السبت 2024/03/02

آخر تحديث: 12:23 (بيروت)

في وداع صالح العجم...حافِظ المجهول من آثار السينما اللبنانية

السبت 2024/03/02
في وداع صالح العجم...حافِظ المجهول من آثار السينما اللبنانية
صالح العجم أحد أكبر مدراء الانتاج السينمائي في لبنان
increase حجم الخط decrease
يذكّرني صالح العجم بالممثل الهوليوودي سپنسر ترايسي في فيلم  "الكابتن شجاع" (Captain Courageous). علاقتنا أشبه بلقاء الطفل والبحار البرتغالي في الفيلم وفكرة مخرجه في أن دروب المرء لا تخلو من مصادفة من تمناه أن يكون أبًا له. على مثال الطفل، كنت. وعلى طراز القبطان، كان صالح. التقيته خَلال عملي في جريدة "السفير". كانت أيام حرب. لم يجمعنا البحر. بل السينما. كأب أخذني بيده. عثرت على فرصي الأولى في العمل ملاحظ سيناريو ومساعد مخرج. وفي الأثناء، قص عليّ أحلى القصص عن سنوات صاخبة من تاريخ السينما اللبنانية، واكبها طوال ستينات القرن الراحل ومطلع سبعيناته. اشتهر بإدارة الإنتاج وبلغ أوجه بعمله مع المصري هنري بركات في "سفر برلك"، "بنت الحارس" و"حبيبتي". اعتز كثيرًا بصحبته. كلما سافرت إلى القاهرة، حملني أشواقه إليه. أعطاني رقم هاتف مكتبه في عمارة إيموبيليا. "مخرج أنيق"، قال في وصف بركات، وغالبًا ما أردف، "فاتن حمامة لا ترتاح في العمل إلّا معه". 

بفضله، عرفت المجهول من آثار السينما اللبنانية وتعرفت إلى الأحياء من رعيلها المؤسس. مدين له بمعظم ما كتبته عن السينما اللبنانية وأهلها. على ضوء الكاز، أجلسني في منزله القديم في برج أبي حيدر وأمضينا الليل، أسأله ويجيبني حتى طلوع الفجر متقطعًا بأصوات القذائف. أدهشني حسه التوثيقي. ما من معلومة أدلى بها إلا وقرنها بصورة أو قصاصة محفوظة في ملفاته. رفض دائمًا تلبية رغبتي في تسجيل مقابلة معه ونشرها. آثر بقاءه في خلفية المشهد راويًا الوقائع ومعيدًا الاعتبار إلى كبار جيله ومعلميه. مرّة واحدة، لا غير، كرمني بظهوره في أول أفلامي، "غياب"، ليس لسرد قصته وإنما استذكارًا لمخرج أحبه، غاري غارابديان. مخرج آخر أحبه، السوري جوزيف فهده. عنه، أخذ حرفة السينما، أعجب به مصوّرًا ومخرجًا، ومخترعًا طوّر بنفسه التصوير تحت الماء وصنع بيديه عدسة، سمّاها ليبانو سكوب، وأعدّها لأول فيلم أُنتج محليًا بتقنية السكوب. أنهى فهده العقدين الأخيرين من حياته منسيًا في معمل الطبع والتحميض التابع للمؤسسة العامة للسينما في سوريا. قبل أسابيع معدودة من وفاته، قابلته في دمشق وأبلغته سلامًا حارًا من صالح. بكى. أسعده أنه بقي حيًا في ذاكرة صالح.

بقصص الآخرين كبر، وعلى قصصه كبرت. في لمح البصر، رذلتنا بيروت وتغيرت عناويننا. بعد كل السنين، وبمصادفة قاسية، تزامن هبوط طائرتينا صباح اليوم في مطار بيروت. هذه المرة، لن نلتقي. أتيت من دبي، وجاءني صالح العجم من الصين مسجّى في نعش. توقعت كل شيء إلا عدم وداعه والسير في جنازته. ما أصعب الحياة حين تصبح خبرًا للموت. "تعيش وتفتكره"، يقولون، فهل يفتكرنا الموتى؟

(*) ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن اليوم(السبت) يصل الى بيروت، جثمان مدير الانتاج السينمائي صالح العجم، الذي توفي في الصين، حيث يقيم عند نجله.
يُذكر ان صالح العجم أحد أكبر مدراء الإنتاج السينمائي في لبنان، والرئيس الفخري لنقابة الفنانين السينمائيين في لبنان، وكان عاصر نهضة السينما، وشارك بإدارة انتاج عشرات الافلام، أولها "لمن تشرق الشمس" بطولة نور الهدى"،  ثم "سفر برلك" و"بيوت من ورق" وغيرها العشرات.

يُصلى على جثمانه عصر اليوم في مسجد الخاشقجي، ويوارى في الثرى في جبانة الشهداء، وتتقبل عائلته ونقابة الفنانين السينمائيين التعازي بعد الدفن وبعد ظهر الأحد والإثنين في قاعة البرغوت - مسجد الخاشقجي - قصقص.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب