السبت 2020/02/29

آخر تحديث: 13:02 (بيروت)

تخريب وعرائض: الاحتجاج ضد الحدث الثقافي

السبت 2020/02/29
تخريب وعرائض: الاحتجاج ضد الحدث الثقافي
الاحتجاجات في تشيلي
increase حجم الخط decrease
بعد بضعة شهور من الهدوء، تخللتها مظاهرات متفرقة وروتينية، تجدد العنف في تشيلي هذا الشهر. في "فينا ديل مار"، المدينة الثالثة من حيث عدد السكان، والتي تستضيف المهرجان الموسيقي الأشهر في أميركا اللاتينية، في فبراير في كل عام، كان العنف أكثر تركيزاً. يوم الأحد الماضي، تعطلت الحفلة الافتتاحية للمهرجان، إذ هاجم متظاهرون ملثمون، الفندق الذي استضاف النجوم المشاركين، واحترقت سبع سيارات في مدخل الفندق وأصيب أكثر من عشرين شرطياً بجروح جراء الهجوم. ولم تنجُ بوابات الساحة التي تستضيف المهرجان، من الاحتجاجات التي تطورت إلى دورات عنيفة من الكر والفر بين قوات الأمن والمتظاهرين. لاحقاً استكملت فعاليات المهرجان من دون منغصات، لكن مع الكثير من الاحتياطات الأمنية. وفي حفلة الافتتاح التي بدأت متأخرة قليلاً، أطلق المغني البورتوريكي، ريكي مارتن، المنافسة الغنائية، بقوله: "نحن معك يا تشيلي، لا للصمت أبداً، دائماً بالحب والسلام"، في تأكيد على دعمه للاحتجاجات التشيلية لكن من دون عنف.

في اليوم التالي، وفي سياق آخر، ومن لندن، صدر خطاب بتوقيع الممثل والكاتب البريطاني ستيفن فراي، والكاتب الأميركي نعوم تشومسكي، الى جانب عدد من المنظمات، يدعو لمقاطعة مهرجان "هاي الثقافة". المهرجان الويلزي، الذي بدأ كمهرجان للكتب في الماضي، وأصبحت فعالياته تضم أنشطة موسيقية وفنية متنوعة، هو بلا شك واحد من أهم الأحداث في الروزنامة الثقافية البريطانية، بل وربما العالمية. لكن "كريسماس الثقافي"، كما يطلق عليه، تستضيفه هذا العام العاصمة الإماراتية، وبتنظيم من "وزارة التسامح". لم يكتف الخطاب الاحتجاجي بالإشارة إلى عدد من الكتّاب القابعين في السجون، من دون أبسط الحقوق، كالزيارة والتريض والقراءة، بل تأكيد ما يراه المحتجون مفارقة في أن مهمة وزارة التسامح الرئيسية هي التغطية على ممارسات إهداره. جرت احتفاليات مهرجان "هاي أبوظبي" بلا منغصات، لكن من المتوقع أن تتجدد الاحتجاجات وعلى نطاق أوسع عند استضافة إمارة الشارقة، كضيف شرف في معرض لندن للكتاب، لاحقاً هذا العام.



بين الاحتجاجات ضد مهرجان "فينا ديل مار" للموسيقى، وبين مهرجان "هاي" فروق عديدة. فبين استخدام التخريب والعنف، وبين توقيع العرائض، مسافة واسعة، من حيث الوسائل. أما الدوافع، فإن الاعتراض في حالة "هاي"، كان محدداً، وموجها ضد سجل دولة الإمارات الحقوقي. أما العنف الموجه ضد مهرجان الموسيقى التشيلي، فبدت دوافعه فضفاضة وأكثر راديكالية. الهجوم جاء في سياق عمليات تخريب أخرى، استهدفت مؤتمرات رسمية سابقة، بيئية وتجارية، في العاصمة التشيلية، ما انتهى بإلغائها من قبل السلطات. فالهجوم على مهرجان الموسيقى التجارية يبدو مفهوماً، بوصف الثقافة الجماهيرية جزءاً أصيلاً من المنظومة القائمة، بشبكة الممولين وشركات الإنتاج والميديا والتوزيع والرعاة الرسميين.

في الأعوام القليلة الماضية، تصاعد استخدام المهرجانات الفنية كمنصة للاحتجاج السياسي. وبلا شك، أن الأوسكار اليوم هو المثال الأوضح على هذا، وفي العام الماضي كانت مسابقة اليورو فيجن الغنائية فرصة للاحتجاج ضد الاحتلال الإسرائيلي. لكن، بالتوازي، يبدو الحدث الثقافي والأدبي اليوم، وبشكل كبير، هو نفسه هدفاً للاحتجاج، ولا يبدو أن هناك فارقاً كبيراً بين الثقافة الجماهيرية أو الرفيعة. فإن كانت الأولى أصبحت، منذ وقت طويل، ركناً من المنظومة الرمزية والاقتصادية القائمة، وأحد عوامل تعزيزها، فالثانية تسعى منذ وقت طويل لتأخذ مكانها بجانب غريمتها التجارية، في رغبة للعمل حسب منطق السوق، ومحاولة التحرر من عبء الأخلاقي.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها