الجمعة 2018/09/07

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

"لمسات صمود": الفن كموضوع للشفقة؟

الجمعة 2018/09/07
"لمسات صمود": الفن كموضوع للشفقة؟
يخرج الفن من الغاليري والاستديو، إلى المخيم، ليوسع تخومه
increase حجم الخط decrease
"أحببتُ اللعب، ووالدي اعتاد أن يأخذني إلى الملاهي. كنت أركب الأرجوحة، أنا وأولاد عمومتي. كانت هناك أرجوحة كبيرة في سوريا. وأثناء العيد، كان الأطفال يقفون طابوراً ليدفعوا 5 ليرات، ويلعبوا عليها. لكنها كانت بالمجان لنا، فهي كانت موضوعة على أرض ملكنا".
 
النص القصير، للطفلتين ديما ويارا، المكتوب بالإنكليزية، مثبت تحت لوحتهما "الأرجوحة" المرسومة بألوان الإكليريك: طفلة متدلية من القمر، على أرجوحتها، وتحيط بها زهور ملونة. تقف لوحة الأختين، بين سلسلة من اللوحات بعناوين، "البيت" و"الطائرة" و"خزانة الجدة" و"قوس قزح"، "الحلم"، ومجموعة أعمال لأطفال سوريين في مخيمات اللجوء في لبنان. 

يقدم معرض "لمسات الصمود"، المقام في صالة "بي 21"، في وسط لندن، أعمال 11 فناناً، تتنوع بين الشعر وأعمال الفيديو والتصوير والرسم. وتسعى الأعمال المشاركة إلى استكشاف الإمكانات الكامنة في الفن، لتوليد الصمود في أماكن الصراعات. ويأتي عنوان المعرض وموضوعه، متوقعاً، وربما يكون مكرراً أيضاً، في تمحوره حول فكرة الصراع التي أضحت لصيقة بفنون المنطقة، ومعارضها في الخارج. وبالنظر إلى برنامج الغاليري اللندني الذي يستضيف المعرض، فإن موضوع الصراع يأتي متسقاً، مع قائمة فاعلياته وبرامجه، التي تتراوح بين عناوين "الفن تحت الحصار" و"إعادة بناء قرية فلسطينية مدمرة".

لكن المعرض يقدم ما هو أبعد من تيمات التوعية السياسية بقضايا المنطقة للجمهور الغربي، وعرض التجارب الفنية للاشتباك مع مآسيها. فبالإضافة إلى عدد من الأعمال التي تعكس تجارب فردية لعدد من الفنانين وتستكشف مواضيع الاغتراب واللجوء والحرب، فإن "لمسات صمود" يقدم الفن بوصفه فعلاً جماعياً وتشاركياً. فعبر سلسلة من الأعمال لكل من ديالا بريسلي، وغالب حويلا، حيث يشارك أطفال المخيمات في عملية الإنتاج الإبداعي، فإن المعرض يشتبك مع مفهوم الفن بوصفه علاجاً. فعدد من النصوص الشارحة، تستخدم لغة طبية/سيكولوجية، مشيرة إلى العمل الفني التشاركي في المخيمات باعتباره "تدخلاً". ويدعم ذلك التصور، برنامج المعرض الذي يتضمن محاضرة عن "العلاج النفسي بالفن".

يخرج الفن من الغاليري والاستديو، إلى المخيم، ليوسع تخومه، ويتحرر من نخبويته، ويشتبك مع عالمه والخبرة اليومية لمحيطه. لكن، وفي تبني الفن لأدوار اجتماعية وسياسية، بل وعلاجية أيضاً، يخاطر بمسألة الجمالية، ويناكف مبدأ "الفن للفن" وشرطه غياب المنفعة. لكن سرعان ما يعود الفن مرة أخرى إلى الغاليري، حيث تعرض لوحات أطفال المخيم للبيع، وتذهب الحصيلة لصالح مؤسسة "ألفا بيت" الخيرية، التي تدعم التعليم البديل للأطفال اللاجئين. تضيف هذه الرحلة العكسية، من المخيم إلى الغاليري، طبقة إضافية لدور الفن، بوصفه جهداً خيرياً هذه المرة. 


ينجح معرض "لمسات صمود" في عرض زوايا ملهمة لإمكانات الفن، وأدواره في عالم مضطرب. لكنه، في الوقت نفسه، يثير أسئلة حول مدى جدية تلك المحاولات للخروج بالفن من الاستديو، إلى المخيم، ومدى عمقها. فماذا حدث لأطفال المخيمات بعد عملية "التدخل" المحدودة زمنياً؟ وبعيداً من سؤال الفاعلية، كيف لبرامج تمويل الفنون ودعمها، وأجندتها، أن تحصر أو توسع آفاق مبدعي المنطقة والموضوعات التي يشتبكون معها. وبمعنى آخر، فإن السؤال المُلحّ، هو كيف لفنانينا أن يتحرروا من طغيان السياسي في نشاطهم الإبداعي، وفي الوقت نفسه أن يظلوا منخرطين في محيطهم اليومي من دون الانفصال عن مجتمعهم.

لا ينقص لوحة "الأرجوحة"، لديما ويارا، ما يجعلها عملاً فنياً كاملاً ومُلهماً، سواء عنصر الخيال الذي لا تفسده براءته، أو التركيب اللوني والبنية البصرية لعناصرها. لكن ما يبدو محبطاً، هو أن "الأرجوحة"، في الأغلب، ستكون عملهما الوحيد الذي سيعرض للجمهور، وأن الإعجاب به لن يكون مؤسساً بالضرورة على قيمته الجمالية، بل وعلى الأرجح بدافع التعاطف أو الشفقة، كغيره من فنون المنطقة في نظر العالم. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها