السبت 2024/04/06

آخر تحديث: 12:07 (بيروت)

"قندلفت يصعد الى السماء"... احتفال الموت والضحك

السبت 2024/04/06
increase حجم الخط decrease
العرض الاستعادي الأخير كتحية إلى المسرحي ريمون جبارة، يعرض على خشبة مسرح "مونو": "قندلفت يصعد الى السماء" من إخراج رفعت طربيه وتمثيل يارا زخور، طوني فرح، وسام بتديني ومحمد حجيج.

مرّت 45 عاماً على العرض الأول لمسرحية "قندلفت يصعد الى السماء"، حين قدمت في "مسرح طبرجا" من تمثيل كميل سلامة، رضى خوري، منير معاصري ورفعت طربيه. اقتبسها ولبننها ريمون جبارة عن مسرحية "احتفال بمقتل زنجي" للإسباني فرناندو أرابال، ويمكن إدراجها في مسرح "اللامعقول" الذي مال إليه جبارة في أعماله بجوانبه الوجودية والسوريالية المطابقة على الواقع اللبناني آنذاك، لا سيما في خضم الحرب الأهلية اللبنانية.

في مسرحية "قندلفت" يختلط المسرح بالحياة والرغبة في الحلم، الواقع والكابوس. الشخصيات من دون أعمار، متفلته، مقموعة، متروكة لأحلامها ولعبها وغرائزها. "فنسان" و"منصور" شخصيتان معزولتان اجتماعياً، تعيشان الخيبات والفشل والحروب. تقفان أمام صندوق الثياب وتلعبان الأدوار المسرحية والتاريخية والبطولة بفشل وسخرية شخصيات شكسبيرية وقادة عسكريين من التاريخ. تعبثان وتنتظران كما "في انتظار غودو" لصاموئيل بيكيت، وفي هذا الانتظار بحث في الوجود والحرية المفقودة، تتبادلان الأقنعة والألبسة في انتظار الشهرة وتأكيد الوجود، وتنتهيان في لعبهما دائماً الى الفراغ والعجز.

لبننة جبارة
هذه الأجواء من مسرح أرابال، نقلها ريمون جبارة في أكثر من عمل مسرحي، وأعاد كتابتها ولبننتها مع الحفاط على مناخها الأرابالي، إلا أنه أعاد صياغتها ليربطها مع صميم الواقع اللبناني. أرابال المتأثر بالحرب الأهلية الاسبانية وبمسرح اللامعقول، لا سيما يونيسكو، ومتأثر أيضاً بالشعر الإسباني ولا سيما كالديرون ولوركا، كل هذه التأثيرات صاغها أرابال في مسرحه بلغة فوضوية وعنيفة، وأحياناً كثيراً تفتعل وتفبرك شخصياته سلوكياتها من دون سبب مقنع.

أما جبارة وبإعادة كتابته لأرابال، فقد أعطى الشخصيات حدوداً إنسانية متجذرة، وأضاف إليها الواقعية حتى لا تبقى في خطوطها المجردة، وأضاف بعض التعديلات إلى شخصية "قندلفت" ورتبته الدينية ووظيفته ليبرز السلطة الدينية فيها، وهي السلطة التي لطالما شكلت هاجساً لديه، إلى جانب السلطات العسكرية والاجتماعية وكل ما يتعلق بسلطات على هذا الوجود المقموع. فالحرب في النص الأصلي ليست حاضرة بقوة كما في "قندلفت" جبارة، وإدخالها بشكل مباشر كان طبيعياً بالنسبة إلى مخرج يعيش كوابيس الحرب وسلطة قمعه الدينية والعسكرية.

استعادة قندلفت
"ليش العصافير المملوشة بتصير تشبه بعض؟".. جملة تتردّد في مسرحية "قندلفت يصعد الى السماء"، تختصر لغة ريمون جبارة ووجعه وشاعريته، وهي جملة من حوارات العامية اللبنانية التي يكتبها بعفوية وشعرية تمتزج وتنقطع مع الحاد والمبتذل أحياناً، ليخلط الشعري بالواقعي ويبرز تناقضات شخصيات مسرحه. في عرض "قندلفت" في مسرح مونو، تبرز الممثلة يارا زخور بأداء ساحر يجمع بين الحضور والتغييب، تمثّل في صمتها وعينيها الفارغتين إلا من أحاسيس تظهر وتختفي بسرعة الومض. تصرخ "بيي مات"، يسألها: "ليش قديش كان عمره؟"، وحين يعلم يتنهد ويقول "يا حرام شو بيكون ضجر بحياته".

وسوداوية جبارة الساخرة تطبع "فنسان ومنصور"، وكان أداء طوني فرح ووسام بتديني حيوياً وحاضراً، بالإضافة إلى شخصية "قندلفت" المختلف والساذج والقانع بدوره ووظيفته في الحياة. قدّم المسرحي رفعت طربيه عملاً أتى وفياً لريمون جبارة، وإن قال بعد العرض أنه لو عاد إليه الأمر لكانت المسرحية مليئة بالأقمشة والألوان والحياة.

على مدى أسابيع، احتفل مسرح "مونو"، ومديرته جوزيان بولس، بأعمال ريمون جبارة، وبمبادرة من المسرحي غابريال يمين. فقُدمتْ عروض "تحت رعاية زكور"- إخراج غابريال يمين، "بيك نيك على خطوط التماس"- إخراج جوليا قصار، "زرادشت صار كلباً"- إخراج أنطوان الأشقر، و"قندلفت يصعد الى السماء"- إخراج رفعت طربيه التي تعرض هذا الأسبوع. وهي مناسبة استعادية بمبادرات فردية، وتحديداً من ممثلين سبق أن عملوا مع ريمون جبارة واحتفظوا بنصوصه، مثل المسرحي كميل سلامة الذي لولاه لما كان عرض "قندلفت" ولذهبت أعماله كما أعمال المسرحيين اللبنانيين وكتّابه، والتي بغياب التصوير المرئي وطباعة النصوص، تبقى غالبية هذه الاعمال مهددة بالزوال وتذكر بالتعداد مع سير المسرحيين في كتب التأريخ المسرحي القليلة والنافدة من دور النشر.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها