الإجتماعية اسماعيل سكرية، الذي يؤكد على ان ما يُطبق اليوم جيد، لكن طالما انه لم يصل الى مرحلة الغوص "في صلب السياسة الصحية"، تبقى القضية كمن يهتم "بديكورٍ في بناء متصدع".

على صعيد الملف الدوائي بشكل خاص، يمكن تسليط الضوء على نقطة انطلاق اساسية تصلح كبداية حقيقية للتغيير، اذا ما ارادت وزارة الصحة تحقيق انجازات ملموسة واستراتيجية، وهي إعادة إحياء "مركز المعلوماتية الدوائية" الذي تأسس في العام 1989، وتم تجهيزه بمكننة هي "الاولى في الدول العربية"، تحت اشراف منظمة الصحة العالمية. لكن المركز "خربوه" على حد تعبير سكرية، إذ إستعيض عن المركز بالعديد من اجهزة الكمبيوتر وبعض الدراسات. وقد أثار سكرية موضوع المركز الى جانب مواضيع تتعلق بالدواء والقطاع الصحي أمام مجلسي النواب والحكومة، لكن من دون جدوى.

إعادة الإعتبار لمركز المعلوماتية لا يمكن ان يتحقق في ظل قرار الحكومة المبطن، بعدم مأسسة الإصلاح. فحملة مكافحة الفساد، سواء عبر وزارات الصحة او المالية، او العمل، او اي وزارة أخرى، يسهل التحكم بها، ويسهل استغلالها، والأهم، يسهل إيقافها لأنها ليست مؤسسة لها هيكلية ونوع من الاستقلال الذاتي، على عكس التفتيش المركزي او النيابة العامة، فمهما بلغ حد الفساد وتغييب دور التفتيش المركزي، الا ان وجوده كمؤسسة، يبقي الباب مفتوحاً عليه، حتى من ناحية الإنتقاد، فالإنتقاد يعني التوجه الى جهة معروفة وواضحة المهام. وبالتالي فإن وجود مركز للمعلوماتية الدوائية، يعني توجيه الانتقاد او الثناء الى جهة محددة المهام وفريق العمل. والإبتعاد عن المأسسة هو الصيغة التي اعتمدتها السلطة السياسية في مرحلة ما بعد الحرب، لبناء الدولة على أساسها. فغياب المؤسسات، إما بحلّها او تهميشها، يساعد على التحكم بمفاصل الدولة وبخدماتها، لصالح القطاع الخاص، وتحديداً من يتخذ صفة "المافيا" المدعومة من السلطة السياسية. والترابط بين المافيا وداعميها في السلطة يعيد طرح السؤال الذي عنوَنَ به سكرية كتابه عن الدواء، والذي صدرت طبعته الاولى عام 2010، اما السؤال فهو "الدواء... مافيا أم أزمة نظام؟".

مسؤولية الدولة هي الركن الأساسي من أركان تحديد المسؤوليات، ومنها يبدأ البحث، خاصة وان "من يشرف على محاربة الفساد منذ سنوات، هو نفسه المشارك أو الداعم للكثير من الفاسدين"، على حد تعبير أحد الموظفين في وزارة الصحة، والذي يشير لـ "المدن" الى ان "المسألة لا تنحصر بما تقوم به وزارة الصحة، إذ حتى لو وضعنا حملة الوزارة جانباً، فإن المشكلة تبقى قائمة". وحول امكانية اعادة تفعيل مركز المعلوماتية الدوائية، يؤكد الموظف على ان "لا عائق مادياً او تقنياً امام هذه الخطوة، لأن الإمكانيات موجودة لتفعيل المركز ولتدعيم المختبر المركزي وللقيام بالكثير من الخطوات الاصلاحية في ملف الدواء والصحة، لكن المشكلة في القرار السياسي"، ويضيف "عاما بعد عام تتعقد الامور أكثر، لأن كل عهد من عهود الحكومات او الوزارات يخفي الكثير من الفساد، ويصبح الإصلاح أكثر تعقيداً لأن التستّر عن الفساد هو الشائع، وإعادة فتح الملفات بعد السكوت عنها، صعب جداً، لأن شبكة المصالح معقدة، وكشف ملف هنا، سيؤدي الى كشف ملف مقابل هناك، فتتعقد الامور أكثر، ويدخل العامل السياسي لضبط الوضع وإقفال كل الملفات".

لبنان قادر على دخول سوق تصنيع الأدوية، وليس فقط استحداث مركز او تأهيل مختبر. والتصنيع قد لا يضع لبنان في مصاف الدول المنافسة في مجال صناعة الادوية، لكنه على الاقل يعيد الاعتبار للصناعة الوطنية وللسوق المحلية. وهذه القدرة تعطي مثالاً واضحاً عن عدم رغبة الدولة بإصلاح قطاع الأدوية، فلا المختبرات والمراكز تستدعي الإهتمام، ولا التصنيع وارد، والمستفيد هو من يمسك قرار الإصلاح أو عدمه. وعليه، فإن ازمة الفساد والدواء والصحة، هي توليفة المافيا والنظام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها