الإثنين 2020/02/17

آخر تحديث: 23:21 (بيروت)

رحيل الشاعر بندر عبد الحميد..صاحب البيت الدمشقي المفتوح

الإثنين 2020/02/17
رحيل الشاعر بندر عبد الحميد..صاحب البيت الدمشقي المفتوح
increase حجم الخط decrease
توفي الشاعر السوري بندر عبد الحميد في دمشق عن 73 عاماً، وله مجموعة كبيرة من المؤلفات في الشعر والسينما. تلقى تعليمه في الحسكة، وتخرج في جامعة دمشق حاملاً الإجازة في اللغة العربية، عمل في الصحافة وفي "دار المدى" العراقية. بدأت علاقته بالسينما، حين كان يشاهد الأفلام يومياً، ويقرأ ويكتب عن الفنّ السابع.. ذهب إلى هنغاريا العام 1979 لدراسة الصحافة، زاختير عضواً في مجلة "الحياة السينمائية" وأسّس سلسلة "الفن السابع"، ثمّ عمل أميناً لتحريرها، وهي تُعنى بنشر الكتب المتعلقة بالسينما... ومن أبرز الدلالات المؤثرة في مسيرة بندر عبد الحميد أن منزله في دمشق كان مفتوحاً للجميع، خصوصا الشعراء والمترجمين والمفكرين، يشبه مقهى الى حد ما أو مفتاحاً للعاصمة السورية بحسب تعبير احدهم...


من مؤلفاته ومعظمها مجموعات شعرية: "كالغزالة كصوت الماء والريح" (1975)، "إعلانات الموت والحرية -شعر"(1978)، "احتفالات"(1979)، "كانت طويلة في المساء"(1980)، "مغامرات الأصابع والعيون"(1981)، "الطاحونة السوداء" (رواية- 1984)، "الضحك والكارثة" (1994)، "حوار من طرف واحد"(2002) "مغامرة الفنّ الحديث" عن الفنّ في القرن العشرين، وكان آخر كتبه "ساحرات السينما" صدر عام 2019 عن دار المدى".

وكتب الروائي العراقي شاكر الأنباري في رثائه: "جسد لي الشاعر بندر عبد الحميد روح دمشق الثقافية في تلك السنوات التي عشتها هناك، والرجل تاريخ، خبير في تفاصيل الواقع الثقافي لسوريا كلها، وكان بيته الصغير واحة لقاء شبه يومي، غالباً ما نجتمع فيه مساء مع شلة تتغير بتغير الظروف، تراقبنا من الجدران المزخرفة أسماء، وتواقيع، ولوحات ماض بعيد يعود إلى عقد السبعينيات. يلتقي في ذلك البيت، الرسام والشاعر والمترجم والروائي والسينمائي، وكنا أنا وصالح علماني من الوجوه المثابرة على الحضور. أما الضيوف القادمون من خارج البلاد، الضيوف العرب، فبيت بندر لا يمكن إلا أن يكون محطة للتوقف وقضاء أمسية معرفية تحمل نكهة مميزة دائماً. شغلت السينما بندر كثيراً، وتأتي بعد الشعر في همومه، حتى صار أرشيفاً متنقلا للأفلام الغربية والشرقية، خبيراً بنمط الإخراج والتمثيل وأبرز الوجوه النسائية التي احتلت الشاشة ذات يوم. معظم الأيام، أعرج على دائرة السينما التي شغل فيها موقع مدير تحرير لمجلة "الحياة السينمائية"، وأجلس هناك حتى يحين موعد الخروج، فنعود سوية إلى بيته، محملين بعدّة الجلسة من طعام وشراب، منتظرين من يتوافد إلى الباب المفتوح دائماً من أصدقاء مقهى الروضة، لنشترك جميعا في إعداد المائدة. بروحه السمحة، وكرمه الريفي، يدخل بندر عبدالحميد القلوب من دون استئذان، وأكثر ما كان يشد انتباهي فيه تلك السمة الطفولية التي تأخذ تعقيدات الحياة ببساطة، وفيها من دون شك شيء من العبثية المحببة. ولأكثر من عشر سنوات لم أر بندر غاضباً يوما، لقد كان سمحا حتى في غيظه. ومثلما لم تعد سوريا كما عرفناها ذات يوم، بعدما تكالبت عليها الرزايا وغيبت ألقها عن محبيها، كذلك لن نجد فيها مرة أخرى شاعرنا الدمث، المبتسم دائماً، بندر عبد الحميد، سليل الصحاري، والآمال المحبطة، والتمرد المجهض، والأحلام الغائبة مثل مذنب تائه في السماء...


من قصائده


إنتظار القطار


بعد قليل, يصلُ القطار إلى المحطّة
إلى رصيف القُبلات, والدموع
دائماً, دائماً
ثمة قطاران يسيران نحو المحطّة
قطارُ العشاق
وقطارُ الأسرى
ومن المُؤسف دائماُ
أنّ الناس يزدادون وحشيةً
كلما تطوّر الفنّ

أغمضوا عيونكم قليلاً
وإحذروا النساء الشقراوات
وأجمل ساقيّن في العالم
والصدر الأعظم
وقفازيّ [ريتا هيوارث]
وحذاء [شابلن]
ولاتخلعوا قمصانكم بسهولة
على طرف السرير

تُهاجر الأفلام كالطيور
تُعيد كتابة التاريخ
من [حصان طروادة]
إلى [ميكي ماوس]
من [لصّ بغداد]
إلى [دراكيولا]
من [كاليغاري]
إلى [هتلر]
الدماءُ تغطي الشاشة
وحُمّى قصائد [بودلير]
تلهثُ في شفتيّ[باب]
فأينَ الحقيقة
في كلّ هذا الدمار؟

تسافرُ الكاميرا السحرية
دائماً
تغزو القمر
تكتشف أعماق المحيطات
والشوارع المنسيّة
والجبهات المُلتهبة
في الحروب المُستمرّة, الخاسرة
بين قابيل, وهابيل
في أرض الحليب, والعسل
أرض الرز المر,ّ والهامبورغر
الطائرات العملاقة تقصف[غورنيكا]
دائماً
وليس ثمة كلمات تكفي
للإعتذار من كلّ الضحايا
عن المآسي التي إزدهرت
بعد إختراع الديناميت

أغمضوا عيونكم قليلاً
وإنتظروا اللقطات الأولى
على هذه الشاشة
مهرجان الحبّ, والحربّ
أكبر المعارك في تاريخ الدبابات
وأجمل قصص الحبّ في العالم
ثمة أغنية, ورصاصة
في القلب معاً
في أيام الجوع
في ليالي الإمتاع, والمُؤانسة
ومن المؤسف يا[أورسون ويلز]
أن لا نستطيع أن نعيش كلّ قصص الحبّ
أو نرى كلّ الأفلام الجميلة
منذ ولادة السينما
وحتى نهاية القرن القادم

سوزان المجنونة

كان الدرب طويلاً كخطوط في فناجين القهوة
مرتفعات وظلال طيور وغبار الشمس
وسوزان المجنونة
موسيقى ودم وتراب
لم نسمع من قبل صدى
لم نلمس أشجارا
لم نتعثر بزجاج.
نكتشف القبلة صمتا
نرسم جرارات وصحوناً طائرة
وخيولا من خشب عند الأبواب
نحصد قمحاً ونغني
نحصد جرحاً ونغني
في أول رحلت حب في أول يوم
في أول شهر في القرن الثامن
كانت سوزان المجنونة
تنثر بعض الأسئلة المرة
تعطي للمرتفعات الأبواب
وتعطي الفلاحين فؤوساً
وعربات نبيذ
تعطي أقلام رصاص للبحر

الطلقة والكأس الشاهد
والجوع مغني العصر

كان الدرب طويلاً كخطوط في فنجان القهوة
موسيقى والدم تراب
حيوانات تبكي في آخر ليل
أنهار لا أجفان لها
أجراس رماد
في أعياد القتل وفي أعياد الجوع
أجراس رماد
دن دن دن
دن دن

- كان الربيع المجنون يصعد معنا إلى أرصفة
لا تصل إليها الرصاصة- سوزان النحيفة
المجنونة ليست
حزينة وليست فرحة- لكنها لا تستطيع أن
تخفي علامات الذهول- بدأت العاصفة بقبلة
تحت رنين الأجراس- كانت الأجراس القديمة
تتمايل كطيور سجينة في أعشاشها- كنا
نخفي عن أصدقائنا حبنا القديم للرقص
والرسم- نتأمل بصمت عيون الناس
والحيوانات الوسيمة- كما نتأمل الصخور
والأشجار التي لا تشبه غيرها- قالت
أخسرك- لم تكن تمزح- كانت موجة
من الكآبة تعبر وجهها الساحلي-
أذبح قلبي مشتاقاً للعشب
وموسيقى الماء
أحفر بئرا في الصحراء
اسمي عينيك زهور الليل
اسمي وجهك وقوساً وكتاناً واغني
هذي مدن
من أعطاها أرصفة- آلات حاسبة- كبريتا-
برسيما- مصاصات دماء- حصالات نقود-
قطافات زهور-
من دمرها-
موسيقى ودم وتراب
يجتمع الأطفال وينتظرون القمر المجنون
يجتمع القناصون ويقتسمون رصاص الليل
ويقتسمون العشاق وعمال الورديات-
ويحتفلون بعرس النار
الفاشستية
لا تنتظري زهراً أو قبعة
من حاملة الطيارات الأمريكية
* * *
في القرى البعيدة يعتقدون أن عنزة تطوف
على البيوت- توزع الغضب والكآبة على
جماهير الأطفال- أما سوزان فإنها تستقبل
الكآبة في مشاهد الاضطهاد والخوف
والكذب- موجة من الكآبة وموجة من الحب
المجنون- هكذا تتألق حياتها وهي تنمو
كشجرة برية لا تخاف العطش-

نبدأ- هذا أول حرف
في لغة لا نعرفها
دادا- ماما- دا- دا
مامابا- دا
سوزان المجنونة تهذي وتغني
عن عربات- عن مذبحة- عن
سجن لطيور الحب وسجن للأطفال-
حقول ذئاب وحقول دخان-
عن ثلج وبقايا إنسان- وبقايا مدن
وبقايا مزروعات.
عشنا ورأينا الدنيا في القرن الثامن
عصر خيول الجمهورية-
عصر المارلبورو
أنت أمير هذا الحزن ونحن الأسرى
في مدن السمك الميت
نحصد قمحاً ونغني
نحصد جرحاً ونغني
نكتشف القبلة صمتا
نكتشف الدنيا-
ما حدث فعلاً هو أننا كنا نسافر شرقاً،
نلتقي في الصباح الباكر ونشرب القهوة،
ثم ننظر إلى عيون المسافرين وأصابعهم،
في طريق النظر إلى المرتفعات البنفسجية،
ومرتفعات رمادية طفيفة كأنها مرسومة بقلم
رصاص- ننتظر أن يطلع منها فرسان
الهنود الحمر الرائعين – في الليل الموسيقى
والكتب- في النهار الخبز والشاي والكتب
- نضيع في المدينة تحت مطر الربيع – لا
نعرف مكاناً – ندخل بوابة ملتوية- نكتشف
صحراء صغيرة- نتفق على عظمة رسوم
ماكس أرنست وكاندنسكي وتنفرد سوزان
النحيفة المجنونة بحبها القديم لماتيس.
برقية حب من سوزان
-الخبز غداً
لو نمنا سنموت طويلاً –
سوزان المجنونة
عطر الصيف الراهن
عطر المرتفعات
وعطر جلود الناس
بكاء الحيوانات المنفية
في عصر المارلبورو
لو نمنا سنموت طويلاً
الطلقة والكأس الشاهد
والجوع مغني العصر

تسمع سوزان رنين الأجراس فتهذي بقوة
عن الجسور المعلقة والحيوانات الجديدة
وحقول الذرة والحبر- تصرخ سوزان
أن الشجر ما تنمو وطفلاً يصرخ وكفا
منسية تخلع باباً موصداً منذ آلاف السنين
- تمد يدها إلى الأجراس وتهذي- أيتها
الأجراس كوني مجنونة إلى الأبد-

كان الدرب طويلاً كخطوط في فنجان القهوة
موسيقى ودم وتراب
أجراس رماد القرن الثامن
أجراس رماد
دن دن
دن ن ن ن ن ن ن ن ن ن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها