الأربعاء 2023/10/18

آخر تحديث: 15:29 (بيروت)

سلامٌ لأرضٍ خُلقت للسلام و ما رأت يوماً سلاماً

الأربعاء 2023/10/18
سلامٌ لأرضٍ خُلقت للسلام و ما رأت يوماً سلاماً
ألعاب الأطفال الباكية بين الركام تقول كل شيء (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لا شيء يمكن أن يقال عن غزة، وعن فلسطين، الدم يُسفك هناك، والأشلاء تتناثر على الأرصفة... لا شيء يمكن أن يقال... صور جثامين الأطفال تقول كل شيء، ألعاب الأطفال الباكية بين الركام والغبار تقول كل شيء، صور الطيور والقطط القتيلة تقول كل شيء، جدران المنازل المهدمة والمتصدّعة، الجدران العابقة بالذكريات والحكايات، والشاهدة على المآسي اليوم تقول كل شيء...

بعد المجزرة أو المجازر، لا تستغربوا ما سيفعله الأطفال الناجون منها في المستقبل، قال صديق...
الدم يؤسس للدم...
والخراب يجر الخراب.
لا شيء يمكن أن يقال عن غزة وغيرها.
الغبار المتصاعد، الدخان، الرماد، الموت يقول كل شيء
لا شيء يمكن أن يقال عن غزة وغيرها، ولا معنى لأي شيء، واللعنة على كل شيء، ليس لدينا غير الكلام والتنديد، وغير قادرين على فعل شيء.
لا نملك إلا الغضب والعواطف...

حين نتأمل الآن مجزرة مستشفى المعمداني، نعرف أن الأمر لا يتعلق بمجزرة واحدة، ولا بصاروخ واحد، الحرب كلها مجزرة، وسط أنظمة تحترف المجازر. وفلسطين منذ تقسيمها إلى الآن، صارت مجزرة دائمة، سواء بأعمال عصابات الهاغانا أو عملاء اسرائيل أو ضربات إف-16. هناك مجزرة في التقسيم، ومجزرة في التهجير، ومجزرة في محاولة محو الذاكرة، ومجزرة في الحصار الدائم.

الشّرق كله مجازر، من الحرب اللبنانية إلى حروب العراق وسوريا إلى احتلال فلسطين، من أفعال المليشيات المأجورة إلى كوابيس الأنظمة... داعش فعلت فعلها في المجتمع، والأسد فعل فعله الوحشي في المدن السورية، براميله المتفجرة لم تكن نزهة في سماء، لم يبق مدينة في الشرق من دون جلجلة ومجزرة، من بيروت إلى غزة، من الغوطة إلى الموصل، ومن صنعاء إلى بغداد.

لا شيء يمكن أنْ يقال عن أرض "خُلقت للسلام و ما رأت يوماً سلاماً"... إذا استعرنا قول محمود درويش.

إذا قلنا أنّ لبنان ما زال يعيش على وقع إفرازات الحرب الأهلية (1975- 1990)، وثغرات نظام الطائف، وأحياناً إفرازات حرب 1860، ومن بعدها أشباح اتفاقية سايكس - بيكو وخرائطها. ففلسطين، البلد الجار والمحتلّ، يعيش أعجوبة المكان، ثمّة صدفة عجائبية في أنها فلسطين مهد الديانات الديانات السماوية الثلاث، مع ما سببته هذه الميزة من أزمات وغوايات وحروب وغزوات منذ مئات السنين. ومن جهة أخرى، وهذا الأخطر، تعيش فلسطين تحت وطأة عار المجتمع الدولي وعار لعبة الأمم، إذ التزمت بموجبها الامبراطورية البريطانية إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، منذ وعد بلفور العام 1917 بإعطاء وطن لليهود في فلسطين على حساب الشعب الأصلي، فوقعت المجزرة، وصولاً إلى قرار تقسيم فلسطين العام 1948، فصرنا أمام مجازر...

والغرب الكولونيالي الاستعماري، لم يتحمل نتائج النكبة الفلسطينية، بل كان شريكاً في ارتكابها، ترك ملايين المواطنين في التيه والشتات والمجازر المتنقلة. ولم تمر سنوات حتى كان داعماً لإسرائيل العام 1967 في حربها على "دول الطوق" وقد احتلت أراضي جديدة وزادت من اللاجئين والنازحين والمجازر. وإسرائيل، بشكل ما، أسست الحرب في لبنان، وإسرائيل كانت ذريعة لصناعة الأنظمة الاستبدادية (البعثية والقذافية والصَّدّامية والناصرية) في العالم العربي، وهذه الأنظمة وجدت ذريعة لتفردها بالسلطة وإقامة السجون والفتك بأي مُعارض وارتكاب المجازر، بزعم أن العدو على الأبواب، ولا بد من رص الصفوف.

الهويات الأسطورية والتوراتية والدينية تنتج المجازر والقتل والقلق والخوف...
جنون الهويات والإيديولوجيات لا يمكن أن ينتج حياة مستقرة، وجل ما ينتجه ركام مدن ومساحات شاسعة من المقابر.

ليس علينا أن نتوهم أن "الغرب" يتأثر بمجزرة ويفكّر بخلاصنا أو خلاص الفلسطينيين... سوريا كانت كلها مجازر، تفرّج الغرب جيداً، ولم ير... صرّح وندّد، وبقي صانع المجازر في مكانه. بل إن أنظمة الغرب ترتكب مجزرة جديدة، فهي لا تسمح بسقوط الجزار ولا تسمح بحكمه، فهو وسط دويلات واحتلالات، والنتيجة تنعكس مجزرة للباقين في سوريا، ومجزرة للنازحين في المخيمات، الذين يموتون في الانتظار وسط الرثاثة والعنصريات التي تطاردهم وتحسدهم على مساعدات بائسة من هنا وهناك.

وسط هذه المعمعمة، المجتمع الدولي، لا أحد يفكر بحل جذري للمسألة الفلسطينية، الكل يُنظِّر.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها