الخميس 2023/10/12

آخر تحديث: 14:19 (بيروت)

شلومو ساند واستشرافه... إسرائيل إذ تشبه المملكة الصليبية

الخميس 2023/10/12
شلومو ساند واستشرافه... إسرائيل إذ تشبه المملكة الصليبية
شلومو ساند: "كان يتعيَّن منذ وقت طويل، التحرّر من الاحتلال الطويل والملعون الذي يودي بنا إلى التهلكة"
increase حجم الخط decrease
من باب الفضول المعرفي، كثيراً ما أتابع كتابات الباحث والمؤرخ، شلومو ساند، مؤلف كتب "نهاية المثقف الفرنسي" و"نبذة تاريخية عن اليسار" و"اختراع الشعب اليهودي"...

شلومو ساند أو الجندي الذي "يحلم بالزنابق البيضاء" كما وصفه محمود درويش في إحدى قصائده، المولود العام 1946 في معسكر للمشرّدين في لينز بالنمسا لأبوين يهوديين بولنديين هربا إلى أوزبكستان خلال الحرب. كان والده قد تخلّى عن الدين في شبابه، وانضم إلى الحزب الشيوعي وسجن في بولندا بسبب نشاطه الحزبي. على الرغم من أنهم ليسوا صهاينة، هاجرت العائلة إلى إسرائيل العام 1948، واستقرت في شقة من غرفة واحدة في فلسطين، فنشأ وترعرع فيها، وألّف كتباً عديدة حول لكشف زيف الرواية/الأسطورة الصهيونية عن أمة يهودية مزعومة. ويدور كتابه الثاني حول تعرية مُتخيّلهم عن "أرض إسرائيل"، فيما يتحدث الكتاب الثالث عن علاقته التي انقطعت، ليس مع تلك الأساطير فحسب، بل مع اليهودية نفسها، معلنًا خروجه من قفصها، قائلا: "أرى من واجبي الأخلاقي الانفصال نهائياً عن اليهودية المتمركزة حول ذاتها القبَلية".

وإذا تخطينا عناوين ساند، التي باتت معروفة ومترجمة الى العربية وتشكل مراجع بارزة ضمن ظاهرة المؤرخين الذين كتبوا سرديات مضادة للسردية الصهيونية، ربما أبرز الدلالات التي يستنتجها ساند، تذكرنا بقوة بما يحصل الآن في غزة، قوله إن "من شبه المؤكد أن الشرق الأوسط الآن، هو المكان الأخطر بالنسبة لأولئك الذين يرون أنفسهم يهودًا"، وحاول ساند استشراف غده وغد إسرائيل عبر قراءة ميول الأمس، فأبدى تشاؤمًا تجاه إسرائيل، فهي تُذكره بالممالك الصليبية، إذ يقول "إنّ مستقبل هذه ’المملكة الصليبية’ الجديدة، وكيلة العالم الغربي في قلب الشرق، يكتنفه الشك". وكان قد نبّه الجميع بأنّه "كان يتعيَّن منذ وقت طويل، التحرّر من الاحتلال الطويل والملعون الذي يودي بنا إلى التهلكة".

والحال أن عملية "طوفان الأقصى"، فرضت معادلات جديدة، كسرت الصورة النمطية للجيش الاسرائيلي "الذي لا يقهر"، (ربما هذه الاسطورة هي صناعة إعلام الأنظمة العربية)، وقالت إن الزمن دوار، فما قاله عبد الناصر بعد حرب 1967، "انتظرناهم من الشرق فأتوا من الغرب" سيقوله نتناياهو بعد طوفان الاقصى، بغض النظر عما ستؤول اليه المعارك وعمليات القصف في الأيام المقبلة، لقد بات مؤكداً أن اسرائيل التي تشكلت من شعب مخترع ومن وطن متخيّل على أرض مغتصبة زعمت السرديات الصهيونية أنها "بلا شعب"، لا تستطيع العيش بأمان وطمأنينة، سواء رفعت الستار الحديدي أو الجدار العازل، أو امتلكت القنبلة النووية أو نشرت أنظمة صواريخ القبة الحديدية، أو كانت مدعومة من اميركا أو الكوكب كله أو حتى لو سحقت حركة في المعركة، فثمة جيل سيولد ويقول أنا هنا، الذاكرة لا تنطفىء في هذا المجال.

تدرك اسرائيل المتعجرفة والمتغطرسة أنّ التطبيع الهابط بالمظلّة، في الأمس واليوم وغداً، سيبقى مجرّد وهم تبحث عنه مع هذا الزعيم أو ذاك ومع هذا النظام أو تلك المملكة، لكن على أرض الواقع، تبقى الشعوب والمجتمعات لأسباب متعددة، بمنأى عن قرارات الحكام ومشاريعهم. فمنذ أكثر من أربعين عاماً، أبرمت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، ومع ذلك حتى الآن ما زال الاسرائيلي يتسلّل تسللاً في زياراته السياحية، والمصري قلما يزور اسرائيل. وحتى الآن يصعب تقديم امسية شعرية أو موسيقية بين اسرائيلي وعربي... فالقضية ليست سهلة، ولن تكون سهلة، ولها علاقة بالذاكرة...

والسؤال، ماذا سيكون مواقف شلومو ساند من اسرائيل الآن بعد حرب غزة الخامسة؟ هذا ما ننتظره.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها