الإثنين 2024/06/10

آخر تحديث: 10:32 (بيروت)

بورتريه الملك تشارلز الثالث بين التقليدية والحداثة

الإثنين 2024/06/10
بورتريه الملك تشارلز الثالث بين التقليدية والحداثة
جوناثان يو أمام صورة تشارلز الثالث في 14 مايو في قصر باكنغهام. آرون تشاون / أ ف ب
increase حجم الخط decrease
 
بورتريه الملك البريطاني تشارلز الثالث، يثير الانقسام من حوله. موقفان متضاربان بين الرفض والاستحسان. والسبب الرئيسي هو الجرأة في كسر الرسام، الذي أنجز العمل جوناثان يو، للنمط السائد في البورتريهات الكلاسيكية. ويشمل ذلك في المقام الأول اللون، حيث يظهر الملك باللون الأحمر الفاتح، على غير ما هو دارج في رسم البورتريهات الأخرى مثل الأزرق والأسود وحتى الأحمر، وكلها ألوان قوية، صارمة، حارة متوهجة. ردود الفعل بعضها إيجابي يرى أن البورتريه مبتكر، ويقدم الشخصية الملكية بوجه جديد، ومن نفس المنطلق جاء الرأي الآخر الذي انتقد الخروج عن النمط الكلاسيكي. وعلى نفس المنوال، أحب البعض اللون، ورأى فيه آخرون نوعاً من الميوعة اللونية.

واللافت أن الملك تشارلز أزاح الستار عن اللوحة في الرابع عشر من الشهر من الماضي، وكان السرور باد عليه، وهو يشكر الفنان. وقال إنه سيتم عرضها في قصر "درابرز" في  لندن اعتباراً من نهاية آب المقبل. وحسب ما نشرته وسائل الإعلام البريطانية من تسريبات، فإن الملك لم يستحسن اللوحة حين شاهدها للمرة الأولى، ولكن انتهى به الأمر للإعجاب بها، ووصفها بالرائعة.

 تقوم وجهة نظر الرسام على أنه اختار هذا اللون، كي يسمح للناظر بالارتباط بتشارلز كشخص، بدلاً من صرف انتباهه إلى أوسمته وشعاراته. وقال كان هدفي أيضاً الإشارة إلى تقاليد لوحات البورتريه الملكية "لكن بطريقة تعكس الملكية في القرن الـ21، وقبل كل شيء نقل المعاني الإنسانية العميقة التي يتمتع بها صاحبها".

ويعبر قبول تشارلز للوحة، عن عكس ما تم تصوير الملك عن أنه تقليدي في ميوله الثقافية، بسبب حبه المعروف للعمارة الكلاسيكية، وتردده الدائم على دار الأوبرا، وإطلاق مشروعات باسمه، مثل مدرسة للفنون وأكاديمية للحِرف التراثية، لكنه منفتح فنياً، ويولي الرسم اهتماماً خاصاً. وإذا كانت والدة الملك الملكة إليزابيث الثانية، التي توفيت عام 2022، أكثر اهتماماً بسباق الخيل، فإن افتتان نجلها تشارلز بالفنون والترفيه، يعكس الحضور، الذي عرفته لدى العديد من الملوك الأوائل. وبدأت عادة رسم البورتريهات الملكية في بريطانيا في العصور الوسطى، مع أقدم بورتريه ملكي بريطاني مسجل هو للملك هنري السادس، الذي رسم في القرن الـ15 بواسطة الفنان الإنجليزي هانز هولبين.

ومن المعروف أن الملك تشارلز لم يتلق أي تعليم فني، فإنه علًم نفسه الرسم بالألوان المائية، ولديه لوحات تصور مشاهد ريفية ومساكن ملكية معروضة في أحد منازله في "ساندرينغهام هاوس" مقاطعة نورفولك، وقد طلب من فنانين مرافقته في جولات خارجية، وطلب منهم أن يرسموا كل ما يحبه.

اللون الأحمر الفاتح القريب من الوردي، يعبر عن الفرح والبهجة والحيوية والتفتح والشباب، وعلى الأرجح، تكمن هنا النظرة التي نفرت من البورتية ولم ترتح له. والسبب في ذلك هو صورة الملك في المخيال العام، يجب أن يظهر في لون يبقي على الحاجز بينه وبينه وبين الناس، وكما هو معروف تم في الفن، استخدام اللون الوردي أحيانًا للسيد المسيح، بسبب ارتباطه بالرحمة والبراءة. وبقي لفترة طويلة يعتبر لونًا رجوليًا، وخاصةً بالنسبة لملابس الأولاد الصغار، لكنه أصبح مرتبطًا بالأنوثة ببطء أكثر فأكثر منذ الأربعينيات. كما تم طلاء إلهة الألفة والحب الرومانية فينوس باللون الوردي. وبات متعارفا عليه في العقدين الماضيين كلون للطف والمرح والوعي والنشاط لأسباب محددة، بما في ذلك سرطان الثدي وحقوق المرأة والمثلية، والشعور بالرومانسية والحب. لكنه بالنسبة للبعض يعطي انطباعاً خادعاً للشعور بالبراءة. وكما هو معروف فإن لكل لون أكثر من وجه، وتصل الحدود إلى التناقض والتضارب، ومثال ذلك اللون الأسود الذي يرمز للقوة والسلطة، وهذا ما يفسر اختياره في معظم الملابس الرسمية، وغالباً ما يُنظر إليه على أنه لون الأناقة، وفي نظرة أخرى يعطي الشعور بالفخامة والغموض والثروة. وفيما يتعلق بالمشاعر، غالبًا ما يُنظر إلى اللون الأسود على أنه لون سلبي، يمثل الشر والظلام. لذلك يمكن استخدامه لخلق مشاعر الخوف والوحدة واليأس والموت.

على العموم، تخلق الألوان الزاهية والمبهجة مثل الوردي والأصفر والبرتقالي شعوراً بالسعادة والبهجة، على عكس الألوان الداكنة مثل الأسود والرمادي، التي يخلق شعوراً بالحزن أو الخسارة، وعادة ما يتم مزج الألوان لتوليد مزاج محدد كالغموض والسحر، الذي يولده مزج الأحمر والوردي، أو إحساس بالبهجة والهدوء من مزج الأزرق والأخضر. ومن دون شك، فإن الفنان المتخصص بالبورتريه المعاصر، ساعدته شخصية الملك المنفتحة على رؤيته بهذا اللون الزاهي بالفرح، وهنا يتجلى الخلاف في زاوية النظر بين فنان معاصر وتقليدي، عندما يجري كسر القاعدة السائدة. وتبقى رؤية الفنان للموضوع، هي التي تحدد على نحو يتجاوز التصنيف وفق المسطرة التقليدية. وبالتالي هناك مجال مفتوح لرؤية الموضوع من زوايا مختلفة، وهذا ما برعت فيه المدرسة الانطباعية. هناك أكثر من رسام تناول الطبيعة، من الزاوية التي تخصه. وتوارث الرسامون هذه النظرة من مؤسس المدرسة الانطباعية الفرنسي كلود مونيه، الذي عبّر في أعماله عن التقاط جوهر عالم الطبيعة، مستخدماً ألواناً صافية، ولمسات فرشاة جريئة وقصيرة. وحاول أن يتجاوز نقل إنطباع الفنان عن المنظر المشاهد بعيداً عن الدقّة والتفاصيل. كذلك، كانت مشاهد الصناعة حاضرة في أعمال مونيه، فجاءت الأشكال في لوحاته أكثر معاصرة. الانطباعية هي التي بشرت بالحداثة. وهذا معنى الرسالة التي أوصلها رسام بورتريه الملك البريطاني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها