الإثنين 2023/04/03

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

رحيل عايدة مطرجي إدريس: أُمّ "الآداب"...ومُترجمة دي بوفوار وسارتر

الإثنين 2023/04/03
رحيل عايدة مطرجي إدريس: أُمّ "الآداب"...ومُترجمة دي بوفوار وسارتر
كان ابنها الراحل سماح ادريس قد كتب عنها: رأت ذاتَها وطموحاتِها في كلّ كتابٍ يَصدر عن دار الآداب
increase حجم الخط decrease
نعت دار الآداب الأديبة والمترجمة عايدة مطرجي إدريس(1934)، مديرة مجلة دار الآداب. اشتهرت مع زوجها سهيل إدريس في مجال الترجمة، حيث نقلت إلى العربية عدداً من أعمال الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر والكاتبة النسوية سيمون دي بوفوار والروائي ألبير كامو، كتبت عدداً من القصص القصيرة التي نُشرت في مجلة الآداب، وبعدها أصدرت مجموعتها القصصية "الذين لا يبكون" في العام 1966.

وأصدرت الدار، العام 1964، رواية "قوة الأشياء" لسيمون دي بوفوار، وهي أولى ترجمات عايدة، وبعد عامين ترجمت عمل جان بول سارتر "عاصفة على السكر"، ومن ثم رواية "الصور الجميلة" لسيمون دي بوفوار العام 1966، و"الغريب وقصص أخرى" لألبير كامو العام 2008، و"البحار الذي لفظه البحر" للروائي الياباني يوكو ميشيما العام 2010، و"الموت السعيد" لكامو في العام 2014.

ساهمت عايدة مع زوجها في أعمال دار الآداب ومجلتها، وكان لها دورها الملموس في قاموس المنهل الذي ألفه سهيل إدريس.

وفي العام 2018 كتب عنها ابنها الراحل سماح إدريس مقال وجدانياً في مجلة الآداب بعنوان "عايدة مطرجي إدريس: حين تُنجب الأمُّ ثقافةً" قال فيه: "عايدة مطرجي، قبل أن تتزوّج سهيل إدريس وتصبح أمّي، كانت طالبةً جامعيّةً واعدةً في مادّة الفلسفة، وشابّةً متوقّدةَ الذكاء كما تقول أخواتُها وإخوتها. ثم تزوّجتْ من سهيل إدريس، فأصبحت الدعامةَ الأولى والمدماكَ الأساسَ لمؤسّسة الآداب ــــ دارًا، ومجلةً، وترجمةً، وتحريرًا، ومراجعةً، وإعدادَ قواميس(...)

يبدأ يومُ عايدة، قبل أن يبدأ يومُ غالبيّةِ الناس: بالثقافة. ويُختتمُ يومُها بالثقافة أيضًا. كذا كان دأبها منذ العام 1956، حين التقت سهيل إدريس وتزوّجتْه، بتشجيعٍ وتوصيةٍ ــــ ويا لَلْمفارقة اللاذعة ــــ ممّن سيصبح ألدَّ أعداءِ سهيل والآداب والقوميّةِ العربيّة، عنيْتُ الشاعر سعيد عقل، ابنَ زحلة حيث كانت عايدة تعيش في كنفِ أمِّها وأبيها (مفتي البقاع).

يبدأ يومُ عايدة، قبل أن يبدأ يومُ غالبيّةِ الناس: بالثقافة. ويُختتمُ يومُها بالثقافة أيضًا.

(...) بعد أن تهيّئ عايدة نفسَها للذهاب إلى مكاتب دار الآداب، لا تنسى أنّها ــــ بالتوازي مع كونها فاعلةً ثقافيّةً عربيّةً نادرةً ــــ أمٌّ لـ"أطفالٍ" ثلاثة، مع أنّها اليومَ تجاوزتِ الثمانين وتجاوزوا الخمسين. تذهب إلى المطبخ، وتفتح البرّادَ والخزائن، فتسحبُ منها ما لذّ وطاب ممّا سيأكلُه أولادُها، وخصوصًا أنا، في المكتب، عمّا قليل: لبنة، جبنة، بندورة، زيتون، خيار، بيْض، زعتر،... تضع مفاتيحَ دار الآداب في جزدانها الكبير، وتتوجّه مع السائق.

تفتح بوّابةَ دارَ الآداب. وخلال دقائق، تبدأ عايدة مطرجي إدريس في تشغيلِ أحدِ أهمّ مَعامل الثقافة العربيّة المناضلة منذ أوائل خمسينيّات القرن المنصرم.

توزِّع عايدة المهامَّ على الجميع: المنضِّدة، والسائق، وعاملةِ المنزل، وتسأل عمّا سنفعلُه اليوم، أنا ورائدة ورنا. ثم تجلس وتبدأ التدقيقَ، والتصحيحَ، والقراءةَ، وإبداءَ الرأي في المخطوطات، والترجمة. (...)

"وأتخيّلها، وهي عاكفةٌ على الكلمات المتقاطعة، تنتفض فجأةً لتسألَ نفسَها: هل أكل الأولادُ هذا الصباح وفورًا تأتينا إلى غرف كلِّ واحدٍ منّا في الدار، على الرغم من مشيتها التي تزداد بطئًا مع الزمن، حاملةً معها ما جلبتْه من مطبخ بيتها. فتتحوّل مكاتبُنا إلى كشكولٍ من الطعام واللغة والأدب: لبنةٌ بقاعيّةٌ قرب لسان العرب، وبندورةٌ جبليّةٌ إلى جانب محيط المحيط، وزيتونٌ أسود وأخضر مُحاذٍ لشافاك وواسيني وفيرّانتي. وبين الفيْنة والفيْنة تمرّ على طاولاتنا، واحدةً واحدةً، فتُلقي عليها ما تيسّر من فستقٍ وراحةِ حلقومٍ وشوكولاطة... هذا إذا لم تتوفّر لديها البضاعةُ ذاتُ العيار الأثقل: من كاجو، وبندقٍ، ورمّانٍ، وفريز.

بعد أن تَضْمنَ عايدة غذاءَ "أطفالها،" تعودُ إلى الثقافة من جديد. وعايدة، لمن لا يعرفها، واعذروني لاستخدام كلمةٍ بذيئة، هي "ملكةُ البعبصة" كما نسمّيها في دار الآداب. فهي أحيانًا تَعْثر على الأخطاء الطباعيّة واللغويّة التي لا يَعْثر عليها أكبرُ مصحِّحٍ في الكون، وذلك لأنّها تَهجس بالدقّة حدَّ الوسوسة. ولكنّها، لفرطِ ما قرأتْ وسمعتْ من أخطاءٍ في الإعلام والجرائد، باتت تشكِّكُ في صحّةِ كلِّ شيء. ولذا تعود إليّ كلَّ عشر دقائق: سماح، بتقول حتى إنّ، أو حتى أنّ؟... ليك سمّوحة، الهمزة وين بتحطّها بهالكلمة؟... ليك بدّي اسألك شغلة: بيقولوا خمس عشرة مقالةً أو خمسة عشر مقالًا؟. ولا تنسى أن تلومَني بين سؤالٍ لغويّ وآخر: ليش ما أكلت هالفستقاية؟... ولك كفّيها لعروس ها اللبنة. رح تضلّك لآخر الليل بلا آكل.

كثيرون يقولون إنّ عايدة ضحّت بموهبتِها كي تكونَ جهازَ دعمٍ وإسنادٍ لمؤسّسة الآداب، من كبيرها (سهيل) إلى أصغرها (سماح). لكنّ عايدة لا تفكِّر كذلك؛ فهي تَعتبر أنّ الأساسَ هو المشروع: المجلّة، الدار، القاموس، المؤسَّسة، الثقافة العربيّة. بعضُ النسويّات قد يعتقدن أنّها تنازلتْ عن طموحاتِها ومواهبِها وذكائها (الخارق) كي تساعدَ عائلتَها. ولكنّ عايدة لا تَعدُّ ذلك صحيحًا لأنّها ترى ذاتَها وطموحاتِها في كلّ كتابٍ يَصدر عن دار الآداب (بإشرافها المباشر)، وفي كلّ عددٍ يَصدر من مجلة الآداب (بإشرافي شخصيًّا)، وفي كلّ حرفٍ يُنجَز من قاموسنا العتيد (بإشرافنا جميعًا)".



وكتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج في رثائها: "وداعاً أمّنا العظيمة عايدة مطرجي إدريس. يكفي أنك أسست الدار العظيمة: دار الآداب التي ما تزال، في هذا الزمن الصعب، مرجعنا الكبير للأدب الرفيع، برفقة رفيق دربك الحياتي والثقافي المرحوم سهيل إدريس. يكفي أنك كنت وراء تأسيس مجلة «الآداب» التي قاومت ثقافة الموت مقترحة ثقافة تنويرية حقيقية. يكفي أنك كنت وراء ترجمة الفلسفة الوجودية من خلال أقطابها سارتر وألبير كامي. يكفي أنك كنت أمّ جميع الكتاب ولم تكوني مجرد ناشرة. لروحك الرحمة والسلام. سنفتقدك كثيرا. من ترك رنا، رائدة والغالي المرحوم سماح، لم يمت أبداً. السلام والرحمة لروحها. عزائي الصادق للعائلة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها