الخميس 2015/11/05

آخر تحديث: 17:20 (بيروت)

بلحاج لـ"المدن": صدقية لبنان الدولية على المحك

الخميس 2015/11/05
بلحاج لـ"المدن": صدقية لبنان الدولية على المحك
"على لبنان استثمار الأزمة السورية للإقتراض الدولي" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

عندما تتحوّل الأزمة السياسية الداخلية الى أزمة ثقة دولية بلبنان وقدرته على إدارة شؤونه، والى شل الإقتصاد بشكل شبه تام، يصبح وصف السياسيين اللبنانيين بالمراهقين والمقامرين بمصير البلد أمراً مباحاً، وعندما تسحب إحدى أهم المؤسسات الدولية، وهي البنك الدولي يدها "من تحت بلاطة" لبنان، يصبح أمر تلقي مساعدات ودعم مالي دولي في مرتبة "المعجزات".

فأزمة المشاريع التي يساهم البنك الدولي بتمويلها، والتي ما زالت عالقة في أدراج مجلس النواب منذ بداية العام الماضي ولم يتم إقرارها، تجاوزت مخاطرها حد الإلغاء، ليصل الأمر الى عدم تمويل البنك لأي مشاريع جديدة في لبنان على المدى المنظور. والأخطر من ذلك هو تريّث بعض الدول في تقديم الدعم للبنان ومساعدته في مواجهة أزمة النازحين، لتزايد شكوكها بعدم قدرة حكومته على إدارة "المساعدات" المرجوة.
المشاريع الممولة من البنك الدولي وعلى رأسها سد بسري، قد لا تكون أكثر أهمية من انتخاب رئيس للجمهورية أو حل أزمة نفايات أودت بالبلد الى قاع الدول، إلا أنها وضعت مصداقية لبنان على المحك، وخفضت مستوى الثقة الدولية به، حتى بات توجّه الدول الى منح لبنان قروضاً "تيسيرية" ذات أولوية بدلاً من منحه مساعدات وهبات قد تضيع في زواريب السياسة اللبنانية.
لمعرفة تفاصيل الملفات العالقة بين البنك والحكومة اللبنانية، كانت هذه المقابلة مع المدير الإقليمي للبنك الدولي فريد بلحاج.

* ما هي القروض التي تربط لبنان بالبنك الدولي؟ وما هي قيمتها؟


الجزء الأكبر من القروض يتعلّق بسد بسري الذي أقر تمويله مباشرة من البنك الدولي بنحو 474 مليون دولار، الى جانب قرض من البنك الإسلامي للتنمية بنحو 184 مليون، إضافة الى مساهمة من الحكومة اللبنانية بنحو 15 مليون دولار، وهناك مشاريع أخرى مثل مشروع تنمية وتطوير وزارة المال، لاسيما في ما يخص الميزانية والتعامل مع الميزانية وقيمته نحو 6 ملايين دولار، ومشروع بيئي بنحو 15 مليون دولار، إضافة إلى مشاريع أخرى صغيرة، ويجب البت بها جميعاً قبل 31 كانون الأول المقبل.


* ماذا لو لم يقر مجلس النواب تلك المشاريع؟

بعيدا من الأهمية التنموية والبيئية لمشروع سد بسري وضرورة إنشائه لتأمين مياه الشرب لأكثر من مليون و600 ألف مواطن، فالأمر يتعلق بصدقية الحكومة اللبنانية، لاسيما أن البنك الدولي دخل للمرة الأولى في تمويل استملاكات، لأن الحكومة اللبنانية طلبت من البنك المساهمة في تمول الاستملاكات لعدم قدرتها على التمويل، وأنا عندما رفعت طلب تمويل هذا المشروع، وجهت اليّ العديد من الأسئلة من قبل مجلس ادارة البنك الدولي في ما يخص وضع لبنان بصفة عامة، والمشروع بصفة خاصة، وفي ما يخص تمويل استملاكات بشكل استثنائي، ولكن عندما نرى هذا المشروع عالقا في مجلس النواب دون الشروع في اقراره، فذلك يؤدي الى تراجع صدقية لبنان دولياً وانخفاض مستوى الثقة به، وليس بالنسبة الى البنك الدولي فحسب بل بالنسبة الى دول العالم أجمع. وهنا يصبح السؤال حول ضمانات التزام لبنان مشروعاً لدى أي طرف يمكن أن يتعاون مع لبنان أو يرتبط معه بقروض.

* كيف يمكن أن يترجم البنك الدولي تراجع ثقته بلبنان؟


صدقية لبنان باتت ترتبط في تنفيذ مشروع سد بسري والمشاريع الأخرى والمضي قدما في انجازها، فكلام البنك الدولي مؤخراّ جاء في سياق حث الشريك لشريكه وليس تحذيراً، ولكن تعليق المشاريع وعدم تمريرها قبل نهاية العام الجاري أي بعد مرور نحو عام على توقيع المشاريع مع البنك الدولي، يحتم علينا كبنك وقف المشاريع وإلغاء تمويلها وليس تعليقها فقط، ويتم آنذاك تحويل الأموال الى مشاريع أخرى ليس في لبنان بل في دول أخرى، لأن تعطيل هذه المشاريع يعني وقف كافة المشاريع المرتقبة، وبالتالي لا يمكن الدخول مجدداً في تمويلات جديدة.
في حال لم تمر هذه المشاريع فلن يدخل البنك الدولي في مشاريع مقبلة مع لبنان على المدى المنظور، ولن ندخل بتمويل مباشر لمشاريع في لبنان أيا تكن، وبذلك يكون لبنان قد ضيّع فرصة جديدة وأرسل رسالة واضحة الى المجتمع الدولي مفادها أنه لا يرغب، وليس بحاجة للتمويلات الدولية.


* كيف يساهم البنك الدولي في دعم لبنان لمواجهة أعباء اللاجئين السوريين، وآثار الأزمة السورية عموماً؟ 

هناك مساعدات يتم تقديمها للبنان على شكل هبات خاصة في نطاق الصندوق الائتماني الذي تم وضعه منذ سنتين والمتعلق بوقع تدفق اللاجئين السوريين على لبنان، وثمة 74 مليون دولار على ذمة لبنان. وقد ساهمت به العديد من الدول الأوروبية الى جانب البنك الدولي، مخصصين أموالاً لثلاثة مشاريع: الأول إعادة وتنمية طاقات البلديات لاسيما تلك التي تتعرض لضغط سكاني من قبل اللاجئين والثاني متعلق بوزارة التربية وآخر بوزارة الصحة.

* الخسائر الناجمة عن الأزمة السورية تتجاوز مليارات الدولارات والدولة اللبنانية ترفض الإقتراض لسد حاجات النازحين، وأنتم تتحدثون عن هبات لم تتجاوز 74 مليون دولار؟


نحن كبنك دولي نبذل أقصى جهودنا مع كافة دول العالم لتحصيل أكبر كم ممكن من التمويلات والهبات والقروض الميسرة وأكثر من الميسرة، إذ في حال عدم توفر الهبات فليس أمام لبنان سوى الحصول على قروض ولكن بطريقة ميسرة جداً.
عام 2013 قمنا بتقييم واقع الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني، ورأينا أن الخسائر بلغت 7.5 مليار دولار على مدى 3 سنوات، وذهبنا بالتقرير الى الأمم المتحدة ولم يحصل لبنان سوى على 74 مليون دولار فقط. امام هذا الواقع يصبح امام لبنان خيار آخر هو القبول بقروض تيسيرية والقيام بمشاريع تنموية للنهوض بالبلد وتأمين خدمات البنى التحتية لكافة سكان لبنان بمن فيهم المواطنون واللاجئون، لاسيما أن الخدمات كانت شبه غائبة قبل الأزمة السورية كالمياه والكهرباء والطرقات والإنترنت وغيرها، وهذه تكون فرصة للإقتراض بطريقة ميسرة لإنجاز البنى التحتية التي سيستفيد منها لبنان حتى بعد عودة اللاجئين الى بلادهم، وهذا ما نراه نحن استثمارا وفرصة للبنان للاستفادة من الأزمة السورية.
وهنا يصبح الإقتراض ليس للاجئين، ولكن للقيام بمشاريع يستفيد منها الطرفان وتستمر الدولة اللبنانية بالاستفادة منها على المدى البعيد.

* أليس من الأنجع دولياً تعزيز الهبات والمساعدات للبنان درءا لتوجه النازحين الى الدول الأوروبية؟


نعم ولكن منذ 3 سنوات ونصف السنة ونحن نحذر الدول الأوروبية وكافة دول العالم من تزايد أزمة النازحين في لبنان، وقلنا انه بات مهدداً بانفجار سكاني واجتماعي وسياسي واقتصادي وكانت الاستجابة الدولية آنذاك خجولة جداً وغير كافية، إنما اليوم بعد توجه ضغط اللاجئين الى اوروبا ثمة رغبة وديناميكية أخرى بالتعاطي الدولي مع الموضوع وبات الإستعداد الدولي لمساعدة لبنان وغيره من الدول المضيفة للنازحين أكبر من السنوات السابقة، إلا أن المشكلة هنا تقع في طرح إشكالية إذا كان لبنان مستعداً لاستيعاب تلك المساعدات والمنح، وهل لبنان على المستوى المؤسساتي قادر أن يعطي الثقة للدول المانحة بقبول تمويل مشاريع ودعم مالي.
وهنا لا بد من العودة الى المشاريع الممولة من البنك الدولي فالثقة تبدأ من تمريرها وإقرارها لإثبات لبنان قدرته على استيعاب القروض وترجمتها في مشاريع ناجعة، وربما يشجع ذلك الدول على تقديم هبات وقروض تيسيرية للبنان.
هنك تعاطف كبير جداً مع لبنان ولكن هناك أزمة ثقة بقدرة لبنان على إدارة شؤونه، على الرغم من الحجم الكبير لطاقته البشرية وحسن تجاوزه الأزمات وإصراره على التميز بين دول المنطقة، يبقى هناك مآخذ على لبنان حول تضييعه الفرص وهدره لها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها