الأحد 2023/05/21

آخر تحديث: 17:59 (بيروت)

صيدا وذاكرة المايوه... وفدرلة الجسد

الأحد 2023/05/21
صيدا وذاكرة المايوه... وفدرلة الجسد
إعلان ترويجي لمدينة صيدا برعاية وزارة السياحة وطيران الشرق الأوسط - ١٩٧٠
increase حجم الخط decrease
قد يكون من باب المصادفة أني في المرة الأولى التي نزلتُ من البلدة الجردية النائية، إلى الساحل اللبناني في ذلك اليوم الحار من حزيران أو تموز عام 1990، أول ما حطت قدمي كان على مسبح يسمى "المسبح الذهبي" في الرميلة، أريد شخصاً يعمل حارساً هناك، سيدلني على وجهتي المقصودة في الرميلة نفسها، صودف أن الشخص كان عند مرأب السيارات، ودلني إلى المدرسة الضخمة التي كان يحتلها ويفتك بها رهط من الرفاق... ولكن، أنا الجردي، بقيت لوقت، قبل أن اسلك طريقي، أقف بين أشجار الغوافة، شارداً أتأمل نساء البكيني في مشهد يبدو ساحراً وخارقا في ذلك الوقت، كأني لم أكن أشبع من وليمة بصرية جسدية لم أعتد عليها، ولم أر مثلها من قبل، كان ذلك قبل انتشار الدش، وبالطبع قبل الانترنت...

في المدرسة الثكنة حيث رفاق الأمس، ونحن نطل على مدينة صيدا، كان الحديث أكثر من مرة عن التزمّت في أروقة المدينة، ليس تزمّت أهلها بل تزمّت بعض الأحزاب والميليشيات التي تسيطر عليها، وتريد أن تصبغها بطابعها... قال الرفاق أن اثنين منهم ذهبا في رمضان للتسكع، وأشعلا السجائر فتعرضا لاطلاق النار في اقدامهما، في تلك الأيام كانت الجماعة الاسلامية وجماعات اخرى تمارس نوعاً من حملات "النهي عن المنكر"، لهذا صارت صورة صيدا في مخيلتي عنوانا للتزمت والنقاب...

بعد أيام على حضوري في المدرسة الثكنة، نزلت برفقة مجموعة من "الرفاق" من أبناء تلك البلدة الجردية، إلى "المسبح الذهبي"، محطتي الأولى في رحلتي على الساحل، وصادف تواجد فتاة من البلدة الجردية، لم تكن ترتدي المايوه كالأخريات، ولكن أظهرت ظهرها مع شورت قصير، المهم أنها شعرت بخجل عارم حين رأتنا هناك، ربما، لم تكن تتوقع هي الآتية لممارسة شي من حريتها، أن تلتقي بعضاً من ابناء بلدتها، الذين بدورهم صار لديهم جموح للبصبصة عليها. كأن العري الذي نعرف صاحبه له معنى آخر، أكثر قوة و"حميمية" من عري الغرباء، أو كأن النساء الغريبات يصير عريهن ثياباً أخرى...

دارت الأيام دورتها، ومرت سنوات، وعدتً سكنت في منطقة قريبة من صيدا، ولمدة بقيت صورة المدينة في رأسي عنواناً للتزمت والانغلاق والتقوقع والنقاب واللحى الطويلة، وربما أرادها بعضهم أن تكون على هذه الصورة لغايات بائسة لكن في يومياتها ليست اسيرة لأحد، في المرات القليلة التي جربتُ النزول الى شاطئ صيدا والرميلة (الشعبي)، شعرتُ أنها أمكنة غير صالحة وغير مؤهلة للسباحة لا بمايوه ولا بشورت ولا بالثياب، فهي أشبه بأمكنة مهجورة ومحكومة بفوضى حتى وان كانت بلدية صيدا تهتم قليلا بالشاطئ الشعبي، لكن الشاطىء بالعموم يبدو مرتفعا للصرف الصحي والنفايات والقاذورات، والأشكال ألوان ولا يبعث الطمأنينة.

في تجوالي في المدينة، التي بتّ انجذب إليها أكثر من بيروت، كنت أنتبه كيف أن مدينة ساحلية يمكن أن تصبح، إذ ما اشتُغل عليها، "لؤلؤة الشرق"، فهي تضم آثاراً من فترات وحضارات مختلفة(صليبية وفينيقية وعثمانية...)، وسوقا وخانات، كيف لا تنافس جبيل، وكيف لا تقام فيها مشاريع لجذب الناس والسياح... المؤسف أنها تنام مع الغروب، وبالكاد تجد فيها مقاهي الاركيلة، وتخلو من أي مسبح يليق برواده، ويغلب على واجهتها جبل النفايات ومشاريع غير مكتملة وبنية تحتية متصدّعة وشاطي رملي مفتوح على ذكوريات وفوضى. 

أحسب أن قضية المايوه في صيدا هي جزء من أزمات متكررة ومستأنفة في لبنان، والأمر يتعلق بسطوة الجماعات على الأمكنة والفضاء العام، في منطقة أُحرق فيها محل كوافير لأن صاحبه قدم عرضاً راقصاً، وفي مناطق أخرى مُنعت المحجبات من دخول المسابح لمجرد أنهن محجبات، وفي مناطق لاسباب طبقية مُنعت الخادمات... وهؤلاء الذين يمنعون المايوه الآن في صيدا، هم أنفسهم دافعوا عن حضور مناصري أحمد الأسير في رحلته إلى ثلوج كفرذبيان، يوم اعترض عليه بعض أبناء تلك المنطقة. فهل هي فدرلة الجسد؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها