الأربعاء 2024/02/07

آخر تحديث: 00:20 (بيروت)

فسبكات عن روح صفوان حيدر

الأربعاء 2024/02/07
فسبكات عن روح صفوان حيدر
increase حجم الخط decrease
هنا مجموعة من مدونات في فايسبوك، كتبها من كانت لهم قصص مع الراحل صفوان حيدر أو سمعوا أخباره...

الصحافي عمر حرقوص:
وقف خضر في وسط البوسطة الحمراء المخططة بالأبيض ذات النوافذ التي تفتح بحبال جردتها أيادي الركاب من لونها، وقف قرب السائق البعلبكي، وصرخ بنا أن ننصت وبدأ يوزع علينا بياناً (شديد اللهجة)، كما بقية الركاب بسرعة أخذت المنشور من يده وبدأت قراءته، في البوسطة التي تنقلنا من موقف الكولا إلى حي المعمورة حيث نستعيد "نسرق" سيارة "بي أم" موجودة عند شخص من آل زعيتر كان سرقها قبل أسبوع من أمام منزل رفيقي في حي البسطة التحتا.

كان المنشور مطبوعاً على ماكينة ستانسيل بحبرها الذي يتفتت بأيدينا فيلونها بالأسود، العنوان والنص يحكيان عن المخابرات والاعتقالات، التي يسميها مرة "سي آي إيه" ومرة أخرى أجهزة الأنظمة، يقول إنها تلاحقه وتمنعه من النوم وتدخل حتى إلى حمامه فتسرق منه الصابون البلدي المصنوع من زيت الزيتون والغار في الكورة، يلاحقونه لاعتقاله ونقله إلى فرع فلسطين حيث يريدون معرفة السرّ منه، خفت أن تبقى الورقة بيدي حين نهرني رفيقي قبل الوصول إلى حاجز الجيش السوري على مستديرة السفارة الكويتية، أخفيتها بجيب بنطالي الخلفي بانتظار قراءتها لاحقاً لمعرفة الثورة وأهدافها، فأنا غاوي ثورات وهزائم وسجون كما هو معروف عني.

بعد خمسة أعوام قال لي صديق إن خضر نبّوه وآخرين بينهم صفوان حيدر دعوا لاجتماع مناهض لمشاركة الجيش السوري في الحرب على الجيش العراقي بعدما احتل الكويت، ذهبنا إلى ساقية الجنزير، مقابل مبنى دار الآداب، لم نر أحداً في الشارع المؤدي إلى أوتيل الكارلتون، حين سمعنا أصواتاً لمحتجين تنطلق من خلف سيارات متوقفة إلى جانب الرصيف، كانوا قلة يحملون أوراقاً مصبوغة بالأسود، تقدمنا قليلاً تسبقنا رؤوسنا مشرئبة نسمع أحدهم يصرخ "بالكيماوي يا صدام"، حين رأينا قوة من المخابرات السورية تظهر فجأة، تعتقل خضر وصفوان وآخرين في التظاهرة الصغيرة، وسيارات البيجو البيضاء التابعة للمخابرات تنطلق ممتلئة بمن اعتقلتهم، وقفنا بعيداً ننظر كيف سيختفي هؤلاء الذين شاركوا قبل أشهر قليلة باحتفال أقمناه للشاعرين المصري عبد الرحمن الأبنودي والعراقي مظفر النواب دعماً للانتفاضة الأولى، حين بكى مظفر بكربلائيته في القصيدة الثانية بقوله "عراق".. "عراق".. "عراااااااق" وخرج من الندوة من دون استكمالها.

بعد الاعتقال بأسابيع قالوا إن كثراً عادوا من تلك السجون، سمعنا عن انكسارهم والتعذيب الذي عانوه، عدا عن توقف عدد منهم عن الكتابة والمشاركة بالنشاطات التي كان يقيمها "المركز الثقافي السوفياتي".

مات خضر نبّوه فقيراً بلا أي اهتمام وبقيت منشوراته لدى قلة من هواة جمع القصص المتعلقة بالخرافات وجمع الأرواح، فيما كان صندوق المهجرين يوزع العطايا على سكان وادي أبو جميل ليخلوا المنازل التي احتلوها في الأعوام الأولى للحرب الأهلية، ثروات هبطت فجأة على فقراء مثلنا، بينهم الشاب الذي ذهبت معه لاستعادة سيارة والده من حي المعمورة.

أعوام قليلة وخرج صفوان حيدر من سجن رومية بعدما دار في مصحات وسجون ولم يجدوا سبباً لإبقائه فأعادوه إلى عنجر ومنها إلى رومية، عاد يكتب شعرا ويتخذ من جريدة السفير مأوى لنصوصه، قال لي زيكو إن صفوان حيدر يريد طباعة كتابه الجديد، بعنوان "ريان الأندروميدي"، إلى الطابق الثالث من "زيكو هاوس" جاء صفوان يخبرني عن فكرة سماها "جهنمية" للغلاف، قال إنه يريد رجلاً يجلس على كرسي وأمامه طاولة فوق سطح القمر، نظرت إليه وفكرت كيف أن نيل أرمسترونغ سيتفاجأ حين يرى أن الحياة الشعرية للرفيق صفوان قد سبقته إلى ذلك المكان. حاولت إقناعه بتغيير رأيه ولكنه نظر إلي "شذراً" ومضى من دون استكمال النقاش، قال زيكو "الله يعينك.. جرب تعمل شي".

بعد ساعة اتصل صفوان بي وسألني إذا أنهيت الغلاف وجهزته للطباعة، قلت له كيف يمكن أن تقف الطاولة على سطح القمر فهي "ستزحط" وينكسر جهاز الكومبيوتر. سكت صفوان قليلاً وقال لي: لماذا كلما تحدثت إليك لا تتوقف عن شتم رستم غزالي؟.

الكاتب والأكاديمي ربيع شامي:
بعدما جلس صفوان حيدر لمدة اسبوع في مقهى الاكسبرس يراقب سيتا مانوكيان وهي ترسم في سبعينات بيروت...انتفض الى طاولتها في اليوم السابع قائلا : صار وقت ننهي علاقتنا!... لعلها أجمل حكاية نتناقلها وأصدق من آثار غادة السمان الكاملة.

الصحافي حسن الحاف:
رحل صفوان حيدر الطيب. رحل صفوان الذي تجاور فيه الجنون والعقل، الشعر والهذيان، الشيء ونقيضه. أتذكره داخلاً "السفير" حاملاً العلم على ظهره وهو يشتم الامبريالية وعملاءها. جلس مرة على احد المكاتب الشاغرة قبالتي. وراح الهاتف يرن دون توقف فيما هو يكتب على اوراقه المبعثرة أمامه. وعندما نفد صبره من صوت الرنين المزعج للهاتف الانتيكا التقط السماعة وقال: مين معي؟ قال مرة اخرى: انت مين؟ وكرر ذلك اكثر من مرة بعصبية الى ان صرخ اخيرا: انا بينقلي انت مين؟ انا الجندي المجهول!
مات الجندي المجهول. الطيب. رغم انه احيانا كثيرة قد تكون راودته فكرة ان يقتلنا جميعا لينقذنا من العمالة! لذكراه السلام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها