الأربعاء 2023/09/13

آخر تحديث: 12:46 (بيروت)

"حبيبة قلبي انت" في بيت الفريكة.. مازوشية الحاكم والمحكوم

الأربعاء 2023/09/13
increase حجم الخط decrease
منير أبو دبس، رائد من رواد المسرح اللبناني في الستينيات، وصاحب الأعمال في الفترة الذهبية في لبنان قبل الحرب منها "أوديب ملكا" و"انتيغون" أضافة إلى "الذباب" لسارتر، و"الازميل" لأنطوان معلوف، وغيرها من الأعمال التي كانت ثمرة "مدرسة بيروت للمسرح" التي أسسها العام 1971، قبل أن تندلع الحرب ويهاجر إلى فرنسا حيث سيدير محترفات مسرحية بالتعاون مع وزارة الثقافة الفرنسية حتى العام 1997 موعد عودته النهائية إلى لبنان. مع رجوعه، أسس "مهرجان الفريكة" السنوي، واشترى بيت الحرير، الذي يزيد عمره عن مئة وخمسين عاماً في بلدة الفريكة (المتن الشمالي) ويحمل اسماً آخر بالعاميّة "كرخانة الحرير" في تسعينيّات القرن الماضي.



عاد منير أبو دبس الى بلدته وحوّل بيت الحرير الى مسرح ومختبر خرّج العديد من المسرحيين. وأضيء هذا البيت، بعد وفاة المؤسس أبو دبس، بمبادرة من ابنه جيل أبو دبس، بالتعاون مع ميشال أ.سماحة اللذين عملا على تحويله الى مركز ثقافي يحمل اسم جمعية "بيت الفريكة"، وبالتالي تحوّل من البيت – المختبر الى بيت ثقافي وفنّي في منطقة تغيب فيها النشاطات الثقافية كما كل المناطق الريفية اللبنانية إذ تتركّز النشاطات في العاصمة بيروت. بيت الحرير صار صرحاً يستقبل العروض المسرحية والموسيقية، وعلى مدخله مقهى ثقافي مفتوح للزوار من المنطقة والجوار، وللزوار من بيروت الذين يقصدون النشاطات الثقافية على سفح الجبال. ويقدم هذا الشهر برنامجاً مسرحياً وموسيقياً بالإضافة الى حلقات نقاش في أرجاء المنزل التاريخي.

"حبيبة قلبي انت"
قدم المخرج لوسيان بو رجيلي، وهو أحد خريجي مدرسة منير أبو دبس في "بيت الفريكة"، مسرحية "حبيبة قلبي انت". وتنطلق فكرة عرضها من المعاناة والأزمات المتلاحقة التي نعيشها، وكيف السبيل للعدالة والمساواة أو متى يأتي العقاب على سلسلة الجرائم التي ترتكب؟ العنوان الذي وضعه لوسيان بورجيلي يأخذنا إلى علاقة حب، وانطلاقاً منه ينطلق العرض، نرى رجلاً مكبلاً اليدين ومعصوب العينين ممدداً على السرير وفتاة تدخل عليه بعد نداءات استغاثة، تلاعبه وتقسو عليه نتيجة اتفاق سابق حصل بينهما، كما ادعت في بداية العرض وأوهمت الرجل والجمهور أن ما نراه لعبة تواطؤ بين حبيبين. تستمر الفتاة في استفزاز الرجل وتتحكّم في حركته ولا تلين، إلى أن تزيح العصبة عن عينيه لنتعرف على الحاكم المتلوّن بدهاء، ولتخلع الفتاة قناع المستبدّ ونتعرف على الشخصية الضحية. الحب الذي يعنون العرض ليس سوى علاقة حب الحاكم بالمحكوم. وبالرغم من كل العنف الجسدي واللفظي داخل العرض، تبرز شخصية الحاكم الممسك بلعبة العرض حتى بعد اعترافه بكل جرائمه التي يبررها كما لو كانت المسار الطبيعي لواقع حال البلاد. 

 

حب الخاضع للمستبد
يبرع طارق انيش في أداء دور الحاكم المتلوّن، ويثبت حضوره الجسدي والنفسي وهو معصوب العينين ومكبّل اليدين، ويتكيف مع حالته النفسية وهو الضحية–الجلاد أمام الجلاد– الضحية. يعدّد بثقة الحاكم جرائمه التي اقترفها ويكمل حياته بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يكن.

شخصية بارعة في توظيف مصالحها وشهواتها، تتلفظ بأقذع العبارات الذكورية وصولاً إلى ادعائه البراءة ونظافة الكف. تقابله الممثلة فرح شاعر بأداء ملتبس، سرعان ما يتجلّى في النهاية مع حقيقة وجودها أمام الحاكم والدافع الأساسي الذي أجبرها على الانتقام من الحاكم وفضحه رغم معرفتها أنّ كل ما تقوم به سيضيع هباءً أمام دهاء رجل السلطة القابض على جمهوره بوصفه الزعيم الأوحد.

عرض متماسك فيه نقاط تحوّل عديدة، يصعب ذكرها كي لا يفقد العرض عنصر مفاجأته، أمام جمهور وجد نفسه في العرض أمام محاكمة حاكم لفترة وجيزة، قبل أن ينقضّ الحاكم ويتلاعب بالفتاة الضحية كما الجمهور في القاعة، وكذلك الجمهور–الشعب أمام شاشة الكومبيوتر الذي يصفح كالعادة عن الزعيم ويصدّقه ويتّخذ منه مرجعية دائمة في علاقة مازوشية مثلها مثل اللعبة التي نراها أمامنا في العرض.

مسرحية "حبيبة قلبي انت" في "بيت الفريكة" كانت في عرضها الأربعين، وستستمر في الموسم المقبل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها