الأربعاء 2019/07/17

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

غالب حويلا:الخط العربي في مشواره الفني

الأربعاء 2019/07/17
increase حجم الخط decrease
يمسك غالب حويلا(26) الخط العربي بيده ويأخذه مشوارًا. يعبر فيه من زمن إلى آخر. هكذا يبدو معرضه الفردي الأول* مشوارا يبدأ من اللوحة الأولى إلى اللوحات المجاورة تباعًا، من الحائط إلى الحائط المقابل له، ومن العبارة المكتوبة إلى التصميم، من الجزء إلى الكلّ. اختار حويلا مقولتين اثنتين لجلال الدين الرومي أعاد رسمهما في مجمل لوحاته المنجزة خصيصًا للمعرض، وهما: "وحين خرجت من نفسي وجدت نفسي" و"نحن المرآة وكذلك الوجه المنعكس فيها".



يقول حويلا لـ"المدن" أنه اكتفى بمقولتين لأن لوحاته هذه لا تهدف للتدوين وحسب إنما هي تدعو المتلقي لأن يحسّ اللوحة، لأن تمسّه وتترك فيه أثرًا ما"... على الحائط اليمين، كتب المقولة الأولى وكتب الثانية على الحائط المقابل له. كل اللوحات المعلّقة على الحائطين هي رسم للمقولة التي طبعت عند كعب الجدار بالأسود.

يُقرأ معرض حويلا على مستويات ثلاثة: الحائط الأول، الحائط الثاني، وتقابل الحائطين لبعضهما البعض. اللوحة الأولى على الحائط المخصص لمقولة "وحين خرجت من نفسي وجدت نفسي" هي عبارة عن تدوين للمقولة باللون الأسود على لوحة بيضاء باستخدام الخط الديواني الحرّ، والذي اعتمده حويلا في مجمل لوحات المعرض. يقول حويلا إنّ هذه هي بداية الرحلة التي قام من خلالها بمزج الخط العربي الكلاسيكي مع الطباعة الحريرية. في مجمل أعماله المعروضة، عمد حويلا على استخدام مفهوم الطباعة الحريرية من دون تنفيذه. وهذه بحسب قوله خدعة بصرية إذ دوّن تحت اللوحة الثانية، وهي تكرار للأولى إنما بألوان فاقعة لم يعتدها الخط العربي، عدد النقاط التي تحويها وهي 27618 نقطة.

اللوحات التالية هي دخول أعمق في التفاصيل، كأن تجوال المتلقي من لوحة إلى أخرى ليس إلا إبحار نحو أعماق اللوحة الأولى. يخلص حويلا، بالتوازي مع نهاية الحائط، إلى دوائر كتبت فيها الجملة ذاتها وبالتالي هو ينتقل من الكل إلى الجزء وبالاتجاه المعاكس. إضافة إلى هذه النقلة، يتبع حويلا مساراً آخر يأخذه من فكرة النقطة إلى مفهوم الدائرة، وهو امتداد لأعماله السابقة التي ركزّ فيها منذ بداياته على النقطة باعتبارها أساس الخط العربي. هكذا إذا، بدأ حويلا من النقطة وهي بدايات الخط، ليصل إلى ثقب القماش والطباعة الحريرية.

ويعتبر حويلا، في هذا السياق، "أنّ ثقوب قماش الطبع التي تسمح للألوان بالمرور تشبه تماما شخصية الإنسان وكيانه. فهو يختار ما يعبر من خلاله وما يبقى خارجه. فمجمل نقاط العبور هذه، أي أفكاره وأحاسيسه وأفعاله، تشكل طينة شخصيته. والنقاط المتواجدة على قماش الطبع الحريري هذا، والتي تمنع اللون من العبور تشبه تماما مكامن عزلتنا وصدنا للحياة بألوانها". بعد دراسته وتجربته في فن الخط العربي والطباعة الحريرية، دمج حويلا هذه الفنون بحرفية لتجسيد أشمل لفكرة هذا المعرض. ومن ناحية أخرى، كان لا بد أن يسلط حويلا الضوء على مفهوم في غاية الأهمية وهو العودة إلى أعماق الذات لمعرفة النفس الإنسانية. كما أنه يعكس من لوحاته العلاقة بين كل ثقب وقطعة القماش وبالتالي علاقة الجزء بالكل. أمّا الألوان الفاقعة التي اعتمدها بدءا من اللوحة الثانية حتى نهاية الحائط، خلافا للوحة الأولى حيث كتب على الأبيض بالأسود، فيقول ببساطة إنه أراد أن يرى الخط العربي الكلاسيكي بحلّة حديثة. ويضيف: "لم أحدّ نفسي في إطار معيّن طالما لي حرّية مطلقة باختيار الألوان والمواد؟"

بالفعل، لا حدود للعب حويلا بالألوان والأشكال والمواد. في زاوية خاصة، علّق حويلا اللوحة التي لم تكن في الحسبان والتي أبصرت النور في الأسبوع الأخير الذي سبق افتتاح المعرض. ولدت فكرة اللوحة هذه أثناء العمل على اللوحات الأخرى، ويقول حويلا إنه لم يفهمها بعد لكنه شعر بضرورة إنجازها وبأنها تنتمي لهذه الزاوية. واللوحة عبارة عن رسم لمقولة الرومي الأولى كتبت على قماشتين "كانفا" موضوعتين فوق بعضهما البعض مع الحفاظ على مسافة تتيح رؤية القماشة الأساسية عبر القماشة الموضوعة أمامها، والتي تحوي ثقوباً على شكل حروف وكلمات. يعتبر حويلا أن هذه اللوحة بالذات هي أفق وإبحار جديد بالنسبة له. وهي وسيلة للتعبير عن أكثر من إحساس واحد في آن معا.

عند الحائط المقابل، دوّن غالب حويلا المقولة الثانية وهي "ونحن المرآة وكذلك الوجه المنعكس فيها". والأعمال المعلّقة على الحائط هي كلها دوّنت على مرايا موضوعة في إطارات سوداء، بحيث يستحيل على الزائر أن ينظر إلى أعمال حويلا هذه من دون أن يرى انعكاسه فيها. وهذا بالضبط ما سعى ويسعى إليه حويلا، أن يجد الفرد نفسه في أعماله. يعتبر حويلا أنّ انعكاس الفرد في أعماله هذا ليس إلا انعكاس كل فعل صغير نقوم به في حياتنا على مسار شخصياتنا وكياناتنا. على هذا الحائط اختار حويلا أن يضع في الوسط اللوحة الأساسية المؤلفة من مجموعة مرايا صغيرة على شكل مربعات يكون وسطها نافرًا للخارج نسبة للمربعات الموجودة حوله، والغاية من ذلك هو خلق حركة في اللوحة ونوع من الديناميكية. كل مربع أو كل مربعين فيهما مقولة الرومي بحسب موقع المربع في اللوحة. أما على يمين اللوحة الأساسية وعلى يسارها فوضع حويلا مربعا جنب الآخر باعتبار هذه المربعات المنفردة تحضر المتلقي للمجموعة الأساسية من دون أن تطغي عليها أو تلفت النظر عنها.

آخر قطعة يختم الزائر فيها جولته هي الوحيدة التي نفذت باستخدام تقنية الطباعة الحريرية وهي لوحة دوّن فيها حويلا كلمة "إحساس". يقول إنه كان بوعي كامل وبعناية يختار كل نقطة وموقعها. أما مفاجأة المعرض فتصميم في غرفة خاصة يعبر إليها الزائر بعد فتحه الستارة، فيجد نفسه أمام مرآة تغطي الحائط. عند المرآة، تصميم من الخشب على شكل دوائر صغيرة بيضاء كتب فيها حويلا حرفي الحاء والسين، أي كلمة "حسّ" وهي تجريد من "إحساس".

يغير التصميم لونه مع تبدّل الإضاءة المصوبّة نحوه. يقول حويلا إن الخط العربي كان يستخدم في البدء للنسخ والتدوين والـتأريخ لكنه انتقل للفنّ بعد اختراع آلات الطباعة. ويشير إلى أن معرضه هذا ليس للقراءة إنما للإحساس، والدليل على ذلك أنه اختار مقولتين فقط لا غير ليقيم المعرض برمّته.

أمّا المستوى الثالث للمعرض فلا يُقرأ إلا من خلال مقاربة الحائطين معًا إذ ينتبه عندها الزائر أن الحائط الأول خصصه الخطاط للون الأبيض والثاني للأسود، ووضعهما بمقابلة بعضهما البعض ليظهر التباين والازدواجية داخل كل إنسان، فيقول لـ"المدن" خاتماً: "ما الحياة إلا رقص منسجم للأضداد في مكان واحد، وفي الإنسان نفسه بالتحديد".

*تنظم المعرض المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية التي تسعى من خلال هذه المساحة إلى تسليط الضوء على المواهب الشابة ويمتدّ معرض غالب حويلا إلى 17 آب في SV Gallery في الصيفي بيروت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها