السبت 2024/02/24

آخر تحديث: 12:25 (بيروت)

تي-شيرت من أجل غزة: كاثرين هامنت وواجب الاشمئزاز

السبت 2024/02/24
تي-شيرت من أجل غزة: كاثرين هامنت وواجب الاشمئزاز
ألقت في القمامة وسام قائد الإمبراطورية البريطانية الذي حصلت عليه من الملكة إليزابيث العام 2011
increase حجم الخط decrease
قبل ثلاثة أيام، وفي مقطع فيديو نشر في "انستغرام"، ظهرت مصممة الأزياء الإنكليزية الشهيرة ذات الـ76 عاماً، كاثرين هامنت، وهي تهبط سلالم بيتها، ومن ثم تتوجه إلى صفيحة القمامة في الخارج، وهناك تقوم بإلقاء وسام قائد الإمبراطورية البريطانية الذي حصلت عليه من الملكة إليزابيث العام 2011، بينما تتوجه إلى الكاميرا بالقول: "أشعر بالاشمئزاز من كوني بريطانية، بسبب دورنا في الإبادة في غزة"

"إن كنت ترغب في إيصال رسالة ما، عليك أن تطبعها بحروف عملاقة على تي-شرت"، كانت تلك هي فلسفة هامنت البسيطة والعملية أيضاً، التي جلبت لها الشهرة بعدما أطلقت ثورة صغيرة في عالم الموضة في الثمانينيات. بداية، كانت طباعة أسماء الوجهات السياحية في الولايات المتحدة على التي-شيرتات لغرض الترويج السياحي، وكذا طباعة صور لشخصيات ديزني عليها، نقطة الانطلاق لصناعة التي-شرت. القميص المتحرر من الياقة والأزرار، والممكن لبسه دفعة واحدة هو قطعة الملابس الأكثر ارتباطاً في الأذهان بالقرن العشرين، وبتحرّر موضته ذات الطابع العملي وغير الرسمي سهلة الاستخدام. في الوقت نفسه، غدا التي-شرت المادة الدعائية الأكثر حضوراً بشكل يومي، وتحول من يرتديه بطرق واعية أو غير واعية إلى لوحات إعلانية متجولة لانتماءات وهويات وإشارات وقيم تنتمي في معظمها إلى ثقافة جماهيرية-رأسمالية صاعدة.


التعديل البسيط والجوهري الذي أدخلته هامنت إلى تلك الصناعة الهائلة، هو تحوير مضمون رسائلها، لتشتمل على بُعد سياسي مُعادٍ للمؤسسات والسياسات القائمة. "اختار الحياة" كان شعار حملتها الأولى والأنجح في مطلع الثمانينيات. الكلمات المكتوبة بحروف عريضة وكبيرة كي تحول الاهتمام بعيداً من الشكل لصالح المعنى، هي ضد الموضة بشكل مبدئي، أما معناها القابل للتأويل على أكثر من وجه، فيظل احتجاجياً في سياق الحركة المناهضة لسباق التسلح النووي أثناء الحرب الباردة.

لكن استراتيجية هامنت كانت أكثر تعقيداً من بساطتها الظاهرة، فلا تكفي حقاً طباعة رسالة ما بحروف على كبيرة على تي-شرت حتى تصل، كما تقول. فقوة حمل الرسالة تظل معلقة بمن يرتديها، وسياق عرضها. في العام 1984، ظهر المغني البريطاني، جورج مايكل مرتدياً تي-شرتات هامنت، مطبوعاً عليه شعار "اختار الحياة" في فيديو كليب أغنية "ايقظني قبل أن ترحل" ، أيضاً ظهر روجر تيلور أحد أعضاء فرقة "كوين" الإنكليزية في ذات العام، بتي-شرت عليه الشعار نفسه في تسجيل أغنية "سقوط المطرقة". كان توظيف هامنت للثقافة الموسيقية الجماهيرية لتمرير رسالتها السياسية وراء موجة من الهوس حينها بتي-شرت "اختار الحياة". بالطبع كانت لتلك الاستراتيجية منتقديها، كونها ذات وجهين، أي كما أنها تسييس للموضة فهي بالمثل تقوم بتسليع الاحتجاج، أي تحويل السياسي إلى صرعة قابلة للتسويق. 

في العام 1984، حوّلت هامنت موضتها إلى عرض احتجاج حي، فأثناء أسبوع الموضة في لندن، قابلت رئيسة الوزراء حينها، مارغريت ثاتشر، وهي ترتدي تي-شرت مطبوعاً عليه شعار مناهض لسياسات حزب المحافظين: "58% لا يريدون بيرشينغ" في احتجاج على نشر منظومة الصواريخ النووية الأميركية، بيرشينغ 2، على الأراضي البريطانية. لاحقاً تشعبت ناشطية هامنت، لتشمل صناعة الموضة نفسها، فمنذ مطلع التسعينيات تصدّرت حملة لمراجعة سياسات استغلال العمالة في الدول الفقيرة والممارسات المدمرة للبيئة التي تتبعها ماركات الموضة الكبرى. وبعد النتائج المخيبة للآمال لتلك الحملة، فسخت معظم عقودها في العام 2005 وأعادت إطلاق خط تصميماتها، بحسب تعاقدات تخضع لقواعد أخلاقية أكثر صرامة، تشمل أخلاقية عمليات التصنيع والزراعة وعقود العمالة. بالتوازي، داومت هامنت على المشاركة في حراك معارضة التسلح النووي والحرب وقضايا سياسية محلية وبيئية أخرى، وكان أحد آخر وأشهر نشاطاتها الاحتجاجية، في العام 2003، حين ظهرت عارضات الأزياء في أحد عروضها في لندن بتي-شرتات عليها شعار "أوقفوا الحرب، ليسقط بلير"، في إشارة إلى غزو العراق الذي كان مزمعاً حينها. 

في ظهورها الأخير بخصوص غزة، ترتدي هامنت تي-شيرت، مطبوعاً عليه شعار: "أشعر بالاشمئزاز من كوني بريطانية"، ليست هذه المرة الأولى التي تتبرأ فيها هامنت من جنسيتها. ففي العام 2008 وفي تصريح لها يتعلق بسياسات توليد الكهرباء من الطاقة النووية في بلدها، قالت: "أشعر بالخجل من كوني بريطانية"، لكن يظل شعارها المتعلق بغزة، هو الأكثر حدة في مسارها المهني-الاحتجاجي كله. هي أيضاً ليست أول من يتنازل عن إحدى الرتب البريطانية الشرفية من باب الاحتجاج على السياسات الحكومية. مثلاً، في العام 1969، تنازل مواطنها عضو فريق البيتلز، جون لينون، عن وسام من رتبة الإمبراطورية البريطانية (كان أدنى بدرجتين من وسام هامنت)، وذلك احتجاجاً على التورط البريطاني في حرب بيافرا. مع هذا، يظل إلقاء الوسام في صفيحة القمامة الاحتجاج الأعلى صوتاً في تاريخ أوسمة رتب الإمبراطورية البريطانية منذ إنشائها في العام 1917.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها