الخميس 2014/11/20

آخر تحديث: 11:57 (بيروت)

مثقّفو تونس والانتخابات الرئاسية: "هبّوا يا أنصار إيروس!"

الخميس 2014/11/20
مثقّفو تونس والانتخابات الرئاسية: "هبّوا يا أنصار إيروس!"
قيل أن المواطن العادي أشدّ إصراراً من المثقف على التغيير الاجتماعي والسياسي (غيتي)
increase حجم الخط decrease

اُتُّهمَ المثقّفون التونسيّون بتخلّيهم عن أدوارهم التاريخية خلال ثورة 14 كانون الثاني 2011؛ إذْ وُصِفوا بكونهم اكتفوا فيها بالوقوف على الربوة يُشاهدون أحداثها التي كشفت أن المواطن العادي أكثر ثورية وجرأة من المثقّف وأشدّ إصراراً منه على التغيير الاجتماعي والسياسي. بل إن كثرة من هؤلاء وردت أسماؤهم في "الكتاب الأسود" الذي نشرته مؤسّسة رئاسة الجمهورية باعتبارهم من خدم سياسة الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، ومن زبانية دكتاتوريته، حتى ارتسمت لهم في أذهان الناس صورة ظلّوا فيها تابعين للحاكم وماسحين لنِعَاله. وقد حفزت حُمّى الانتخابات الرئاسية التونسية التي ستُجرى الأحد 23 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، نخبة من هؤلاء على الإدلاء بآرائهم في بعض المرشّحين، وهي آراء فايسبوكية وقفنا فيها على تمسّك المثقّف التونسي بمَدَنية الدولة ورفضه لكلّ أشكال الإسلام السياسي، تمسّكاً لاذ فيه بمقولات ميثيولوجية وسوسيولوجية ونفسية وأدبية... أحياناً لتبرير ما لا يُبرَّر.

من ذلك أنه لما أُثيرت مسألة شيخوخة المرشّح الرئاسي، الباجي قائد السبسي (87 عاماً)، والشكّ في عدم قدرته على تسيير أمور قصر قرطاج، كتبت الباحثة ألفة يوسف تعليقاً تمتدح فيه الشيخوخة بكلّ سخاء معرفي فقالت: "بعيداً من السياسة الضيقة، وفي الفكري العام: الهجوم على السبسي بسبب كبر سنه، تعبير عن ظاهرة موجودة في المجتمعات الغربية الاستهلاكية، وبدأت تأخذ طريقاً إلى بلدان أخرى. هذه الظاهرة هي "الشبابوية" le jeunisme. وهي إعلاء من شأن الشباب وما يتصل به واستهجان لكل ما يحيل على كبر السن. ومن أمثلة ذلك في الغرب عسر الحصول على عمل جديد بالنسبة إلى أشخاص في الأربعين من العمر وأكثر، ومن ذلك نفاق سوق جراحة التجميل والسعي المحموم إلى الظهور في مظهر الشاب بصبغ الشعر والحقن ضد التجاعيد، ومن ذلك إيداع الكثير من المسنين في مراكز مخصوصة الخ... وسبب هذه الظاهرة أن المجتمع الاستهلاكي مادي يتعامل مع الإنسان نفسه تعامله مع السلعة، ومثلما أن للسلعة تاريخ انتهاء صلاحية، فكذا للإنسان، ومن جهة أخرى، فإن الشيخوخة تذكِّر بالموت في مجتمعات أصبحت تبذل كل الجهد لكي ينسى الناس الموت ويتجاهلوه. طبعاً، من نتائج هذه التمثلات الاستهلاكية تفشي الأمراض النفسية والاكتئاب والقلق الخ، لأن الموت آت لا محالة، وكبر السن نتيجة حتمية للوجود البيولوجي الحي، ونفيهما ليس إلا مقاومة فاشلة لما لا يمكن مقاومته... في مقابل ذلك، بعيداً، في البلدان الإفريقية يحترم الناس شيوخهم ويعتبرون أن موت شيخ بمثابة حرق مكتبة. وبعيداً، بعيداً، عندما كان الإسلام أخلاقاً وروحانيات، لا سلعة سياسية، كان يقال: ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا... ربي يهدي...".

واتكأت الجامعية والروائية، آمنة الرميلي، على شعار حملة المنصف المرزوقي الرئاسية "ننتصر... أو ننتصر"، لتبحث في تراجيديته وحتمية انتهاء صاحبه إلى الهزيمة قائلة: "لا يتصوّر أحد أنّ المرشّحين للرّئاسة اليوم في تونس ليسوا أبطالا تراجيديين، إن لم يكونوا غاطسين تماما في لحظة مأساويّة، فشيء منهم ـ مهما يكن قليلًا ـ غاطس في مأساويّة لحظتهم هذه. ويتأتّى كونهم أبطالاً تراجيديين من عنف الرّهان الذي يخوضونه في اتّجاه نقطة واحدة وحيدة جاذبة لقلوبهم وأرواحهم وأجسادهم، هي الوصول إلى آخر الطريق، ومن وعيهم المسبق بأنّ نهاية الطّريق هذه هي "نهايتهم" وأنّ خطواتهم تقودهم حتماً إلى مصير محتوم قوامه تلك المعادلة التراجيدية الشكسبيرية المعروفة "أكون أو لا أكون"! في منتهى الطريق تكشف الحقيقة عن وجهها "البشع" ممثّلاً في "الهزيمة" سيّدة النّهايات، لمرشّحي الرّئاسة في تونس بما أنّ احتمال "النصر" ضئيل، والقَدَر في وضعيّة مكر قاتل حيث يمدّ لهم كفّه بسبعة وعشرين قطعة متشابهة ليس فيها غير واحدة صالحة والباقي زيف في زيف. يتقدّم المرشّحون الرّئاسيون، يقارعون القدر الماكر، يطمعون في السّراب الخلّب وهو يأخذهم عبر خطّهم التراجيدي، يصاعدون فيه بلا توقّف، يشحذون طاقاتهم، يقدحون ذكاءهم، يسفحون دماءهم على طريق "المجد"، لا يلوون على شكّ أو تعب أو إحباط، ينخرطون في حركة الصراع المأساوي الرّهيب، يصدّق كلّ واحد فيهم أنّه الأولى بالوصول إلى "القمّة" حيث يواجه عينيْ القدر المفتوحتين عن آخرهما في عينيه، يقول له القدر في صمت: إنّك لمهزوم، ويصرخ هو في وجهه: إنّي لمنتصر!.. على قمّة الخطّ التراجيدي تكون القوى المناوئة للبطل التراجيدي ـ المرشّح الرّئاسي في هذه الوضعية! في أوج توثّبها للانقضاض عليه ودحرجته نحو الهاوية، ويكون البطل في أوج عناده المأساوي وإيمانه بالانتصار عليها، على رأس القمّة المثلّثة المدبّبة يطلق البطل التراجيدي أقصى ما يمتلك من عنفوان، يملأ الكون بالصراخ، يقضّ مضاجع الآلهة، يلوّح بيديه ورأسه وحنجرته في وجه القدر، يصرّ على البقاء في القمّة، يعدّ نفسه للعبور من بوّابة النّصر، يبتسم القدر ساخراً، يشير بإصبعه الجبّارة إلى السّماء: باب واحد من هذه الأبواب السبعة والعشرين قابل للاختراق وبقيّة الأبواب مغلقة.. يرتجف البطل التراجيدي وهو يتابع الإصبع الجبّارة تشير إلى الهاوية: وهنا مثوى من سدّت في وجوههم الأبواب..!".

وقد شكّك الشاعر، أولاد أحمد، في سلامة عقل المرشّح الرئاسي المنصف المرزوقي المدعوم من السلفيّين وقواعد حركة النهضة، حيث كتب تعليقاً جاء فيه: "مرّت على المنصف المرزوقي، الرئيس المؤقت لتونس الموقوتة، ثلاث سنوات وبعض السنة، وهو لا يزال يناضل من أجل أن يغادر زين العابدين بن علي أروقة قصر قرطاج. وكأن الثورة لم تقع أصلاً! إذا لم يكن هذا السلوك مرضاً مستعصياً، فإن سيغموند فرويد يكون قد فقد وجاهة اكتشافه لعلم النفس التحليلي"، وأضاف: "منصف المرزوقي: مرشح ضدّ تونس".

أما الكاتبة رجاء بن سلامة فقد اختارت "المرزوقي: مرشّح تانتوس، إله الموت" عنواناً لبوستر، أشارت فيه إلى أن منصف المرزوقي هو "مرشّح السلفية وحزب التّحرير وروابط حماية الثّورة والنّهضويّين المتمسّكين بالعنف الثّوريّ أو الجهاديّ، ومرشّح المنقّبات الكارهات لأجسادهنّ أو الغارقات في بحر النّرجسيّة بنكهة وهّابيّة. أدعو محبّي الحياة، وأنصار إيروس إلى عدم التّصويت إليه".

ولعلّ في مواقف هؤلاء المثقّفين، من مرشّحي الانتخابات الرئاسية، وإن وجدنا فيها كثيراً من المبالغة ولَيِّ أعناق الواقع صوب هذا المرشّح أو ذاك.. لعل في مواقفهم ما يشي برغبة المثقّف في الخروج من خانة الصمت والمشاركة بفاعلية في المسار الديموقراطي الذي تعيشه تونس.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها