الكلام عن الشعر يبقى ملتبساً. لأن الشعر في أساسه ملتبس كالحب والحمّى. مسألة اختيار الشعر للشاعر أو العكس، مسألة معقدة لا نجدُ أنفسنا إلّا في غمار الشّعر نتأثر ونؤثر. كمن وقع في الحب لا يدري متى وأين وكيف؟! ما يعلمُه فقط هو أنّه يحبّ. وهذا الإلتباس في الإجابة هو عنصر من عناصر تفوّق الشّعر وفرادته. هو الذي يجعل له رهبة ومكانة.
أكتب الشعر وهذا كل ما يعنيني في الأمر. الكتابة هي محاولة لترميم تكسّرات الجسد والروح بشيء من اللغة. في البداية تكون الكتابة ذاتية بالدرجة الأولى، لكن حين تخرج على شكل قصيدة أو نصّ، تلقائياً تصبح بين يدي القارئ (إلقاء أو في كتاب). بالتالي الكتابة فعل مشاركة ومشافهة بين الكاتب والقارئ. أمّا بالنسبة للوقت، فهذا أمر محيّر، فكلّ قصيدة وكلّ نصّ له وقته وحالته النفسيّة وطابعه الخاصّ الذي يخرج منه إلى الملأ .
كيف أكتب ؟ لا أعلم..
يعجبني عربياً: محمد علي شمس الدين، عباس بيضون، بول شاوول، يوسف بزي، فيديل سبيتي.
عالمياً: غارسيا لوركا، جاك بريڤير، بول ڤاليري.
لا يمكننا تحميل الشعر أكثر من طاقته. ليس من وظيفة الشعر اختراق الحواجز ورفع الصوت عالياً، بل يكتفي الشاعر بدوره في الإضاءة على الحوادث الواقعة والمتخيّلة بشكل بسيط ولمّاح. هذا دوره. بالطبع هناك حواجز عديدة أمام الشعر، أوّلها حاجز الرواية التي ازدهرت بشكل ملحوظ على المستوى الشبابي. وثانياً، حاجز الفايسبوك الذي فرّخ شعراء فايسبوكيين وابتلع شعراء ورقيين آخرين. والحاجز الأخير والأهم، هو حاجز الذائقة الفنية في وقت لم يعد يتّسع كثيراً للشعر وبخاصّة الجديد منه. يبقى للشّعر دوره الطليعي، برأيي، بين الفنون كافة ومكانته في اختصار الوعي الجماعي والوجع الجماعي بجملة شعريّة خصبة.
تجربة النشر كانت مقلقة في الحقيقة، لكن كان لا بد من القيام بها. لا أخفي أبداً أنني عرضت مجموعتي "غلامٌ يطاردُ مجرّة" على عدد من الشعراء أصحاب التجارب المرموقة التي أحترمها، وبعدها قمتُ بالنشر. بالفعل كانت تجربة مميزة وبديعة، خصوصاً مع دار النهضة العربية الّتي، كعادتها، أعطت حيّزاً لهذا الجيل الجديد كي يقول ما لديه. لستُ نادماً أبداً. كانت تجربة جميلة.
قصيدة:
هذيان
1- كم ستكلّفني العمليّة؟
أن أقتلَ رجلاً أزعجني
أو أنزع السّترة عن ثدي امرأة
في المقهى
أو أن...
أن أشربَ دم عدوّي الغائب!
أن أفتح باب البيت ونافذة
الأوهام
أن أسرقَ حبل غسيلٍ لامرأة حبلى!
أن أفتح باب الموسيقى
وأغنّي للًه وللشيطان
أن أفعل ما ينكره العرّافون
وأخلعَ بزّة أحزاني
وأموت.
2- وأحياناً
يحلو لي
أن أكونَ إلهاً
فوق وسائد حجريّة
المكان لا يتّسع للأرصفة
كرسيّ جاثمٌ فوق صدري
نوافذي هرمة لا تليقُ بأحد
ذلك العمر الذي قضيته
دون فائدة .
3- بلا حسدٍ وسحرة وشعوذات
جرياً على عادتي
محمولاً في نعش
أو مرمياً في مستنقع.
4- أكتبُ
كي لا أضلّ الطّريق.
(*) مساهمة الشاعر محمود وهبة في ملف "الشعراء الجدد... لماذا أتيتم إلى الشعر؟".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها