الأربعاء 2023/02/22

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

"بوابة الإنطلاق 3" لماجدة شعبان.. كيف لي أن أرحل؟

الأربعاء 2023/02/22
increase حجم الخط decrease
دعت Rebirth Beirut بالتعاون مع The Gallerist إلى حضور معرض ماجدة شعبان، المعنون Departure Gate 3(*). المعرض الفردي الحالي هو السابع من حيث العدد للفنانة، وهو يضم أعمالاً مختلفة المقاسات، موزعة بين كبيرة ومتوسطة، ومشغولة جميعها بتقنية الأكريليك.

أول ما يُثير الإنتباه هو العنوان الذي اختارته الفنانة لمعرضها: "بوابة الإنطلاق 3"، الذي هو أشبه بلافتة نراها في المطارات، وتشير إلى البوابة التي على المسافر اجتيازها في الذهاب إلى وجهته، بعدما كان وضّب حقائبه، وودّع من أراد توديعه. تلك حال ماجدة شعبان، التي وضّبت: "كتبي، جورنال بيروت القديم، خربشات مخباية في دفتر التلوين، لعبتي الصغيرة، قناطر البيت العتيق، علم محيّك على الإيد، شوية مونة.. وكعك بزعتر"، كما تقول.


العنوان يُعبر، إذاً، عن المضمون، وهو يُلخص اللحظة التي ستأتي تتويجاً لكل ما تم ذكره، بحسب ما يقتضيه التسلسل المنطقي للحوادث والمجريات. حشدت شعبان أغراضها كلّها، أو ما هو ضروري منها بالنسبة لها، ضمن اللوحات التي يتضمّنها المعرض. لكن المضمون استوعب أيضاً أشياء أخرى كثيرة، القديم منها والجديد، تبعاً لما يشير تاريخ إنتاجها وإستعمالها: أشرطة الكاسيت التي قد نحتفظ بها في الوقت الحاضر كشاهد على اقتنائنا لأجهزة لم تعد قيد الإستعمال. الأسطوانات الموسيقية البلاستيكية التي لا تحافظ على نوعيّة الصوت بعد فترة من الإستعمال، وتطلق خشخشة تميز عادة الأسطوانات القديمة. العربة العتيقة المحمّلة أشياء من كل صنف، ومن بينها أرزة خشبية من تلك التي تُباع كتذكار في حضرة الأرزة الحقيقية، لمن شاء من زوار الموقع. الشاحنة، الحاملة عبارة "حلو الرواق"، و"محروسة من العين"، التي تُرى حمولتها من الخلف، تتكدّس فيها أيضاً أشياء كثيرة، ومن ضمنها قارورة غاز والعلم الوطني وحقائب. هذه الحقائب تتكرّر تقريباً في كل لوحة، أدوات الاستعداد للرحيل، ولا نعلم إلى أين.

لكن الرحلة الموعودة، التي خطرت في البال، لم تتم، بالرغم من النوايا والتحضيرات الكثيرة. تقول شعبان: "من كثرة الحنين، وأواني الذكريات، وعبق المدينة.. أبت الحقيبة أن تُقفل... كيف لي أن أرحل؟". وكما هي حالنا جميعاً، نحن الذين نواجه تحدّيات الواقع  بالجملة، ونشهد على تفاقم الألم اليومي، يخطر في بالنا "الهروب" إلى أمكنة أخرى. لكننا، في الوقت نفسه، لا نجد طريقاً إلى ذلك، ولكل منا أسبابه. موانع مغادرة شعبان هذه الأرض تبدأ من العلاقة القائمة معها، المتراكمة فصولها على مر السنين، ولا تنتهي عند الرهبة من وحشة الغربة، والغموض الذي يلف مجرياتها. هكذا، يروي المعرض، الذي نحن في صدده، قصة ذاتية، لكنها، في الآن نفسه، ذات طابع جماعي. ينزع الأفراد، في هذا الظرف بالذات، إلى البحث عن حياة أفضل، ولا تنطبق هذه النزعة على طبقة سياسية تتمسك بمناصبها وتمسك برقاب الناس، وهي الطبقة التي حصدت الغنائم، بعدما نهبت كل ما وقع بين أيديها. جشع ما بعده جشع، وقاحة تتعدّى الخيال، وجلود سميكة غير قابلة للإختراق.



تعتمد الفنانة أسلوباً مبسّطاً، يغلب عليه الطابع الغرافيكي، ويلجأ إلى اللون عند الحاجة بدرجات متفاوتة. يقترب الأسلوب في بعض المواضع من تقنيات الكاريكاتير، الهادف إلى إيصال الفكرة من دون اللجوء إلى تقنيات معقدة، أو طرق مواربة تحتاج إلى تفسير قد لا يجد المتلقي طريقاً سهلاً إليه. الرواية واقعية في حوادثها، وواقعية، نسبياً، في الأساليب المتبعة الآيلة إلى التعبير عنها. الرسوم التي نفّذتها شعبان قد تعيدنا، من حيث الشكل، إلى القصص المصوّرة التي لطالما تعلّقنا بها، أو إلى التخطيطات المرافقة للنصوص illustrations، وهي تؤدي بأمانة الهدف المطلوب منها، من دون أن يخلو الأمر من بعض الرموز التي تمنح المضمون نكهة خاصة.


(*) يستمر المعرض حتى 24 شباط الجاري في Rebirth Beirut Space، بناية وقف الروم، الجميزة- بيروت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها