الأحد 2024/03/03

آخر تحديث: 10:31 (بيروت)

استعادة "تحت رعاية زكور" لريمون جبارة...تعدّدت السلطات والموت واحد

الأحد 2024/03/03
increase حجم الخط decrease
بمبادرة من الفنان غابريال يمين ومسرح مونو(بيروت- الأشرفية)، بدأت العروض الاستعادية للمخرج المسرحي الراحل ريمون جبارة(1935 - 2015) بمسرحية "تحت رعاية زكور" من اخراج غابريال يمين، على أن تستكمل العروض طيلة الشهر وحتى السابع من نيسان المقبل على مسرح مونو أيضاً، والمسرحيات هي: "بيك نيك ع خطوط التماس" إخراج جوليا قصار، "زردشت صار كلباً" إخراج أنطوان الأشقر، و"قندلفت يصعد إلى السماء" إخراج رفعت طربيه.

عُرضت "تحت رعاية زكور" لأول مرة العام 1972 في إطار مهرجانات بعلبك، تقول الناقدة خالدة السعيد في كتابها "الحركة المسرحية في لبنان 1960- 1975": إن هذه المسرحية أتت متابعة لعمله الاخراجي الأول "لتمت دسدمونة" في نقض شرعية الذبيحة واختيارها، وإن كانت مسرحية "تحت رعاية زكور" تضع موضع تساؤل مبدأ المصلحة العامة التي من أجلها يضحى بالأبناء". ورأى غسان سلامة في كتابه "المسرح السياسي في لبنان" أن "تحت رعاية زكور" عمل ثأري من جمهور بعد مسرحة الصالة، وشخّص نماذج من المشاهدين وقدمهم في صورة هزليّة وعبر صور تكشف جهلهم بالفن. وقد جعل الصالة الممثلة تضحك على صورتها، ونحى العمل نحو المسرح السياسي السائد في تلك الفترة مع اضحاك أكثر ونفحات شاعرية اقل بالمقارنة مع عمله الاخراجي الأول "لتمت دسدمونة". 


حافظ المخرج غابريال يمين على جوهر العرض المتمثل بالنص وان أعاد رسم سينوغرافيته الملونة المغايرة لعرض 1972، القاتمة بعض الشيء بستائرها السوداء. شارك في النسخة المحدثة كل من ماريا الدويهي ورانيا مروة وطارق يعقوب وجو رميا... مع ظهور خاص ومحبب من كارلوس عازار وطارق تميم وجورج دياب. بنى يمين العرض على محورين: محور السهرة المسرحية التي تتشكّل من الممثلين الحاضرين في الصالة المتمثّل في مندوبة اللجان ومندوبة الجريدة وممثل الحزب بالإضافة الى والد المؤلف الآتي من القرية لمشاهدة العرض. اما المحور أو المستوى الثاني فتمثل في العرض على الخشبة وتداخل الشخصيات التوراتية مع الأسطورية والشكسبيرية والتاريخية جميعها شخصيات سلطوية تتداخل بحسب رؤية ريمون جبارة وتأكيده على وحدة السلطة. 


وحدة السلطات 
يستمد ريمون جبارة مأسويته من رؤياه الخاصة في معنى الوجود. يعبث مع العبثيين، يستعين بشرقيته من دون تقديسها. المسرحي الحالم والمتأمل في الحياة والوجود كمشروع فاشل وتافه. يسخر من السلطات الدينية والدنيوية التي تحكم عبر تخويف الانسان بالقوانين والأنظمة والأحكام العسكرية والمدنية. السلطة هي الشغل الشاغل في مسرح ريمون جبارة، سلطة القوانين السماوية وما تمثل من أوامر وتخويف وترويع وثواب وعقاب، ففي مشهد سوداوي عند جبارة يستبدله غابريال يمين بسخرية طفولية فينزل الرجل من أعلى المسرح من وراء غيمة ملونة بذقنه البيضاء بعد أن تأخر عن ثني الرجل الذي أراد أن يذبح ابنه لكي يضحي به، وفي هذا المشهد الوجودي السوداوي كان الأمر سيان في مسرحية "تحت رعاية زكور" أن يذبح الوالد ابنه أم لا، المهم هو ذلك المشوار المخيف نحو قمة الجبل الذي أراد ريمون جبارة ابرازه على المسرح وتأمل لحظاته، وإن أتى بقالب ضاحك كاسر لهذه اللحظات الإنسانية المرعبة . 


 ومن السلطة السماويّة إلى سلطة القوانين الأرضية التي يهزأ منها ريمون جبارة وبخاصة العسكرية والسياسية والحزبية والمجتمعية، من جنون هتلر إلى الجنرال العسكري بكافة ألوان بزاته، من قبعة بونابرت وسترة الجندي الأحمر والشخصيات التي ترتدي الثياب الأميركية، الى قبعات رومانية وصلبان معقوفة ورجل العقال التقليدي وربابته. جميعاً لم يسلموا من سخرية جبارة ونصه ولعبته المسرحية التي تتوقف مراراً وتكراراً من أصوات تتعالي من الصالة، جاءت لتمارس سلطة الرقابة على العرض، من ممثل الحزب إلى الصحافية وممثلة الجمعيات النسائية، إلى الأب الذي قدم من القرية لينتقد ابنه المؤلف ويتدخل مهاجماً أو مناصراً لابنه المؤلف، الذي يتأرجح العرض بيديه بين ما اتفق عليه وما يخرج عن السيطرة على الاحداث وانفعالات الشخصيات. 
(عرض 1972)

وسط هذا الهذيان العبثي، يعود دائماً جبارة الى محليته وصور طفولته والعائلة التي هي بدورها لمْ تسلم من انتقاده وعتبه عليها. مونولوغ يمر أكثر من مرة بين حدثين او حوارين. يقول: "بتعرف يا حسرتي لما الواحد بتقاعد بيبيع البراد إذا ما عندو ولاد، وإذا عندو ولاد بيعطيهم كل شي وبياخد الصوفا وبيفل ويا حسرتي...".  جملة تتكرّر عدة مرات وتقطع حوارات متداخلة. وصولاً إلى إيقاف العرض وإعلان المؤلف عن عرضه القادم في مونولوغ كأنه كان استشراف بداية السبعينات وما يخبئ لنا منتصفه، تقول الممثلة: "في بيت مبني عاصخر وحول الصخر في بحر والبيت الو باب واحد وشباك واحد. الباب مسكر والشباك مسكر. بس البيت لو طاقات. طاقات زغيره بيزمط منا يلي بيزحف. والبيت كلو ناس عم يتقاتلوا عالطاولة عالكرسي... ناس بلا مناخير، مناخيرن دابت من الزحف. في بيت مبني عاصخر".  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها