قبل أسبوعين، دعا النظام المصري إلى مظاهرات حاشدة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، وطالب الرئيس السيسي الشعب بتفويضه للدفاع عن أمن مصر القومي (وكأنها ليست إحدى مهام وظيفته)، وخرج المواطنون من كل مسجد عقب صلاة الجمعة قبل الماضية يهتفون ضد دولة الاحتلال ويبايعون الرئيس. وحينما حاد بعضهم عن النص، ووصل إلى ميدان التحرير، لاحقتهم الشرطة. ولما قرروا من تلقاء أنفسهم، ومن دون دعوة رسمية، معاودة التظاهرة يوم الجمعة الفائت، لاحقتهم الشرطة أيضاً.
فرّغت سرديات النظام، القضية الفلسطينية، من مضمونها، إلا عنوانها الرئيس، أن الشعب الفلسطيني يعاني، وأن أولى القِبلَتين وثاني الحرَمين يدنسه اليهود الذين "لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر"(2)، وأنه مهما طال الزمان فلا بد لدولة اليهود أن تنهزم في حرب أبوكاليبسية سينطق فيها "الحجر والشجر يقول للمسلم: يا عبدالله، تعال هذا يهودي تعال فاقتله"(3).
هل فكك الفن تلك السردية؟ هل خرج عنها أي من رسامي الكاريكاتير في معرض "غزة في قلوبنا" -طالما كان ذلك العرض هو محفز الكتابة- وغيرهم من أصحاب الدوريات الثابتة في الصحف؟ ليس ثمة صورة واحدة تقول شيئًا آخر: الحمامة والعلم ومصاصو دماء الأطفال والعالم ذو المؤخرة العارية.
إن اللغة مهما بدت راسخة، يسودها الناطقون بها، يكسرون قواعدها ويعيدون بناءها من جديد كفعل يومي. بينما يُعَدّ من يخرج على قواعد العربية ويسعى لخلق نص جديد، تجريبياً رائداً، وهي مفارقة لا تكشف سوى فداحة الاستبداد الذي يعانيه الناطقون بها، وتزيد من وطأتها، أن تنقذ القواعد النحوية الراسخة، في قصيدة نزار قباني، القضية من مجاز قاتم، ولا ينقذه المعنيون بالخروج عليها.
_______________
(1) لازمة حوارية لشخصية المواطن السكير، من فيلم "ناجي العلي"، إخراج عاطف الطيب وتأليف بشير الديك، وإنتاج نور الشريف وبطولته. وهو فيلم طاوله مقص الرقيب حتى أتلفه، قبل أن يمنع عرضه في الكثير من الدول العربية، وتعرض بسببه نور الشريف لحملات انتقاد واسعة في الصحف المصرية.
(2) الآية 14 من سورة الحشر.
(3) حديث ضعيف منسوب إلى النبي محمد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها