الجمعة 2023/05/05

آخر تحديث: 13:54 (بيروت)

رحيل حيدر حيدر...هل كان كارهاً للمدينة ومؤيداً صامتاً للأسد؟

الجمعة 2023/05/05
رحيل حيدر حيدر...هل كان كارهاً للمدينة ومؤيداً صامتاً للأسد؟
الفهد غادرنا إلى ملكوته
increase حجم الخط decrease
رحل الروائي السوري، حيدر حيدر، حسبما أعلن نجله، صاحب دار "ورد" للنشر، عبر صفحته في فايسبوك بالقول: "الفهد غادرنا إلى ملكوته"، في إشارة إلى بطل رواية حيدر "الفهد" (1968)، التي تحولت إلى فيلم سينمائي بالاسم نفسه للمخرج السوري نبيل المالح. ونعته وزارة الثقافة السورية واتحاد الكتاب العرب.
 
حيدر حيدر المولود في العام 1936 في قرية حصين البحر إحدى نواحي مدينة طرطوس الساحلية السورية، بعد اتمام دراسته الإعدادية العام 1951، انتسب إلى معهد المعلمين التربوي في مدينة حلب حيث واصل دراسته وتخرج 1954. وخلال هذه الفترة ظهرت ميوله الأدبية، وبتشجيع من مدرّس اللغة العربية وبعض من الأصدقاء، نُشرت أولى محاولاته القصصية بعنوان "مدارا" في مجلةٍ محليةٍ في مدينة حلب. وكل ما يعرف عن حياته الشخصية يقال إنه مأخوذٌ من كتاباته، فقد سرد أولى صدماته العاطفية، وكان ذلك عن موت أول قصة حبٍ له بعدما رفضه أهل محبوبته، وتواصلت الصدمات في حياته مع استمرارية حياته ومغامرته الأدبية.

كان كتاب "هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه أول ما قرأه. طالعَ كتبًا للعديد من المؤلفين مثل محمود تيمور ويوسف إدريس، وكان معجبًا بنجيب محفوظ واعتبره أبًا للراوية العربية. كان مهتمًا بقراءة الشعر... وفي مطالع الخمسينات كان المناخ السياسي في سوريا مضطرباً، باتجاهات وأفكار وتنظيمات وانقلابات ما بعد الاستقلال. كما بدت الحياة السياسية آنذاك غارقة في الفوضى والاضطراب بعد الهزيمة العسكرية في فلسطين، وبداية تأسيس المشروع الصهيوني، ونشوء الكيان الإسرائيلي. واختار حيدر حيدر التيّار "العروبي-الوحدوي" وانخرط فيه مع بقية رفاقه وزملائه من الطلاب، إلى جانب العمل الدراسي في المعهد.

بعد التخرّج في المعهد وممارسة التدريس لعقد من الزمن، انتقل حيدر حيدر إلى دمشق، وفيها بدأ ينشر قصصاً في الدوريات اليومية والشهرية، وكانت مجلة "الآداب" اللبنانية أبرز المنابر حيث كتب قصصه الأولى التي صدرت في مجموعة "حكايا النورس المهاجر" في العام 1968.

في العام 1970 غادر حيدر دمشق إلى الجزائر ليشارك في "ثورة التعريب" أو "الثورة الثقافية"، كما يسمّيها الجزائريون، وعمل مدرّساً في مدينة عنّابة، في ما واصَل الكتابة والنشر في الدوريّات العربية.

ثم في العام 1974 عاد من الجزائر إلى دمشق، ليستقيل من التعليم ويهاجر إلى لبنان، وفي بيروت كتب أهم روايته، استغرق في كتابة أولى رواياته سبع سنوات، وكانت بعنوان "الزمن المتوحش"، ونشرتها دار العودة في لبنان العام 1973، وهو استوحى مضمون الرواية من تجربته في دمشق ومناخها الثقافي والسياسي. عمل لاحقًا كمصححٍ لغوي، وأضاف هناك مجموعة "الفيضان" القصصية إلى لائحة أعماله التي أصدرها اتحاد الكتّاب الفلسطيني العام 1975.

وليمة لأعشاب البحر
التحق حيدر حيدر بالمقاومة الفلسطينية من خلال الإعلام الفلسطيني الموحد واتحاد الكتّاب الفلسطينيين في بيروت، وتزامن ذلك مع بداية الحرب اللبنانية. وخلال فترة الحرب نُشرت روايةٌ له بعنوان "التموّجات والوعول"، وفُصِلت روايتا "الزمن المتوحش" و"الفهد" عن مجموعة "حكايا النورس المهاجر" ونُشِرتا بشكلٍ مستقل. كما أعادت دار الحقائق في بيروت، طباعة ونشر "حكايا النورس" و"الومض". غادر من بيروت إلى قبرص، وعمل هناك في مجلة "الموقف العربي" الأسبوعيَة في أوائل الثمانينيات، وعاد بعد عامين إلى بيروت بعدما قضى تلك الفترة مسؤولًا عن القسم الثقافي في المجلّة. عاد ثانيةً إلى قبرص ليعمل مسؤولًا عن القسم الثقافي في مجلة "صوت البلاد" الفلسطينية كردّ فعلٍ على إلغاء ورحيل المقاومة الفلسطينية عن بيروت العام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي. وفي العام 1984 نشر أول طبعةٍ لرواية "وليمة لأعشاب البحر/ نشيد الموت" في قبرص، التي تدور أحداثها حول مناضل شيوعي عراقي يهرب إلى الجزائر، ويلتقي بمناضلة قديمة تعيش عصر انهيار الثورة والخراب الذي لحق بالمناضلين هناك، وهي أشهر رواياته من منطلق أن الممنوع مرغوب؟

ففي أحد صباحات العام 1999، استيقظ الوسط الثقافي المصري على مظاهرات عارمة في جامعة الأزهر نتيجة مقالة تحريضية كتبها شخص مجهول لدى المثقفين المصريين، اسمه محمد عباس(اعتبرته بعض الأقلام الإسلامية مفكراً)، حول "وليمة" حيدر بعدما صدرت في طبعة عن سلسلة "آفاق الكتابة" التي كانت تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ويرأس تحريرها آنذاك الروائي والقاص إبراهيم أصلان. والرواية التي لم يقرأها أحد ممن تظاهروا بسببها ورأوا أنها مسيئة للإسلام، وصلتْ قضيتها إلى مجلس الشعب المصري ووصل الأمر لإيقاف كل المسؤولين عن سلسلة "آفاق" مع مطالبة بعزل وزير الثقافة المصري آنذاك الفنان فاروق حسني الذي شكّل لجنة من كبار المثقفين المصريين لكتابة تقرير حول الرواية. كل هذه المعمعة السمجة ساهمت في انتشار الرواية بعشرات الطبعات في المكتبات العربية، وهي التي كانت منسية على مدى سنوات...

انكفاء
حيدر حيدر هاوي الصيد البحري والبري، قبل أن يشفق على جمال الطيور في سنواته الأخيرة ويتخلى عن قتلها، والمترجم الى لغات عالمية عديدة، منذ العام 1985 بعد عودة من أسفاره الطويلة بين دمشق وبيروت والجزائر وقبرص وباريس. كان يسكن في منزله في حصين البحر، وإثر الانكفاء والصمت والموقف الرمادي، كان يتحسر على موقف المثقف العضوي وغيره، وما آلت اليه بلاده في خضم الحرب والاحتلالات المتعدّدة والتمزق الرهيب سواء المثقفين والكتاب وغيرهم. وقال بعض المعارضين إنّ حيدر، كان مؤيداً صامتاً للنظام. وهو يقول إنه شارك في الاعتراض السلمي على النظام، ونقلت عنه أحدى الصحف ما مفاده أنه "هزمت آمالنا وبتنا نعيش في النوستالجيا".
وككل مثقف سوري يتوفى في هذه المرحلة، يكون موضع جدل عقيم بين مؤيد ومعارض، بين من يعتبره عبقري زمانه وصاحب الرواية "الملحمة" والثوري والمتمرّد، وبين مَن يشير إلى "طائفية متجذرة" في سطور رواياته وهو المنادي بدولة علمانية قبل كل شيء...

فكتب الصحافي طارق علي:
"فقدت الرواية العربية اليوم واحداً من أعظم وأجمل الروائيين والحكائين عبر مسيرتها الطويلة. كتب روايات أغضبت الظلاميين من رجال الدين، والمثقفين المزيفين، وكتب قصصاً قصيرة. وكان من أكثر المحرضين علي التمرد وحرية الفكر وكسر أغلال العقل العربي. هو الروائي السوري حيدر حيدر... لك المجد وأنت هناك في ملكوت الله الواسع تنعم بالحرية الأبدية.

ونشر الكاتب محمد منصور في فايسبوكه تعليقاً يقول:
"رحل الكاتب الأكثر طائفية ووضوحاً بين كتاب طائفته، فقد كان صادقاً في التعبير عن مشاعره الطائفية وعن فاشيته، لم يخفها كما فعل غيره، ولهذا عندما كتب روايته "الزمن الموحش" عن دمشق وذكرياته فيها، ونشرها العام 1973، لم يُخفِ إحساسه الطائفي بالنشوة والظفر فكتب في السطور الأولى للرواية: "ها هم قادمون من الجبال والسهول باتجاه المدن، في عيونهم غضب، وعلى جباههم غبار ومجد منتظر، في الرياح تخفق راياتهم وأصواتهم الجليلة تملأ سمع العالم، تحتهم ترتعش الأرض ونفوسهم مفعمة بالآمال والغبطة. يخطى واثقة كما يتقدم موجب غضب نحو شواطئ مجهولة يتقدمون. لواء فرحهم معقود وأنا حاديهم، ومعنا مسرة وبنادق، كتب وسجلات فقر، زحفا باتجاه المدن التي سقطت تحت ضربات الطلائع الأولى"، يضيف منصور: "أعجبتني الحقيقية عبارة "كتب وسجلات فقر"، ذكرتني بعبارة كاشفة وضعها الروائي فواز حداد على لسان أحد ضباط المخابرات العلويين في رواية "السوريين الأعداء" حين قال: "حتى الفقر انتزعناه منهم. لم يجرِ الاعتراف إلا بفقرائنا، كأن لا فقراء سوانا". ويقول منصور "ليست مشكلة حيدر حيدر فقط موقفه من الثورة فقط، بل أدبه الطائفي الذي تم التسويق له باعتباره من نفائس الأدب السوري المعاصر. فروايته "وليمة لأعشاب البحر" رغم جمالياتها اللغوية العالية التي لا ينكرها إلا جاهل بتقييم الأدب، ورغم قوة السرد فيها، تفيض بالتجديف والافتراء على الإسلام، والاعتداء على عقائد يقول خطاب كراهيته المعلن أنها ليس دينه ولا تمثله. وأذكر أنه عندما وضع نبيل صالح، حيدر حيدر، ضمن أهم شخصية في تاريخ سوريا في موسوعته (رواية اسمها سورية) التي شارك في الكتابة عن شخصياتها عدد من الكتاب، قال لي الراحل ميشيل كيلو بعد خروجه من السجن واطلاعه على الكتاب: "رواية وليمة لأعشاب البحر، شو فيها غير السبّ على الإسلام؟".



وينقل الكاتب منصور المنصور في فايسبوكه:
"بداية رحم الله الكاتب الروائي حيدر حيدر، فبرحيله فقد الأدب السوري روائياً أغنت كتبه المكتبة الأدبية، ولكن لي ملاحظات هي قديمة، لكن يصادف أن أقولها اليوم.... "وليمة لأعشاب البحر" هي رواية لغة بالدرجة الأولى والاخيرة. فيها استعرض حيدر حيدر لغته الشعرية الرفيعة لدرجة أنها يمكن أن تكون قصيدة شعر. فهي نص نثري بامتياز، اللغة فيها متوترة ومشحونة إلى أقصى حد بالمعنى. أما شهرتها وشهرة كاتبها حيدر حيدر، فتعود إلى غباء تيار الإسلام السياسي، هو الغباء نفسه المستحكم الذي حوّل الثورات إلى مجرد عصيانات مسلحة تبغي تطبيق الإسلام بنسخته العنيفة. هذا الغباء الذي يجعل المجرمين والطغاة، في ذهن العالم، علمانيين مدافعين عن الدولة بمفهومها الحديث. لولا هذا الغباء لبقي حيدر حيدر روائياً محلياً، وما سمع به الا حفنة من السوريين العاشقين للغة النثرية الرفيعة". 

ويتابع: "حيدر حيدر ومجموعة من الكتاب والروائيين (الريفيين، مثل حنا مينه، نبيل سليمان... ) كرسوا جل اعمالهم للانتقام من المدينة. قسموا العالم الى فسطاطين، ريفي ومديني. ريفي رمز النقاء والطهارة والفحولة والوطنية والعدالة الاشتراكية، والمدينة رمز النفعية والانتهازية والمساومة حتى على الشرف. المدينة هي التاجر بما يحمل من سلوكيات ومواصفات سلبية في ذهن ابن الريف. التاجر الذي لا يحمل قيماً وهمّه الربح، ابن سوق يساوم على كل شيء. يأتي البطل، في روايات حيدر حيدر وآخرين، ابن الريف غازياً دمشق، عبر نسائها، هاتكاً أعراضها بفحولته الريفية التي لا يمتلكها ابن المدينة، الذي هو على العموم مخصيّ (رواية "الزمن الموحش" خير مثال على ما أقول). أما حنا مينه، فالكثير من رواياته ينحو هذا المنحى. في أعمال هؤلاء الكتاب يبدو ابن الريف هو ابن السهول والجبال، ابن الحرية لأنه ابن الطبيعة، الساعي لإقامة العدل في مجتمع موبوء (المدينة) جل ابنائه يعملون على استغلال البشر لمراكمة الثروات. ابن المدينة هو ابن علب الكبريت والشوارع المنتهية والهواء المتسخ والعفونة في البيوت المظلمة، على عكس بيوت الريفييين المفتوحة على الهواء الطلق، هو ابن الابرة (مصطلح استخدمه حينا مينا في رواية "الياطر") النعنوع الطري، مقابل ابن الريف الخشن القاسي الذي اختبرته الحيااة وظروف  العيش المضنية وصقلته وجعلت منه رجلا بالمعنى الاجتماعي والذكوري.

يضيف منصور: "على الصعيد الايديولوجي، ابن الريف هو ابن العدالة الاجتماعية يسعى الى تحقيق الاشتراكية. البطل هنا يقدس الفقير والفقير ويرفعه الى مستوى النبي المبشر بعالم افضل. غالبية روايات الستينات والسبعينات والثمانيات، لكتّاب ذوي توجه ماركسي، قدسوا الفقر وقيمه، ودانوا الغنى بأشد العبارات الأخلاقية والاجتماعية. فالاشتراكية في مفهومهم تفقير المجتمع وجعله متساوياً بالفقر، بدلاً من القضاء على الفقر وجعل جميع البشر متساوين بالغنى والرفاهية.
هذه عجالة فايسبوكية تحتاج الى تعميق اكثر".

أما الراحل حيدر حيدر، فقال ذات مرة في حوار صحافي:
"الطبيعة هي أُمّي، وانتمائي لها يعود ربما إلى نشأتي الريفية، إلى الأرض التي خبرتُ شِعابها، والبحر الذي آنستُ كائناته وغضب أمواجه. أنا صياد بطبيعتي، عشتُ حياتي في الصيد البري والبحري، علاقتي بالطبيعة علاقة عضوية، ومع البحر تحديداً، فبعد عودتي من المنفى عشتُ عشرين عاماً أصيد سمكاً في جزيرة النمل قبالة شاطئ طرطوس. الطبيعة جزء من حياتي مثلها مثل الكتابة والقراءة. فمثلما لا أستطيع النوم قبل ساعتين من القراءة، أيضاً لا أستطيع العيش من دون صيد، بعكس علاقتي مع المدن التي تسودها الضوضاء والعلاقات الإنسانية المزيفة. إنني شخص عفوي لا أحب الأشياء المصطنعة المعقدة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها