الإثنين 2023/11/20

آخر تحديث: 13:49 (بيروت)

الحرب على غزة...وبوتين ومارين لوبان

الإثنين 2023/11/20
الحرب على غزة...وبوتين ومارين لوبان
نجمة داود على منزل في باريس
increase حجم الخط decrease
التلاعب الروسي بتداعيات حرب غزة، في فرنسا، يستحق وقفة مطولة، لما له من أهداف ونتائج بعيدة المدى. والأمر الذي يدعو للاستغراب هو أن البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية حول التدخل الروسي في الأوضاع الداخلية، لم يتم تناوله، كما يستحق، في الإعلام، أو البناء على ما جاء فيه من وقائع تشير إلى دور الأجهزة الروسية في نشر صور نجمة داود السداسية، في شوارع بعض المدن الفرنسية، على بيوت وأماكن عبادة يهودية. وهو أمر أثار ردود أفعال واسعة سياسية وإعلامية، بالنظر إلى ما يتجاوز الرمز المباشر للنجمة إلى إسرائيل.

ومن دون تحقيق رسمي في العملية، جرى نسبها إلى العرب والمسلمين، في سياق اتهامات باعتداءات ضد الجالية اليهودية، وأماكن العبادة الخاصة بها، وهي حسب احصائيات وزارة الداخلية، قاربت الخمسمئة، لكن الإعلام يجمل معها، ما قبل السابع من اكتوبر، ولا ينوه إلى ذلك، فيتضخم الرقم ثلاث مرات. ومن بينها، حظي نشر النجمة بكثافة في العالمين الواقعي والافتراضي، بالقدر الكبير من ردود الأفعال والأضواء الإعلامية، وتصريحات الأوساط السياسية المؤيدة لإسرائيل، وذلك لما للعملية من مغزى وهو "التعليم" على اليهود، وفي ذلك إحالة إلى سابقة حصلت في الحرب العالمية الثانية، خلال "حكومة فيشي" التي تعاونت مع النازية، وأرسلت اليهود إلى أفران الغاز ومعسكرات الاعتقال، ومنها سيئ الذِّكر "اوشفيتز". وفي ذلك الوقت جرى وسم منازل اليهود بالشعار نفسه، نجمة داود باللون الأصفر، من أجل تمييزهم، ليسهل التنكيل بهم، وبهذا المعنى جرى ربط الرسالة المقصودة اليوم، بمعناها البعيد، ما أعاد للأذهان صوراً وذكريات من الماضي السيء الذي تعرض له اليهود.

وبعد مرور أكثر من اسبوعين على نشر نجمة داود، والبلبلة التي أثارتها في الأوساط اليهودية والإسلامية، وعلى مستوى الشارع الفرنسي الذي نظر إليها باستهجان، توصلت التحقيقات الرسمية إلى الجناة الفعليين، الذين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالجالية الإسلامية، وإنما بالسلطات الروسية. وأعلنت السلطات الأمنية الفرنسية، القبض على زوجين، يتحدران من مولدوفيا، ويقيمان بشكل غير قانوني في فرنسا، وأفضت التحقيقات إلى علاقة بينهما ورجل أعمال مولدوفي، معروف بآرائه الموالية لروسيا. ولم ينكر خلال حديث مع وسيلة إعلامية فرنسية، علاقته بالقضية، وأكد أنه قام بذلك بالتنسيق مع منظمة يهودية، وأن الفعل كان بهدف دعم يهود فرنسا، وأوروبا بعد هجمات السابع من تشرين الأول.

وكان للأمر أن ينطلي على البعض، لو لم تعلن وزارة الخارجية الفرنسية عن تدخل روسي للغرض نفسه في وسائل التواصل، وجاء البيان الذي صدر عنها واضحاً وصريحاً في توجيه الإتهام إلى روسيا. ودانت الخارجية الفرنسية "بشدة" دور شبكة روسية في "التضخيم المصطنع"، كونها كانت "أول من نشر في شبكات التواصل الاجتماعي صوراً لعلامات تمثل نجمة داود" في باريس، واعتبر البيان أن "هذه العملية الجديدة للتدخل الرقمي الروسي ضد فرنسا، تشهد على استمرار الاستراتيجية الانتهازية، وغير المسؤولة، الرامية إلى استغلال الأزمات الدولية، لنشر البلبلة، وتأجيج التوتر". وجرت الإشارة إلى شبكة إعلامية شهيرة تسمى "RRN"، مرتبطة بروسيا، نشرت أخبار تلك الكتابات أو الرسوم بشكل واسع في تويتر وفايسبوك.

رغم الكشف الرسمي عن المدبر الفعلي للعملية، بقيت الحملة الإعلامية والسياسية مستمرة ضد الجاليات العربية والإسلامية، وعلى هذا الأساس جرى تنظيم تظاهرات في مدن فرنسية عديدة، يوم الثاني عشر من الشهر الجاري، تحت شعار "من أجل الجمهورية، ضد العداء للسامية". وجاء في الدعوة التي صدرت عن رئيس مجلس الشيوخ ورئيسة البرلمان، أن "الإسلاموية هي المسؤولة عن معاداة السامية"، وهذا تطور جديد على المستوى الرسمي. في السابق كانت "معاداة السامية" شكلاً من أشكال العنصرية، ويجري ربطها بـ"الإسلاموفوبيا"، من حيث كونهما يصدران عن فاعل واحد، وهو اليمين العنصري المتطرف. والجديد هو رفع التهمة عن اليمين المتطرف، وإلصاقها بـ"الإسلاموية". وتؤكد تداعيات الحرب على غزة أن هناك محاولات لرفع الإسلام إلى مصاف العدو الأول، ولذلك راجت مقولة "حرب الحضارات" من جديد.

ثمة سؤال يلح في طرح نفسه، حول مصلحة روسيا في عمل من هذا القبيل، هو على درجة عالية من الخطورة؟

يمكن ايجاد اجابات جاهزة كإثارة البلبلة الآنية في دولة غربية، والانتهازية في استغلال الأوضاع المتوترة، وتأجيجها لإبعاد التركيز عن حرب روسيا على أوكرانيا، وهناك أمثلة سابقة، كقضية حرق نسخة من المصحف في السويد. غير أن هدف روسيا البعيد من لعب ورقة "معادة السامية"، هو تعزيز وضع اليمين المتطرف في أوروبا، والذي لا يخفي علاقاته مع موسكو، وسبق لرموزه الكبار أن تقاطروا إلى الكرملين قبل الحرب على أوكرانيا، كما هو حال مارين لوبان، وريثة حزب "الجبهة الوطنية" من والدها جان ماري لوبان، الذي سبق، ودانه القضاء الفرنسي ست مرات بتهمة "معادة السامية". ومن المعروف أن هاجس ماري هو رمي عباءة الوالد عن ظهرها، وارتداء واحدة جديدة، ولذلك غيرت اسم الحزب، فصار "التجمع الوطني"، وهي لا توفر مناسبة للتبرؤ من الماضي النازي.

يستفيد حزب مارين لوبان من وضع الاسلام في موقع "معاداة السامية"، بكسب الصوت اليهودي في الاستحقاقات الانتخابية من جهة، ومن جهة ثانية تجييش قطاع من الرأي العام المعادي للهجرة كي ينحاز إليها انتخابياً. وكلما تقدمت على هذا الصعيد، كلما استفاد صديقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سبق لها أن استدانت من أحد مصارفه مبلغاً بقيمة 9 ملايين يورو في العام 2014 من أجل تمويل حملة انتخابية محلية، وراوح موقفها طيلة حرب أوكرانيا على الدعوه للحوار مع روسيا، على اعتبار أنها "قوة عظمى ولن تختفي عن الخريطة". وهذا يكفي بوتين في هذه المرحلة، على أمل أن يتطور هذا الموقف، عندما تتمكن أكثر، وهو يراهن على فوز لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة العام 2027، وهذا لم يعد مستبعداً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها