الثلاثاء 2024/06/11

آخر تحديث: 13:03 (بيروت)

سياسة القوة لمارتن وايت

الثلاثاء 2024/06/11
سياسة القوة لمارتن وايت
increase حجم الخط decrease
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة "ترجمان"، كتاب سياسة القوة Power Politics، للمؤلف مارتن وايت، حرر الكتاب هدلي بُل وكارستن هولبراد، وأضافا إليه مادة غزيرة.

تتركز فصول سياسة القوة الأربعة والعشرون على بحث ظاهرتَي القوة والسياسة الدولية وتأثيرهما في التاريخ الوسيط والحديث، وهو موضوعٌ مهم؛ إذ يخوض في الجدل الفكري بين مدارس السياسة الغربية: الواقعية والطوباوية والليبرالية والماركسية والإبستيمولوجية والإنكليزية، ولذلك ارتأى المركز العربي للأبحاث ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية وتقديمه إلى القراء العرب المهتمين بشؤون السياسة الدولية، وخصوصًا الطلاب والمدرّسين والباحثين. وقد ترجمه المترجم الأردني الراحل عمر سليم التل، الذي وافته المنية قبل صدور الكتاب، وقد اعتنى بمراجعتها أيّما عناية، وأفرد لها ثبتًا تعريفيًّا بالأعلام والأماكن والمصطلحات، ومسردًا للمصطلحات. يقع الكتاب في 400 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.

أصلُ كتاب سياسة القوة هو كتيبٌ من ثمانٍ وستين صفحة لمارتن وايت، نشرته الجمعية الملكية للشؤون الدولية Royal Institute of International Affairs, RIIAفي العام 1946، وهو إحدى كرّاساته المنشورة بعنوان التطلع إلى الأمام Looking Forward، فأحدث تأثيرًا بارزًا في طلاب العلاقات الدولية وباحثيها لأجيال؛ ما دفع مؤلفها إلى الشروع في محاولةٍ لم تكتمل لتطويرها، فقد وافته المنية قبيل استكمال ذلك، فتسلّم المهمة تلميذاه بُل وهولبراد، فعملا على تنقيح فصول المسوّدة التي خلَّفها وايت، وأضافا إليها فصولًا، كفصل الكتاب الثالث عشر المعنون "الحرب"، وهو نسخة مع تغييرات تحريرية طفيفة لمحاضرة قدّمها المؤلف في البرنامج الثالث لهيئة الإذاعة البريطانية BBC في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1955، وكانت بعنوان "الحرب والسياسة الدولية"، والفصل العشرين المعنون "هيئة الأمم المتحدة"، الذي اشتمل على مسوّدة المؤلف ومقتطفات محرَّرة من محاضرة ألقاها عام 1956 في معهد الشؤون العالمية Institute of World Affairs في باسادينا بكاليفورنيا، وكانت بعنوان "صراع القوة في داخل هيئة الأمم المتحدة"، وغيرهما، وصدرت جميعها في عام 1978 في النسخة الإنكليزية من الكتاب الذي بين أيدينا بالعنوان نفسه الذي وضعه وايت، فلقي ردّ فعل منقطع النظير من القراء، ورواجًا كبيرًا، ونفادًا سريعًا من الأسواق، وأصبح منذ ذلك الحين نصًّا رئيسًا لدى طلاب الدرجة الجامعية الأولى وطلاب الدراسات العليا على حدٍّ سواء. تضم هذه النسخة الجديدة، إضافة إلى مسوّدات وايت، مناقشة المحررَين، وهما من أبرز مُنظِّري العلاقات الدولية، مضمونَ الكتاب وطروحاته ومشكلاته، وذلك في مقدمتهما الغنية.

أهمية الكتاب للقرّاء العرب
إن أهمَّ ما يقدّمه الكتاب للقرّاء العرب المهتمين بالسياسة الدولية، طلابًا وباحثين، تعريفهم بالمنحى السياسي للكاتب وايت، فمع ما يوحيه عنوان سياسة القوة للوهلة الأولى من انتمائه إلى المدرسة الواقعية في حقل العلاقات الدولية، إلا أن الحقيقة أن الكاتب لم يكن يصف نفسه بالواقعي، بالرغم مما كان يُكنّه من إعجاب بالواقعي البريطاني إدوارد كار Eduard Carrوكتابه المرجعي أزمة الأعوام العشرين The Twenty Years' Crisis، كما لم يكن يقدِّم مواقفه بديلًا من الطوباوية السياسية التي تطورت لاحقًا إلى الليبرالية، إضافة إلى عدم لجوئه كثيرًا إلى التحليل الماركسي، ومن ثم فهو لم يكن حبيس أيٍّ من زوايا النقاش البين-بردايمي Inter-paradigm debate لرواية تاريخ العلاقات الدولية السائدة الذي انتظمت حوله نظريات الواقعية والليبرالية والماركسية، فخرج كتابه هذا مختلفًا عن الأعمال الواقعية في عصره، ككتب السياسة بين الأممPolitics Among Nations لـ هانز مورغنتاو Hans Morgenthau؛ والدبلوماسية الأميركيةAmerican Diplomacy لـ جورج كينان George Kennan؛ وكتاب إدوارد كار السالف الذكر وغيرها، وبات يصنَّف ضمن ما عُرف وقتها بـ "المدرسة الإنكليزية"، التي غايرت التيار الواقعي وعُرفت بالتزام المسائل التاريخية المعيارية، كالدفاع عن فضائل التاريخ والقانون والفلسفة ... وغيرها، والتي خاض روّادها (أمثال وايت وبُل وجون فينسنت John Vincent الذين صُنّفوا ضمن "التقليديين"Traditionalists ) النقاشات الكبرى Great Debates مع السلوكيين/ العلمويينBehavioralists/ Scienticists ، خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية. وأسفرت هذه النقاشات لاحقًا عن مقاربة الواقعيين اللاتاريخية للنظام الدولي انطلاقًا من الأدوات المنهجية للثورة السلوكية، في مقابل مقاربة المجتمع الدولي الاجتماعية الرافضة تجريد الحقل من التأملات التاريخية المعيارية؛ ما يضيف إلى نقاشهم النظري المنهجي جانبًا إبستيمولوجيًّا. أما الحقبة التي أعقبت نقاشهم فهيمنت عليها الوضعية Positivism، وأُسكت صوت المدرسة الإنكليزية اللاوضعية، لحمل أكثر الباحثين آنذاك لواء الثورة السلوكية. وقد تأكدت حجتهم اليوم ببروز تحديات لتفسير الواقعية تغيُّرَ بنية النظام الدولي، ودعوتها لتطبيق مقاربة نظمية Systemicلاتاريخية Ahistoricعلى هذا النظام بغض النظر عن بعده التاريخي المتعلق بنظام "المدينة-الدولة"، أو النظام الأوروبي في القرون الوسطى، أو النظام الدولي خلال الحرب الباردة، كالمقايسة، مثلًا، التي يجريها الواقعيون بين صعود أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد وصعود الصين في القرن الحادي والعشرين، وبين نظام "المدينة - الدولة" آنذاك والنظام الدولي المعقد اليوم، أو حتى بين صعود الصين وصعود ألمانيا، متجاهلين حساسية الديناميات الدولية للتغير.

نبّه محرِّرا سياسة القوة في مقدمتهما قرّاءَ الطبعة الجديدة إلى ضرورة الرجوع مع شروعهم في قراءتها إلى مصادر أخرى؛ إذ إن هناك قضايا لا تتناولها ومسائل لا تجيب عنها، بالرغم من كونها مرجعيةً ثابتة لهم، والأهم تركيز الكتاب على أنماط الاستمرارية لا التغير؛ ما يجدد قيمته المعرفية مع تحولات شهدتها أو قد تشهدها بنية النظام الدولي. ولم يكن القصد منه أن يكون دليلًا على أحداث العالم المعاصر، مع أن بعض فصوله ("هيئة الأمم المتحدة" و"سباق التسلح" و"الحد من التسلح" تحديدًا) تقدِّم وصفًا تحليليًّا لتطوراتٍ حديثة العهد. ولرغبة المحررَين في التقيد بمبدأ الامتناع عن ضمّ أيِّ شيء لم يكتبه المؤلف إلى النص، فقد أضافا ملاحظات تحريرية في نهاية الفصول المعنية، ونقّحا المخطوطات التي خلّفها وايت، لكن موت بُل خلال العمل في عام 1985 حمّل هولبراد مسؤولية متابعة عملية التحديث، فقام به خيرَ قيام.

اشتملت النسخة الأولى من الكتاب على خمسة عشر فصلًا، نقَّح المحرران ثلاثة عشر منها ما عدا واحدًا (هو الأخير المعنون "ما بعد سياسة القوة")، وزادا عشرة فصول جديدة كليًّا، فصدرت النسخة الثانية بأربعة وعشرين فصلًا، أما الفصل الثالث عشر الذي لم يكن سوى مسوّدة مجزّأة، فاستبدل المحرران به نسخةً من حديث المؤلف إلى BBC.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها