الأربعاء 2024/02/21

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

"من كفرشيما للمدفون"... لوين بدنا نروح؟

الأربعاء 2024/02/21
"من كفرشيما للمدفون"... لوين بدنا نروح؟
ناتالي نعوم
increase حجم الخط decrease
يتابع المسرحي يحيي جابر تفكيكه للجماعات والمناطق اللبنانية التي سيجتها ديموغرافيا محددة، في قوالب سير ذاتية أبطالها نساء يسردن تاريخهن الشخصي المرتبط بالعام، وما تحمل هذه السير من تمييز جندري واجتماعي وديني وسياسي أفرزته الحروب على مدى عقود، حتى بدت تلك الجماعات تحمل خصائصها ولغتها اليومية ونظرتها للآخر "الشريك في الوطن" كما يقال في الخطاب السائد.

بعد الجنوب وبيروت والبقاع، حطّ يحيي جابر رحاله في منطقة قسمت في الحرب الأهلية وسميت "المنطقة الشرقية"، كانت حدودها الجغرافية من كفرشيما للمدفون، وعلى لسان سيدة ولدت ونشأت واكتشفت وراهقت وأحبّت وتزوجت قبل أن تكتشف الخيانة، وتربطها بالخيانات الممتدة من الخاص إلى العام، ومن سيرة شخصية إلى سيرة جيل عاش بين حدودي كفرشيما والمدفون على مدى أكثر من 15 عاماً. 

ناتالي نعوم
تجربة مسرحية لوجه تلفزيوني محبّب شارك في تمثيل ورُبط بالبرنامج الكوميدي "أس أل شي". ناتالي نعوم أو "لورا"، ولدت وعاشت في تلك المنطقة ذات الغالبية المسيحية. تروي لنا سيرة طفولتها ونشأتها في كفرشيما، بلدة الفنانين، فيلمون وهبي وملحم بركات وعصام رجي، لتعرج على أصولها والهوية، من منطقة الشياح وبساتينها حيث كان سكان المنطقة يعيشون لسنوات طويلة قبل وبعد نشوء الجمهورية اللبنانية من زراعة الأرض وجنى محاصيلها. وهو تمايز ستعيشه في منطقة الأشرفية مع زوجها ابن المنطقة المنتمي الى طائفة الروم والذي يتميز عنها، هي القادمة من الضواحي وتنتمي الى الطائفة المارونية وكان أجدادها يعملون في الأرض قبل أن تغزوها المباني والعمارات وتقضي على خصائصها.
قبل ذلك، كان اكتشاف الجسد الشخصي والقمع العائلي لفتاة تُحذّر كل يوم من الاختلاط، ويُخشى عليها من أي اكتشاف عاطفي او جسدي. البداية كانت مع اعلان انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية حين بدأت "لورا" تكتشف ذاتها وصديق الطفولة الحبيب، كما تكتشف الصديقات في المقلب الآخر المحظور، في المنطقة المسماة "بيروت الغربية"... يصفها يحيي جابر بسخريته المرّة، خصوصاً حين أصبحت للورا صديقات مسلمات يلتقين بها في مقاهي شارع الحمراء في رأس بيروت ويلبسن مثلها قماشة الجينز ويصففن شعرهن بالموديلات نفسها لتلك الحقبة. 

سؤال الخيانة
يغوص يحيي جابر أكثر وأكثر في سيرة لورا وحواراتها الرشيقة المستخرجة من اليومي المعاش البسيط، الذي يغرز بأظافره تدريجياً في العرض المسرحي المفتوح على خيانات أصدقاء الطفولة، كما على الجماعات الطائفية من لون واحد. زوج لورا المحامي، يحضر في تأسيس حزب مسيحي وطني، تكتشف خيانته مع صديقتها لتسأل نفسها السؤال الوحيد الذي سيظل يحوم طيلة العرض من دون أي جواب او راحة او خلاص: "لوين بدي روح اشتكي، لرجل الدين للعائلة للقضاء او للأصدقاء؟". تسأل، علّها تجد خلاصاً لوجعها الشخصي، فتقرر عدم المبالاة أو التلاعب بأعصاب الزوج في مشهد هو ذروة العمل وروحه، ويكشف رخامة ممثلة مسرحية درامية آسرة مع سؤالها الشخصي والجماعي: "لوين بدي روح؟ لوين بدنا نروح؟"، وهي في السيارة مع زوجها الخائن متجهين إلى الطريق الساحلية حيث المطعم والأصدقاء ينتظرون الاحتفال بعيد ميلادها.

تقرّر ملاعبة الزوج عبر الضغط على رقم تلفون الخيانة، وفي المسير بين الاشرفية وبيروت تستطرد بالأحاديث والخيانات الجماعية والحروب الداخلية بين أبناء الطائفة الواحدة. هنا كان الحاجز وهنا كانت المعارك. تسأل لورا: "ليش المسيحية كلما حبوا بعض بينقصو؟".. وتسأل "لوين بدنا نروح؟"، خصوصاً عندما أنزلت الزوج في مستديرة جبيل وراحت تلف وتلف: "إلى مزار مار شربل؟ أم إلى فرنسا حيث الابنة الوحيدة تتابع دراستها؟ أم إلى الوالدة التي تعيش مع مرض ألزهايمر وقد نسيت كل شيء؟

تدور لورا في سيارتها، ويدور بنا يحيي جابر في السؤال عن ألم الخيانات الشخصية والجماعية، ويرمي وترمي سؤال الأقليات في بلد الخيانات: "لوين بدي نروح؟ لوين بدنا نروح؟"..
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها