الجمعة 2024/02/09

آخر تحديث: 16:31 (بيروت)

"فنّ الشارع" لسيد عبد الحميد... مرايا الراب المصري

الجمعة 2024/02/09
"فنّ الشارع" لسيد عبد الحميد... مرايا الراب المصري
مروان بابلو
increase حجم الخط decrease
في كتابه "فنّ الشارع/ حكايات عن كتابة الراب والموسيقى"(دار صفصافة)، يخبرنا الكاتب والصحافي سيد عبد الحميد، أنّ مشروعه هذا، بدأه مع الانتباه لانتشار موسيقى الراب في مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الموسيقية المختلفة، وانعكاس هذا على الشارع المصري، ومن ثمّ محاولة تحليل هذا الانتشار وذكر عوامله التي لا يمكن إغفال الاجتماعي والسياسي والثقافي منها، بالإضافة لاتباع مشروع كل مغني راب باعتباره متصدرًا للمشهد في وقتٍ ما...

مع أن عنوان الكتاب يحمل دلالات كثيرة يمكن أن تشمل الرقص والغرافيتي، لكن المؤلف اقتصر اهتمامه على غناء الراب وكلماته، ويهدف إلى تعريف المستمع المصري، ببدايته وأسباب انتشاره وتصدره المشهد الموسيقي المصري، كما يسعى إلى تحليل المشهد من قرب، والاشتباك مع مفاهيم الصدارة والجودة والاستمرارية بالاعتماد على ما قدمه الآخرين سابقًا، وما قاله هؤلاء المتصدرون في وقتنا الحالي عن أنفسهم في البداية، خصوصاً أن الراب لم يتراجع مع خفوت الربيع العربي كما كان متوقعاً، بل ازداد انتشاراً، "حتى لو لم يتطرق نجومه لكل الجوانب الحياتية السياسية، لكن الكتابة عكست أثر الواقع المصري تحديدًا بعد الثورة" كما يقول سيد عبد الحميد لـ"المدن"... ويحاول الكتاب طرح الأسئلة حول الأسباب، وتحليل الانتشار الذي بدأ منذ سنوات طويلة ببطء ثم ظهر في صورة صدارة، فيقف الكتاب على عتبة المشاريع الفنية ويُحلل أسباب رواج كل مشروع فني بشكل مستقل..


(الجوكر)

ينطلق المؤلف في كتابه من مُسلَّمة، أساسية وهي أن موضوع الراب المصري يكمن في الكتابة، وللتأكيد على ارتباط هذه الأغاني بأصحابها باعتبارهم كُتَّاباً، لذا لا ينفصل الراب بشكل خاص عن الأدب باعتباره كتابة مغايرة تعتمد على عوامل موسيقية وأدائية، تُساهم في خروجها في شكل نهائي كأغنية، لكن صاحبها كاتب يعتمد على موضوع خاص أو عام، ويستخدم آليات كتابة الأدب ليُقدم قصة من خلال قصيدة!

يحتفظ الكتاب بمحليته المصرية ويقارب كل موجة بتلك التي تبعتها، بالمقارنة مع الراب في البلدان الأخرى، ويجد أن الراب المصري يمتاز في ذاتيته وشمولية موضوعات كل فنان في الوقت نفسه. ويسعى سيد عبد الحميد لإيجاد الفكرة التي يقوم مشروع كل مغني راب من خلال الاستقراء -أي إعادة قراءة كل أغنية باعتبارها قصة قصيرة أو تدوينة مهتمّة بشأن ما- بالإضافة لذلك، يحاول مقاربة المشاهد الموسيقية ببعضها البعض، المصري بالعربي، والمشهد العربي ككل بالعالمي من حيث ظروف النشأة والدوافع حتى إلى ما توصل إليه منتجو هذه المشاهد. ومن ناحية اللغة، يستنتج أنّ الراب المصري قريب من الشعر العامي "لأنه يستخدم مفردات عامية نستخدمها يوميًا، وكذلك تتطور المفردة الغنائية كما يحدث للهجة العامية في الشارع، ولكن المضمون في الأغنية يكون أشمل وأحيانًا يكون بلا مجازات مقارنة بالقصيدة". 

موجات
والراب موجات وموضة، فمن خلال الموجة الأولى (2003–2007)، ظهر أوائل المغنّين الذين يعتمدون على كتابتهم وإمكاناتهم المحدودة في صناعة الموسيقى ونجحوا في الظهور بشكل خافت. ثم جاءت الموجة الثانية (2009-2014) وحملت ظهورًا متجددًا للرواد بعد انقطاع، بالإضافة لظهور أسماء جديدة تحمل أفكارًا أكثر حيوية، نجحت في لفت انتباه أكبر مع بدايات صعود المنصات الموسيقية ومواقع التواصل الاجتماعي بعد الربيع العربي. ثم جاءت الموجة الأشهر والأكثر نضجًا بداية من 2017 حيث بداية صعود وانتشار Trap Music كلون موسيقي منبثق من .Rap Music ومن ثم بات علينا الالتفات للفارق الجوهري بينهم، بالإضافة للانتشار الأعمق في حياة المستمع لأدوات مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الموسيقية، مما ساهم في الالتفات لهذه المشاريع الفنية وإدراجها في المشهد الموسيقي العام، ثم اعتمادها كلون موسيقي خاص شق طريقه نحو الصدارة.


(أبيوسف)

حين يكون البحث عن نجوم الراب والهيب هوب والغرافيتي وفنون الشارع، غالباً ما يكون السؤال عن الأمكنة والمجتمعات، حتى الغيتوات، التي أتوا منها، فهم لطالما كانوا انعكاساً لواقعهم وبيئتهم. يقول سيد عبد الحميد لـ"المدن" إن أبرز الرابرز في مصر أتوا "من طبقة متوسطة في العموم، فالأغنياء لا يمتلكون مواضيع شاملة لأن همومهم مختلفة من الناحية الطبقية لذا قد لا تجد انتشاراً كبيراً للراب"... لا يدخل المؤلف في كواليس الراب وعالمه الخفي بل يركز على واجهته وحضوره الميديائي والأدبي الكتابي...

أحمد ناصر المعروف إعلاميًّا باسم "الجوكر"، أحد أوائل مغنّي الراب في مصر من مواليد 21 ديسمبر 1992. دخوله مجال الراب لم يكن بداية الطريق، بدأ أحمد ناصر الكتابة في 2007 وفاز بجائزة أفضل قصيدة في مسابقة صغار الأدباء، بعدها لم يجد مناخًا كافياً لانتشار كتاباته، سواء الشعر بالفصحى، أو كتابة الروايات، فاتجه للكتابة بالعامية وتحديدًا الراب بالطريقة التي تهتم بمفردات قوية وتعبيرات مركبة على موسيقى إيقاعية بطيئة في ما يعرف بطريقة Old School مع أداء تراكات الراب التي تتسم بالهجاء والذم في مغنيين الراب...

أما الأقدم والأكثر رسوخًا، الأب الروحي للراب في مصر، فهو "أبيوسف "، صاحب التاريخ الطويل الذي قد يصل إلى 15 سنة في تقديم الراب. امتاز بقدرته علی تقديم التراب - Trap والهجاء المعروف في عالم الراب بالدِس "Diss" واشتهر بقدرته علی مدح نفسه وذم أعدائه وإبراز نقاط ضعفهم في معارك الراب المعروفة بالباتل "Battle"، وهي تعتمد علی النفَس الطويل والقدرة علی الإتيان بمصطلحات جديدة يمدح بها نفسه ويناكف بها الآخرين. وأحدث أبيوسف نقلة فنية في عالم الراب، والفيديو كليب لهذا اللون في مصر، فهو من أوائل المتعاونين مع مطربين شعبيين للمزج بين الراب والغناء الشعبي في أغنية "أنا مش ها اقدّر حد" مع شعبان عبد الرحيم. ويقع أبيوسف في مكانة خاصة بعيدة كل البعد من "الجوكر"، الذي يمتلك سنوات التواجد نفسها في ساحة الراب تقريبًا، لكن بلا شخصية واضحة، فتارة يقدم "الراب الصريح" وديسّات شهدت تألقه وانتشاره، وتارة يتجه للمعادلات الفيزيائية والكيميائية التي يبرهن بها علی عبقريته، فيضع نفسه في نقطة وسط بين الرابر والشاعر...


(ويجز)

يقول سيد عبد الحميد: "في السابق، كان يجب أن تمتلك صوتًا جميلا لتحلم بالغناء، ومن ثم الحفاظ عليه وتدريبه وشرب الينسون بصورة متكررة، بالإضافة لإيجاد ممول أو مُنتج موسيقي ليتحمل الخسارة أو يجني الأرباح"؛ هذه الصورة الكليشيه حطمها "أبيوسف" الذي اعتمد في تسجيل أكثر من 400 أغنية بصوت سيئ، علی إمكانات معدومة. أما "مروان بابلو"، فأعلن عزمه علی تغيير المشهد الغنائي بأكمله بالاعتماد علی المؤثرات الصوتية والكلمات التي تجذب الانتباه لفرط بساطتها ولإيقاعها الموسيقي... أتى مروان بابلو، ابن الحضرة بمدينة الإسكندرية، ليرفع كل التوقعات، ويجعل مغنّي الراب نجوم إعلانات لشركات عالمية من طريق رواج اسمه بسبب إحداث موجة ثالثة للراب تعتمد علی الطريقة الحديثة. ومنذ انتشار "الجميزة" لبابلو، بدأ بزوغ نجمه، سواء للسخرية أو للإشادة بشاب اجتاح المنصات بلون جديد ومحتوى مختلف مرئي ومسموع. وسيأتي ويجز في 2017 ليتصدر المشهد كنجم سينمائي يتصدر غلافًا إعلانيًّا لفيلم، ويعتمد في موهبته علی كيفية الاحتفاظ بالنجومية والتجديد في المفردات والمؤثرات. وهناك الكثير من التجارب الأخرى.



اعتزال وعودة مكررة
عدا عن نجوم الراب في موجات وصعود وهبوط، وبقاء واعتزال، كل فنان يمر بلحظة يرغب فيها أن يتوقف عن تقديم ما يقدمه، وهذه اللحظات تراود نجوم الراب كثيرًا وهم الذين قد تبلغ فترات توقفهم سنوات طويلة، مثل أم سي أمين وعلي الشاعر، وهم من أقدم الرابرز في العقد الأول من القرن الحال.

بينما أبيوسف وويجز ومروان بابلو، هم الأبرز في الجيل الحالي ممن أعلنوا توقفهم لأسباب عديدة. بابلو كان قد أعلن اعتزاله عبر قصة "Story" في "انستغرام"، ثم في فيديو بث مباشر عبر فايسبوك افتتحه بعبارة: "أنا حزين، أنا مموتش"، موضحًا أسباب اعتزاله التي يظل أبرزها كراهية البعض له، سواء من داخل مجال الراب، أو الجمهور الذي لطالما أبرز كراهيته لمروان في تعليقات فايسبوك وتفاعلهم بتعبير الغضب "Angry" علی أغلب صوره، لا سيما مع الصور التي التُقطت له في حفلات فريق "كايروكي" حيث ردد الجمهور في غضب أن وجود مروان غير مرغوب فيه في أي حفلة للفريق. إضافة إلى شاهين الذي توقف عن تقديم الراب بعد وفاة والده واعتزل وسافر إلى دبي قبل العودة من جديد، وأبيوسف الذي يتوقف أكثر مما يستمر لعوامل عديدة.

هكذا يبدو مشهد الراب، الذي انطلق في بلدان عديدة كلغة احتجاج وتمرّد وغضب على مجتمعات وأنظمة، ودخل في مجتمعات أو بلدان أخرى ضمن منظومة الاستهلاك... وهذا ربما، يحتاج مقاربة أخرى، في جوهر الكلمات بين الابداع والاستهلاك.
________________

سيد عبد الحميد: كاتب وصحافي مصري من مواليد القاهرة 1998، نشرت مقالاته في العديد من المواقع المصرية والعربية والمجلات مثل؛ ساسة بوست، عربي بوست، رصيف 22، مجلة عالم الكتاب، ومجلة إبداع. صدرت له كتب منها: "لارا" (مجموعة قصصية- 2019)، و"الاكتئاب بين التعايش والانتحار"(2020)، ورواية "امرأة عابرة ورجل وحيد".

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها